أغاني هابطة مثيرة للجدل: الإسفاف الفني من نجوم الزمن الجميل إلى جيل المهرجانات
في كل مرة يُثار الجدل حول أغاني المهرجانات الشعبية الهابطة وكلماتها المثيرة للانتقاد، تتجه الأنظار إلى مطربي الجيل الجديد، الذين يتهمهم البعض بتقديم أغاني هابطة تخل بالذوق العام.
لكن هذه الظاهرة، التي تُعتبر اليوم جزءًا من مسيرة النجوم المعاصرين، ليست وليدة اللحظة أو مجرد تقليعة موسيقية حديثة.
في الواقع، أم كلثوم وسيد درويش ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من نجوم الزمن الجميل قد سبقوا هؤلاء الفنانين في تقديم أغاني هابطة تحوي كلمات مثيرة للجدل، وقد تكون صادمة بنفس القدر في زمنها.
هل يحق لنا انتقاد جيل المهرجانات بناءً على معايير أخلاقية قديمة؟ أم أن هذه المطاردة جزء من حرب ثقافية متجددة، تكشف عن صراع الأذواق بين الأجيال المختلفة؟
لا تفوّت قراءة: أغنية واحدة كانت كافية للشهرة: كيف أضاءت “أما نعيمة” و”هما مالهم بينا يا ليل” حياة النجوم؟
أم كلثوم: من “الخلاعة والدلاعة” إلى “الخفافة واللطافة”
في بدايات مشوارها الفني، كانت أم كلثوم تسعى جاهدة للانتشار والوصول إلى الجمهور بأسرع وقت ممكن.
لذلك، قدمت أغنيتها الشهيرة “الخلاعة والدلاعة مذهبي” التي انتشرت بشكل سريع، رغم ما تضمنته من كلمات قد تكون مثيرة للجدل.
لكن أم كلثوم سرعان ما تراجعت عن هذا اللون الغنائي، حيث شعرت أن الأغنية لا تتناسب مع شخصيتها الفنية.
فقد قررت جمع أسطوانات الأغنية على وجه السرعة ودفع تعويض كبير لشركة الإنتاج بسبب قرارها.
لكن المفاجأة كانت في عودتها بعد فترة قصيرة، حيث غنت الأغنية مرة أخرى، لكن بعد تعديل كبير في الكلمات.
أحمد رامي، شاعرها الشهير، أجرى تعديلًا على الكلمات لتصبح “الخفافة واللطافة مذهبي”، وهو التعديل الذي لاقى قبولاً كبيرًا.
هذا التغيير جعل الأغنية تكتسب طابعًا يناسب أسلوب أم كلثوم ويعكس شخصيتها الفنية بشكل أفضل.
لا تفوّت قراءة: من أبلة فاهيتا إلى توليت: نجوم عرب أخفوا هويتهم وأبهروا الجمهور
بهية المحلاوية: مطربة شارع محمد علي وجوهر الإيحاءات
بهية المحلاوية، إحدى مطربات شارع محمد علي الشهيرات، تألقت بأغاني ذات كلمات جريئة مليئة بالإيحاءات التي كانت حديثًا في عصرها.
في عام 1912، غنت “لابس جبة وقفطان وعملي بتاع نسوان”، وهي أغنية جمعت بين التلميح والجرأة، وشاركتها الراقصة شفيقة القبطية في عرض فني.
الأغنية لاقت نجاحًا كبيرًا، وكان لها تأثير قوي في تلك الفترة، حيث قام الفنان سيد مكاوي بإعادة غنائها بعد سنوات.
كما قدمت بهية أغنيتها الشهيرة “هات الإزازة وأقعد لاعبني”، التي تضمنت كلمات مثيرة مثل “دي المزة طازة والحال عاجبني”.
هذه الأغنية كانت أيضًا شديدة النجاح، مما دفع شركة “أوديون”، إحدى أكبر شركات الأسطوانات في ذلك الوقت، إلى تسجيل أسطوانات لها.
من بين أشهر أسطواناتها كانت أسطوانة “رقص شفيقة”، التي تركت بصمة في تاريخ الفن المصري.
لا تفوّت قراءة: أغانٍ عربية تحتفي بالكريسماس ورأس السنة: رحلة موسيقية إلى العام الجديد
منيرة المهدية: صوت السلطانة وجوهر الجرأة
منيرة المهدية، التي أطلق عليها البعض لقب “السلطانة”، قالت عن نفسها “ربنا وهبني صوت قالوا ميجيش زيه إلا كل 100 سنة”، وأثبتت ذلك بصوتها الفريد.
قدمت ما يقرب من 100 طقطوقة، كانت الجرأة سمة رئيسية في أغلب أغانيها.
من بين أشهر أغانيها كانت “بعد العِشا يحلى الهزار والفرفشة”، حيث تغنت بالكلمات الجريئة “مستنظراك ليلة التلات بعد العِشا”.
كما قدمت أغنيتها الشهيرة “تلقى الحكاية موضبة”، من كلمات يونس القاضي وألحان محمد القصبجي، حيث كانت تردد “وأقعد معاك على هواك ولا فيش هناك غيرنا”.
هذه الأغاني تميزت بكلماتها الجريئة، ما جعلها محط اهتمام في تلك الفترة، ووضعتها في مقدمة فناني عصرها.
لا تفوّت قراءة: أفضل 9 وجهات سياحية في مكة والمدينة المنورة تضيف سحرا لرحلة العمرة
محمد عبد الوهاب: الدنيا كأس
في عام 1951، قدم محمد عبد الوهاب أغنيته الشهيرة “الدنيا سيجارة وكاس”، التي لاقت انتقادات حادة بسبب كلماتها الجريئة.
كلمات الأغنية، التي كتبها حسين السيد، تضمنت “الدنيا سيجارة وكاس للي هجروه الناس… يا ويل اللي مالوهوش كاس… آه يا ويله”، مما جعلها محط جدل في تلك الفترة.
على الرغم من إبداع الموسيقار الكبير، تعرضت الأغنية للمنع والمصادرة أكثر من مرة من قبل الرقابة بسبب محتواها الذي اعتُبر غير مناسب في ذلك الوقت.
وكان عبد الوهاب، في تلك الفترة، يشغل منصب نقيب الموسيقيين، مما جعل الأغنية تثير المزيد من التساؤلات حول حدود حرية التعبير الفني.
سيد درويش: الكوكايين
سيد درويش، فنان الشعب، الذي ترك إرثًا فنيًا ضخمًا في ذاكرة المصريين، كان له أيضًا أغنية جريئة أثارت الجدل في عصره.
في أغنيته الشهيرة عن المخدرات، تحدّث عن “الكوكايين” في كلمات صادمة مثل “اشمعنى يا نُخ؟.. الكوكايين كخ.. دا أكل المخ”.
استعرض فيها تأثير المخدرات على الإنسان، كما تضمنت كلمات مثل “هلكنا اعمله على غيرنا.. رايح لي تطخ وجاى تبخ”، مشيرة إلى التدهور العقلي والجسدي الناتج عن تعاطي المخدر.
كانت هذه الأغنية جزءًا من جرأة سيد درويش في تقديم المواضيع الاجتماعية والإنسانية بأسلوبه الفريد، ما جعلها تثير الكثير من الجدل في تلك الفترة.