ليست الهزيمة وحدها ما يدفع الرياضي إلى الانسحاب، بل أحيانًا يكون الانتصار نفسه عبئًا لا يُحتمل. التونسية أنس جابر، إحدى ألمع نجمات التنس في العالم العربي، قررت “أخذ خطوة للوراء”، والابتعاد عن الملاعب للتعافي واستعادة متعة الحياة.
لم يكن السبب إصابة عضلية ولا تراجعًا في الأداء، بل إنهاك داخلي واعتراف صريح بأنها “كانت تعاني منذ فترة”.
قرار نجمة كرة المضرب التونسية أنس جابر يضعنا أمام تساؤلات أكبر: هل أصبحت الصحة النفسية هي الحلقة الأضعف في حياة الرياضيين؟ ومتى يتحول المجد إلى عبءٍ ثقيل يخنق أصحابه على أرض الملعب؟
لا تفوّت قراءة: تجربة الـ”Food Trucks”.. عربات طعام لا تفوتك هذا العام في الساحل الشمالي!
حين تتحوّل الملاعب إلى عبء نفسي: أنس جابر تعلن التوقف المؤقت عن التنس

أكّدت النجمة التونسية أنس جابر، ابنة الثلاثين عاما، أنها قررت “أخذ خطوة للوراء” من عالم التنس، بعد خروجها المؤلم من بطولة ويمبلدون الشهر الماضي.
وأضافت وصيفة بطولة ويمبلدون لعامي 2022 و2023 وفلاشينغ ميدوز 2022 قائلة: “أشعر الآن أن الوقت قد حان لأتراجع خطوة إلى الوراء وأضع نفسي أخيرًا في المقام الأول: لأتنفس، لأتعافى، ولأعيد اكتشاف متعة الحياة ببساطتها”.
و انسحبت أنس جابر من مباراتها أمام البلغارية فيكتوريا توموفا، بعد تأخرها بشوطين مقابل لا شيء في المجموعة الثانية.
بدأت المباراة بصعوبات واضحة، حيث خضعت لفحص ضغط الدم ثم طلبت استراحة طبية خارج الملعب، ما أثار قلق جمهورها.
في أعقاب اللقاء، أعلنت جابر نيتها الابتعاد قليلاً عن التنس، مشيرة إلى شعورها بعدم السعادة داخل الملعب منذ فترة.
في يوم الخميس الماضي، أعلنت رابطة التنس النسائي (WTA) انسحاب جابر من بطولة مونتريال المفتوحة، المقررة في 27 يوليو، بسبب “الإرهاق”.
وبشكل لافت، لم تسجل أنس جابر اسمها للمشاركة في بطولة أمريكا المفتوحة، لتكون الوحيدة بين أول 99 مصنفة تغيب عن الحدث.
هذا القرار جاء بعد موسم قاسٍ تراجعت خلاله إلى المرتبة 71 عالميًا، بعد أن كانت وصيفة لثلاث بطولات كبرى والمصنفة الثانية سابقًا.
وعبر منشور مؤثر، كتبت جابر: “قاتلت رغم الإصابات والتحديات، لكن في داخلي، لم أشعر بالسعادة في الملعب منذ وقت طويل”.
هكذا تنضم أنس جابر إلى قائمة متزايدة من الرياضيين الذين يسلّطون الضوء على أهمية الصحة النفسية في مواجهة ضغط المنافسات.
وزيرة السعادة أنس جابر: قرار جريء يلهم الآخرين

