الجانب الخفي لكوكب الشرق: حكاية 6 أفلام سينمائية من بطولة أم كلثوم
عندما يذكر اسم أم كلثوم، يتبادر إلى الأذهان فورًا صوتها المخملي الذهبي وأغانيها التي غزلت معاني الحب والشوق والهجر بإتقان لا يُضاهى.
ولكن بعيدًا عن المسرح وقصائدها الخالدة، هناك فصل آخر في مسيرة كوكب الشرق قلما يُسلط عليه الضوء: مسيرتها السينمائية.
رغم تحفظها في البداية ورفضها لفكرة الظهور على الشاشة الكبيرة، خاضت أم كلثوم غمار السينما في منتصف الثلاثينيات.
ومع أن رصيدها السينمائي لم يتجاوز ستة أفلام فقط، إلا أن هذه الأعمال كانت انعكاسًا لطابعها الفني المميز، حيث حملت عبق التراث الغنائي والرومانسي في عصر ما قبل المنديل والنظارة.
فما هي الحكايات التي حملتها تلك الأفلام، وكيف كانت تجربة أم كلثوم كممثلة على الشاشة؟
لا تفوّت قراءة: أم كلثوم: مسحت بمنديلها الحريري دموع النكسة وساندت المقاومة بصوتها العذب
6 أفلام حفرت اسم كوكب الشرق أم كلثوم في عالم السينما
فيلم “وداد”: البداية السينمائية لكوكب الشرق
صدر فيلم “وداد” عام 1936، كأول عمل سينمائي لأم كلثوم وأول أفلام ستوديو مصر للإنتاج الفني، في خطوة أسست لمرحلة جديدة في السينما المصرية.
أحداث فيلم وداد لأم كلثوم
تدور القصة في عصر المماليك حول علاقة التاجر الثري بجاريته ذات الصوت العذب، التي تضحي بحبها الكبير في سبيل الوفاء والإخلاص.
شروط أم كلثوم وأجرها
تقاضت أم كلثوم أجرًا قدره ألف جنيه، إضافة إلى 40% من أرباح الفيلم بعد تغطية النفقات.
كما اشترطت عدم وجود مشاهد غرامية أو قبلات في العمل، وهو ما وافق عليه مدير ستوديو مصر أحمد سالم.
نجاح عالمي
عرض الفيلم لأول مرة في سينما رويال بالقاهرة وحقق نجاحًا كبيرًا، ليمتد تأثيره عالميًا بمشاركته في مهرجان البندقية عام 1936 ومهرجان فينيسيا عام 1939.
تضمن الفيلم سبع أغنيات لأم كلثوم، أبرزها:
- يا بشير الأنس
- يا ليل نجومك شهود
- ليه يا زمان كان هوايا
- يا اللي ودادك صفالي
فريق العمل
- قصة: أحمد رامي
- سيناريو وحوار: أحمد بدرخان
- إخراج: فريتز كرامب
خلف الكواليس
كان من المفترض أن يتولى أحمد بدرخان الإخراج، لكن خبراء أجانب في إدارة استوديو مصر رفضوا ذلك.
كما ذكر الناقد سعد الدين توفيق في كتابه “قصة السينما في مصر”، أن هذا القرار كان بدافع الحفاظ على السيطرة الأجنبية على الإنتاج، ومنع الفنانين المصريين من إثبات موهبتهم.
فيلم “منيت شبابي .. نشيد الأمل”: دراما وحس وطني
في عام 1937، قدمت أم كلثوم فيلم “منيت شبابي .. نشيد الأمل”، الذي جمعها بالفنان زكي طليمات والمخرج أحمد بدرخان، ومن إنتاج شركة أفلام الشرق.
وجسدت أم كلثوم دور آمال، بطلة القصة التي تتحول حياتها بعد لقاء الطبيب عاصم، الذي يعالج ابنتها، يكتشف موهبتها الغنائية، ويساعدها على تحقيق النجاح.
