عروس البحر المتوسط في عيون السينما المصرية.. أفلام لعبت فيها الإسكندرية دور البطولة
منذ اللحظة الأولى التي لامست فيها عدسات الكاميرا أرض مصر، كانت مدينة الإسكندرية حاضرة بقوة، كأن هذه المدينة أسست لتحبها شاشة السينما.
فلم تكن مجرد خلفية للأحداث، بل أصبحت في كثير من الأحيان بطلة يحكى من خلالها الحكايات والأفلام.
يروي الناقد السينمائي سامي حلمي في كتابه “الشخصية السكندرية في السينما المصرية” أن علاقة عروس البحر المتوسط بالسينما علاقة قديمة، فكانت أولى محطات بعثات الإخوة لوميير في مصر هي الإسكندرية، وتحديدًا عند محطة الرمل.
ولإنها لم تكن مجرد مدينة، بل شخصية مستقلة بروحها وثقافتها وناسها. كانت، ولا تزال، مسرحًا للأحلام، وأرضًا خصبة لسرد الحكايات.
في هذا المقال لنستعرض الأفلام التي اتخذت من الإسكندرية بطلًا سواء من خلال الأماكن أو من خلال قصص الحب أو عندما شهدت عروس البحر المتوسط على تحولات اجتماعية وسياسية.
لا تفوّت قراءة: داليدا.. حكاية “بنت شبرا” الأسطورة التي غنت للسعادة ولم تعشها يوما!
إسكندرية ليه؟ .. حلم شاب سكندري يتقاطع مع أحلام المدينة
بعد عام 1954، كانت أوروبا في أضعف لحظاتها، مثقلة بتبعات الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك، قرر كثير من شباب الإسكندرية مغادرة مدينتهم إلى قارة خربة تتأرجح بين المجاعة والقلق.
هذا الصراع تجسده شخصية البطل في فيلم يوسف شاهين الشهير “إسكندرية… ليه؟”، الذي تدور أحداثه في عام 1945،
يروي الفيلم أحوال الإسكندرية خلال الحرب العالمية الثانية، وفي هذا المناخ ينشأ “يحيى شكري مراد”، المراهق المولع بالتمثيل.
الذي يسعى لإثبات ذاته ويحلم بالسفر إلى أمريكا لدراسة الفن، رغم ظروف أسرته الصعبة. ومن خلاله، تتفرع العديد من القصص والشخصيات في مختلف أنحاء المدينة.
الفيلم من إخراج يوسف شاهين، وسيناريو شارك في كتابته مع محسن زايد، ومن بطولة محسن محي الدين، نجلاء فتحي، فريد شوقي، عزت العلايلي، يوسف وهبي، عبدالله محمود، ويحيى شاهين.

صراع في الميناء.. الطبقية والتحولات الاجتماعية بعيون الإسكندرية
يعتبر فيلم “صراع في الميناء” حجر الأساس في العلاقة العميقة بين يوسف شاهين ومدينته المحببة.
تبدأ مشاهد الفيلم بكلمات: “إسكندرية… وصلنا إسكندرية”، على لسان البحار “رجب” الذي عاد بعد غياب دام ثلاث سنوات، تمامًا كما عاد شاهين نفسه من أمريكا. ينظر رجب من نافذة السفينة إلى الميناء بشغف ظاهر، وحين يسأله زميله: “راجع معانا؟”، يجيبه: “لا”.
رجب، العائد من رحلة بحرية طويلة، كان يأمل أن يتزوج من “حميدة”، الفتاة التي تعيش مع والدته في إحدى العشش المقامة على البحر.
الفيلم من إخراج يوسف شاهين، وتأليف مشترك بينه وبين ليزيت فايد.
ومن بطولة فاتن حمامة، عمر الشريف، أحمد رمزي، توفيق الدقن، حسين رياض، وفردوس محمد.
ويرصد صراعات عن المدينة الوطنية، الصراع الطبقي، الميلودراما، والرومانسية، من خلال ميناء وعيون سكندرية.