لذلك، يُعد قرار لاعبة مثل أنس جابر في التوقّف المؤقت عن اللعب، خطوة جريئة تحمل الكثير من الرسائل الملهمة.
وهي بذلك تنضم إلى قائمة من النجوم الذين سبقوها في اختيار الراحة النفسية على حساب الاستمرارية، مثل أماندا أنيسيموفا، ونعومي أوساكا، وبيانكا أندريسكو، وإميل روسوفوري.
قراراتهم لم تكن ضعفًا، بل تعبيرًا ناضجًا عن الوعي الذاتي، والقدرة على إدراك متى يحتاج الإنسان إلى التوقّف ليعيد ترتيب أولوياته.
دعم من القلب: كريم كمّون يشيد بشجاعة قرار أنس جابر
في لفتة مؤثرة، عبّر كريم كمّون، زوج أنس جابر ومدرب اللياقة البدنية الخاص بها، عن دعمه الكامل لقرارها بالتراجع المؤقت عن التنس.
ونشر كمّون رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قال فيها: “القوة الحقيقية لا تكمن دائمًا في الاستمرار والمواجهة، بل في معرفة متى يجب أن نتوقف، نتنفس، ونتعافى. قرار أنس بالتراجع ليس انتكاسة، بل خطوة نحو عودة أقوى”.
وأضاف مؤكّدًا ثقته في عودة أنس أقوى من السابق: “الأبطال لا يقاتلون فقط، بل يدركون أيضًا متى يحين وقت استعادة الطاقة. وعندما تعود، لن تكون نفس اللاعبة… بل نسخة أقوى منها”.
هذه الكلمات لاقت تفاعلًا واسعًا من جمهور أنس، الذي وجد فيها طمأنينة وأملًا بمستقبل مشرق للبطلة التونسية.
أنس جابر: أحب التنس… لكن حان الوقت لأتنفّس

عبّرت أنس جابر عن حبها العميق لرياضة التنس، لكنها في الوقت ذاته أقرت بالحاجة إلى التوقّف قليلًا، قائلة: “التنس رياضة غاية في الجمال، لكني أشعر الآن أن الوقت قد حان لأتراجع خطوة إلى الوراء، وأضع نفسي أخيرًا في المقدمة؛ لأتنفّس، لأتعافى، ولأستعيد متعة الحياة ببساطتها”.
وتوجّهت النجمة التونسية برسالة شكر مؤثرة إلى جمهورها، قائلة: “شكرًا لكل من تفهّم قراري. دعمكم ومحبتكم يعنيان لي الكثير، وسأظل أحملهما معي أينما ذهبت”.
رغم ابتعادها المؤقت عن الملاعب، أكدت جابر أنها لن تختفي عن جمهورها، مضيفة: “حتى وأنا بعيدة عن المنافسات، سأبقى قريبة منكم بطرق مختلفة، وسأشارككم هذه الرحلة بكل تفاصيلها”.
إصابات متراكمة… واستراحة لم تشفِ الجراح

عانت النجمة التونسية، المصنفة الثانية عالميًا سابقًا، من سلسلة إصابات متواصلة خلال العامين الماضيين أثّرت على استقرار مستواها.
وفي نهاية عام 2024، قررت أخذ استراحة دامت أربعة أشهر لعلاج إصابة مزمنة في الكتف كانت تؤرقها طويلًا.
لكن، وبرغم عودتها إلى الملاعب في 2025، لم تشعر جابر بأنها استعادت مستواها الحقيقي أو توازنها الذهني.
شعور بالاغتراب عن الذات، وكأن الجسد لا يستجيب، والعقل لم يعد حاضرًا بذات الشغف الذي اعتادت أن تلعب به.
بين الذنب والضغوط: أنس جابر تكشف الجانب الخفي من حياة البطلات

خلال مشاركتها في بطولة رولان غاروس قبل أشهر، فتحت أنس جابر قلبها للحديث عن قراراتها الصعبة خلف الكواليس.
قالت النجمة التونسية إن قرار التوقف عن اللعب في أغسطس الماضي بسبب إصابة الكتف كان يجب أن يُتخذ في وقت أبكر.
لكنها اعترفت بأنها شعرت حينها بضغطٍ هائل يدفعها للاستمرار، رغم الألم والمعاناة البدنية والنفسية.
“نشعر بالكثير من الذنب داخلنا… وكأننا لا نقدم ما يكفي، أو أن ما نفعله ليس كافيًا”، صرّحت وصيفة البطولات الكبرى ثلاث مرات.
ثم أوضحت أن الضغوط لا تأتي فقط من الذات، بل من عوامل متعددة، قائلة: “الضغط من الرعاة، الضغط المرتبط بالتصنيف، والمسؤوليات المادية… بعض اللاعبين يُعيلون عائلاتهم أيضًا. إنها رياضة صعبة جدًا، للأسف”.
واختتمت جابر تصريحاتها بنبرة تأملية: “أنا أتعلم… أبلغ من العمر 30 عامًا، لكنني ما زلت أتعلم”.
لا تفوّت قراءة: ألعاب الطفولة من “GTA” إلى “طرزان”.. هذا ما كنّا نلعبه ونحن نضحك من القلب
أنس جابر والربو: معاناة صامتة خلف الأضواء