تضمن الفيلم 9 أغنيات أصبحت جزءًا من ذاكرة الموسيقى العربية، من بينها:
- منيت شبابي
- نامي نامي
- يا بهجة العيد
- يا شباب النيل (نشيد الجامعة)
- افرح يا قلبي
وساهم في تلحين أغنيات الفيلم محمد القصبجي ورياض السنباطي، وكتب كلماتها الشاعر أحمد رامي، ما أضفى عليها طابعًا فنيًا مميزًا.
وعرض الفيلم بعد معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، التي نصت على تقليص التواجد العسكري البريطاني في مصر عدا حماية قناة السويس.
وانعكس هذا السياق التاريخي في أغنية “يا شباب النيل .. يا عماد الجيل”، التي عُرفت باسم نشيد الجامعة.
وجاءت كلماتها: “هذه مصر تناديكم فلبوا دعوة الداعي إلى القصد النبيل، شيدوا المجد على العلم وهبوا، ثم سيروا كل جمع سبيل.”
وحقق الفيلم صدى كبيرًا بفضل قصته المؤثرة، أغانيه المميزة، ورسالته الوطنية التي لامست وجدان الشعب المصري في فترة مفصلية من تاريخه.
لا تفوّت قراءة: زينب الشربيني: أم تحمل ابنها عبد المنعم “الشاب الزجاجي” على كتفها 100 كيلومتر للجامعة
فيلم “دنانير”: أسطورة الصحراء وصوت الفن
في عام 1939، قدمت أم كلثوم فيلمها السينمائي الثالث، “دنانير”، بمشاركة الفنان سليمان نجيب.
ودارت أحداث الفيلم حول دنانير، الفتاة البدوية ذات الصوت العذب، التي وجدت نفسها ممزقة بين بساطة حياة الصحراء وفتن قصور الإمارة في عهد هارون الرشيد.
تضمن الفيلم 8 أغنيات خلدت في ذاكرة الفن العربي، أبرزها:
- قولي لطيفك ينثني
- بكرة السفر
- رحلت عنك ساجعات الطيور
- بغداد
- الشمس مالت
“يا ليلة العيد”
رغم أن أغنية “يا ليلة العيد” كانت جزءًا من الفيلم، إلا أن أم كلثوم قررت غناءها منفردة لتصبح مرتبطة بليلة العيد.
- كلمات: بيرم التونسي (بدأها) وأحمد رامي (أكملها)
- لحن: زكريا أحمد
غنت أم كلثوم الأغنية لأول مرة في حفل أقيم في النادي الأهلي بحضور الملك فاروق، الذي أعجب بها ومنحها نيشان الكمال.
النجاح الفني لمسيرة أم كلثوم السينمائية
وحقق الفيلم نجاحًا استثنائيًا واختير ضمن أفضل 100 فيلم مصري في القرن العشرين.
وشهد الفيلم اهتمامًا واسعًا، إذ حضره كبار رجال الدولة، من بينهم الأمير عبد الله بن الحسين، أمير شرق الأردن، الذي شاهده أثناء زيارته لمصر برفقة الموسيقار محمد القصبجي.
بفيلم “دنانير”، عززت أم كلثوم مكانتها الفنية كرمز للأغنية العربية والسينما، حيث قدمت مزيجًا من التمثيل والغناء الذي أسر قلوب الجماهير وأثرى تاريخ السينما المصرية.
فيلم “عايدة”: مزج بين الدراما والموسيقى
في فيلم عايدة، قدمت أم كلثوم دور فتاة بسيطة من الريف، تُدعى عايدة، تهوى الموسيقى والغناء.
وتدور الأحداث حول حبها لسامي، الشاب الذي يشاركها شغفها بالموسيقى، لكنه يواجه التحدي بعدم رغبته في استكمال تعليمه، ليتفرغ لفنه.
فريق عمل فيلم عايدة بطولة أم كلثوم
ظهور مميز: عبد الرحمن حمدي، الشقيق التوأم للفنان عماد حمدي، الذي أثار ظهوره حيرة الجمهور بسبب الشبه الكبير.
القصة: الفنان عبد الوارث عسر
السيناريو والحوار: فتوح نشاطي
كلمات الأغاني: الشاعر أحمد رامي
الإخراج: علي بدرخان
بطولة: أم كلثوم، سليمان نجيب، عباس فارس، إبراهيم حمودة
وتميز الفيلم بتقديم “أوبرا عايدة”، التي مثلت قفزة نوعية في الموسيقى الشرقية، حيث أدخلت فكرة الأوبرا إلى عالم الغناء العربي لأول مرة.