أبي فوق الشجرة.. دقوا الشماسي على البلاج
هذا الفيلم الرومانسي من إخراج حسين كمال، وتأليف إحسان عبد القدوس وسعد الدين وهبة، تم عرضه لأول مرة في 17 فبراير 1969.
يحكي الفيلم قصة “عادل”، الطالب الذي يدخل في خلاف مع حبيبته “آمال”، فيسافر إلى الإسكندرية لقضاء الإجازة الصيفية.
تميز الفيلم بتصويره مشاهد حقيقية من مدينة الإسكندرية، لا سيما في محيط محطة سيدي جابر.
وشاطئ سيدي بشر، وحدائق المنتزه، حيث جرى تصوير مشاهد العلاقة العاطفية بين عادل وآمال (التي جسدتها ميرفت أمين).
بطولة الفيلم كانت لعبد الحليم حافظ، نادية لطفي، ميرفت أمين، عماد حمدي، سمير صبري، وصلاح نظمي.
ومن أشهر أغاني الفيلم والأغاني التي تحدثت عن الإسكندرية بشكل عام هي “دقوا الشماسي” التي تغزل فيها بجمال الإسكندرية.
لا تفوّت قراءة: الزعيم في مرآة الذكريات.. 7 أسرار لا يعرفها كثيرون عن عادل إمام
رسائل البحر.. معاني أعمق من نسمات الهوى
فيلم “رسائل البحر” يعتبر تجربة مختلفة تمامًا، قدمها المخرج داوود عبد السيد في وقت سادت فيه موجات من الكوميديا والأكشن في السينما المصرية .
جاء هذا الفيلم ليقدم رؤية فلسفية عميقة عن مفهوم التحرر والهوية والاختيار.
“يحيى”، بطل القصة الذي جسده آسر ياسين، يقرر أن يترك منزل أسرته بعد وفاة والديه ويعود إلى شقة قديمة كانت العائلة تقطنها في الإسكندرية قبل انتقالها إلى القاهرة.
ويبدأ في استعادة ذكرياته، وبناء حياة جديدة يحاول فيها اتخاذ قراراته بنفسه.
اللافت في الفيلم هو اهتمام المخرج بتصوير البحر، والمدينة، والعمارات التراثية القديمة، التي شغلت أكثر من نصف مدة الفيلم وجسدت أجواء خاصة.
والأهم من ذلك علاقة البطل بالبحر ومفهوم الرزق المرتبط به دائمًا، والرسائل والأمنيات التي كان يرسلها عبره جعلت من الإسكندرية بطلة حقيقية عبرت عن التناقضات والحنين.
لا تفوّت قراءة: أطفال السينما والدراما بين الأمس واليوم.. عشقناهم صغارا وتألقوا كبارا
“آيس كريم في جليم” .. ميلاد أغنية أيقونية على ستانلي
في أوائل التسعينيات، وتحديدًا عام 1992، عرض فيلم “آيس كريم في جليم”، بطولة الفنان عمرو دياب والفنانة سيمون، ومن إخراج خيري بشارة.
تميز هذا الفيلم بمزيج من الموسيقى والدراما، وكان يحمل طابعًا شبابيًا معبرًا عن أحلام جيل يتطلع لحياة أفضل.
تدور أحداثه حول “سيف”، الشاب الذي يعمل في نادي فيديو، ويحاول أن يثبت موهبته في الغناء، لكنه يواجه صعوبات كثيرة، أبرزها طرده من العمل، ودخوله السجن في الإسكندرية.
داخل السجن يلتقي سيف بطالب يساري يكتب الأشعار، ويصبح هذا اللقاء نقطة تحول في حياته مع ملحن عجوز، فبعد خروجهما، يبدأ الثلاثة في تقديم الأغاني في الساحات والشوارع، لتبدأ رحلة مختلفة تمامًا.
المميز في الفيلم أنه تم تصويره في أماكن حقيقية تحمل طابعًا خاصًا، مثل مدينة الإسكندرية، التي تظهر كموقع مؤثر ومتكرر في مشاهد الفيلم.
وخاصة في المشهد الأخير، يغني سيف أغنيته الشهيرة “آيس كريم في جليم” على شاطئ ستانلي، ليعبر عن حبه العميق لهذه المدينة التي تحتفظ بذكرياته.
حبيبي دائمًا .. قصة الحب الأشهر على شاطيء العجمي

أما في عام 1981، فقد شهدت السينما المصرية عرض فيلم “حبيبي دائمًا”، بطولة الفنان الراحل نور الشريف والفنانة بوسي، ومن إخراج حسين كمال.
تبدأ قصة الفيلم بلقطة رومانسية على شاطئ بحر الإسكندرية، حيث نلتقي بـ”إبراهيم”، طالب الطب الذي يقع في حب “فريدة”، الفتاة الأرستقراطية.
لتبدأ بعدها واحدة من أشهر قصص الحب في تاريخ السينما المصرية من على شاطيء العجمي. لكن الفارق الاجتماعي بينهما يقف عائقًا أمام هذا الحب.
تمر السنوات، ويلتقوا مجددًا على نفس الشاطيء في مشهد مؤثر، حيث تموت فريدة بين يدي إبراهيم على الشاطئ الذي شهد بداية حبهما.
ميرامار.. حكاية مكان وقع في غرامه نجيب محفوظ
أحد أبرز الأعمال السينمائية الكلاسيكية، وهو فيلم “ميرامار”، المأخوذ عن رواية الكاتب العالمي نجيب محفوظ.
تقع أحداث الفيلم داخل فندق “ميرامار” في حي الشاطبي بالإسكندرية. وهو مبنى تاريخي بُني عام 1926 على يد المعماري الإيطالي المصري “جياكومو أليساندرو لوريا”.
الفندق والمقهى العتيق أسفله، شكلا مصدر إلهام لنجيب محفوظ. حتى ولدت قصة فيلم “ميرامار” وهو يجلس على على هذا المقهى الذي يقع أسفل العقار.
أما عن محتوى الرواية يقال أن محفوظ استوحاها من سيدة يونانية تدعى “كارا” كانت تملك فندقًا في نفس العقار.