خلال مشاركتها في بطولة أستراليا المفتوحة في يناير الماضي، لم تستطع أنس جابر حبس دموعها بعد انتهاء مباراتها في الدور الثالث أمام كاميلا أوسوريو.
رغم فوزها بمجموعتين 7-5 و6-3، عانت جابر من صعوبات حادة في التنفس على أرض الملعب، ما أثار قلق المتابعين.
وفي حديثها للصحفيين عقب اللقاء، كشفت: “حين كنت صغيرة، جرى تشخيصي بالربو. وانقطاعي الطويل عن اللعب لم يساعد، بل أعتقد أنه زاد حالتي سوءًا”.
هذه التصريحات كشفت عن جانب خفي من معاناة البطلة التونسية، التي اعتادت الظهور بمظهر القوة والثبات.
وفي الشهر التالي، ازدادت الأمور تعقيدًا، إذ احتاجت جابر إلى تدخل طبي خلال مباراتها في بطولة دبي، والتي انتهت بخسارتها أمام بيتون ستيرنز في الدور الأول.

لا تفوّت قراءة: لوجبة مشبعة وصحية.. 7 وصفات لساندوتشات غنية بالبروتين
خيبات متكرّرة… وثقل التوقعات

بعد خروجها المبكر من الدور الأول في بطولة فرنسا المفتوحة في مايو الماضي، بدا الإحباط واضحًا على أنس جابر.
خسرت جابر آنذاك بمجموعتين متتاليتين أمام البولندية ماغدالينا فريخ، في واحدة من أسوأ بداياتها هذا الموسم.
وفي تصريحات لاحقة، اعترفت جابر بأنها لم تكن متأكدة من قدرتها على التعامل نفسيًا مع بطولة ويمبلدون المقبلة.
وكانت ويمبلدون تحديدًا ساحة لجراح مفتوحة، حيث خسرت النهائي مرتين: أمام إيلينا ريباكينا في 2022، وماركتا فوندروسوفا في 2023.
أما خسارتها الثالثة في نهائيات البطولات الكبرى فجاءت في أمريكا المفتوحة عام 2022 أمام إيغا شفيونتيك.
هذه الهزائم المتتالية، رغم الوصول إلى القمة، تركت أثرًا نفسيًا عميقًا، أرهق اللاعبة التونسية التي لطالما أبهرت الجماهير بعزيمتها.
لا تفوّت قراءة: هل تعلم أن هذه المسلسلات المصرية مقتبسة من أعمال أجنبية؟ دراما مصرية بنكهة عالمية
أنس جابر تكسر الصمت… خطوة نحو التغيير

أنس جابر ليست سوى أحدث من قرروا كسر الصمت، ووضع ذواتهم في المقام الأول، قبل أي تصنيف أو بطولة.
وهذا التحوّل في العقلية، وإن جاء بعد معاناة، يحمل رسالة عميقة لكل من يقف على الحافة: لا بأس أن تتوقّف لتتنفّس.
نأمل أن يُلهم هذا النهج مزيدًا من اللاعبين، ليدركوا أن الصحة النفسية ليست رفاهية، بل أساس لا غنى عنه للاستمرارية. الإرهاق قد يبدو حتميًا في عالم الرياضة، لكنه ليس قدرًا لا مفر منه. يمكن مواجهته… فقط حين يُعترف بوجوده أولًا.