وحقق الفيلم إشادة واسعة، حيث جمع بين الدراما العاطفية والإبداع الموسيقي.
وأظهر العمل قوة أم كلثوم التمثيلية، إلى جانب صوتها الذي أضفى بُعدًا مميزًا على الأغاني والمشاهد.
وكان فيلم “عايدة” علامة فارقة في مسيرة أم كلثوم، حيث جددت مفهوم الموسيقى السينمائية، وأظهرت عمق تأثير الفن في دعم الروايات العاطفية والاجتماعية.
فيلم “سلامة”: دراما بدوية وصوت أم كلثوم الخاشع
فيلم “سلامة” (1945) هو أحد أفلام أم كلثوم التي أخرجها توجو مزراحي.
وتدور أحداث الفيلم حول سلامة، رجل زاهد، وقصة حب تجمعه مع أبو الوفا، جارية ذات صوت جميل تعمل في رعاية الغنم في الدولة الأموية.
ويعد الفيلم من الأفلام البدوية الاستعراضية التي قدمتها أم كلثوم، ويتسم بتقديم تلاوة خاشعة للقرآن الكريم بصوتها، وهو ما أضفى على العمل بعدًا روحانيًا خاصًا.
فريق العمل فيلم سلامة
- إخراج: توجو مزراحي
- بطولة: أم كلثوم، يحيى شاهين، عبد الوارث عسر، زوز نبيل
- كلمات الأغاني: بيرم التونسي
- ألحان: زكريا أحمد
- قصيدة خاصة: “قالوا أحب القس سلامة” تأليف علي أحمد باكثير.
كانت جميع أغاني الفيلم من تأليف بيرم التونسي، وتلحين زكريا أحمد، باستثناء قصيدة “قالوا أحب القس سلامة”، التي كتبها الشاعر علي أحمد باكثير.
وتتسم الأغاني بالروح الصوفية والموسيقى البدوية الأصيلة، مما جعلها جزءًا لا يتجزأ من نجاح الفيلم.
وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، حيث جمع بين الحبكة الدرامية المميزة والأداء الغنائي الرائع لأم كلثوم، مما أضاف له عمقًا روحانيًا.
وكان الفيلم نقطة مهمة في تاريخ السينما المصرية، حيث كان أول فيلم يقدم تلاوة قرآن بصوت أم كلثوم، مما جعل منه عملاً فنيًا شاملاً يجمع بين الشعر والغناء والدراما.
فيلم “فاطمة”: النهاية السينمائية لأم كلثوم
أم كلثوم تعتزل التمثيل
“فاطمة” هو الفيلم الأخير في مسيرة أم كلثوم السينمائية، وأُنتج في عام 1952.
والقصة مستوحاة من قضية حقيقية رفعها الصحفي مصطفى أمين تحت اسم “فاطمة”.
والفيلم يحكي قصة فاطمة سرى، الممثلة التي تقدمت بدعوى قضائية لتثبت بنوة ابنتها من محمد شعراوي، ابن زعيمة الحركة النسائية هدى شعراوي.
والقضية تتعلق بنسب ابنتها من زواج عرفي، حيث أنكر شعراوي وزوجته هدى شعراوي الابنة، مما أدى إلى حكم المحكمة بثبوت النسب للفتاة.
غنت أم كلثوم في الفيلم تسع أغنيات، من أبرزها “يا صباح الخير ياللي معانا”، التي اشتهرت كأغنية صباحية محبوبة.
بفيلم “فاطمة”، اختتمت أم كلثوم مسيرتها السينمائية، حيث كان هذا الفيلم بمثابة النهاية لحقبة سينمائية لها دامت لعدة سنوات.
وبعد عرض الفيلم، قررت أم كلثوم اعتزال التمثيل نهائيًا والتركيز على غنائها.
وعلى الرغم من قلة أعمالها السينمائية، فقد أثرت بصوتها وأدائها في ذاكرة جمهورها وجعلتها أسطورة في مجالي السينما والموسيقى.