من هي هيئة تحرير الشام؟ قصة أبو محمد الجولاني وأثره في الصراع السوري
أدى اندلاع الأزمة السورية منذ عام 2011 إلى تصاعد النزاع وتحوله إلى صراع متعدد الأطراف، ما أسفر عن ظهور العديد من الجماعات الإرهابية المسلحة في الداخل السوري.
هذه الجماعات تنوعت بين عشرات الفصائل المسلحة التي سرعان ما شهدت عمليات تفكيك أو اندماج أو هزائم على يد فصائل أخرى.
في الآونة الأخيرة، كانت هناك حالة ركود للحركات الإرهابية والمعارضة المسلحة في سوريا، ولكن سرعان ما تصدرت هيئة تحرير الشام المشهد في سوريا بعد أن سيطرت على حلب ومطارها الدولي.
استفادت هيئة تحرير الشام من الفراغ السياسي والعسكري في المنطقة، وركزت على تعزيز نفوذها من خلال السيطرة على المناطق الاستراتيجية، مثل حلب وحماة وإدلب، وفرض هيمنتها على الفصائل الأخرى.
الآن، يتساءل الجميع من هي هيئة تحرير الشام ومن هو زعيمها؟
يقود الهيئة “أبو محمد الجولاني”، الذي برز كشخصية مثيرة للجدل في المشهد الجهادي السوري.
كان الجولاني أمير جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، سابقا منذ سنوات. والآن ترصد أمريكا مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه.
ماذا نعرف عن هيئة تحرير الشام؟
مرت “هيئة تحرير الشام” بتطورات معقدة على مدار الصراع السوري، وشهدت أربع مراحل رئيسية منذ تأسيسها:
مرحلة التأسيس (2012-2013)
جرى تشكيلها وتمويلها من جانب تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا تحت اسم “جبهة النصرة” بقيادة أبو محمد الجولاني.
ركزت في هذه المرحلة على بناء قاعدة شعبية وتوسيع نفوذها من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية والقتال ضد النظام السوري.
مرحلة التوسع والاندماج (2013-2016)
شهدت هذه المرحلة تحالفات واندماجات مع فصائل أخرى، مثل “جيش الفتح”، لتعزيز قوتها العسكرية في مواجهة النظام السوري.
تميزت هذه الفترة بالسيطرة على مناطق استراتيجية، أبرزها محافظة إدلب.
وانفصلت جبهة النصرة عن تنظيم الدولة الإسلامية وأعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة.
مرحلة الانفصال عن القاعدة (2016-2017)
أعلنت جبهة النصرة فك ارتباطها بتنظيم القاعدة وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام” في محاولة لتقديم نفسها كفصيل محلي أكثر اعتدالًا. وبعد ذلك، اندمجت مع فصائل أخرى تحت مسمى “هيئة تحرير الشام” لتعزيز شرعيتها ونفوذها.
مرحلة البراغماتية والتحول (2018 – حتى الآن)
أصبحت الهيئة تركز على التكيف مع الظروف الإقليمية والدولية. عملت على تقديم نفسها كسلطة محلية لها مشروع سياسي، مع الحفاظ على قبضتها العسكرية في شمال غرب سوريا.
تحت قيادة الجولاني، سعت إلى إظهار مرونة أكبر، مثل الانخراط في مفاوضات مع القوى الإقليمية والحد من تأثير الجماعات الأكثر تطرفًا داخل مناطق سيطرتها.
5 اندماجات
منذ تأسيس هيئة تحرير الشام، شهدت 5 اندماجات بين الجماعات المسلحة المتطرفة في سوريا، ولعل أبرزها: جبهة فتح الشام وحركة نور الدين الزنكي ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وجيش السنة.
ولكن، كل فصيلة مسحلة انشقت بعد ذلك، لتبقى هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني.
ما دور هيئة تحرير الشام في سوريا؟
انحصر دورها بالداخل السوري فقط منذ 2017. لكن قديما كان دورها بارزا على الساحات الإقليمية.
بدأ هذا الفكر، عندما أرادت أن تسيطر على الجماعات الإسلامية في سوريا وهزيمتهم في إدلب وحلب، للحفاظ على نفوذها.
تريد هيئة تحرير الشام الآن تحرير سوريا من من القوات الحكومية التابعة لبشار الأسد، تحت جبهة إدارية تسمى “حكومة الإنقاذ السورية”.
كم عدد عناصر الهيئة؟
تقدر تقريبا بنحو 10 آلاف مقاتل وفقا لتقرير الأمم المتحدة في عام 2022.
من أين تحصل على تمويلها؟
تفرض هيئة تحرير الشام رسوما في المعابر، حيث تسيطر على معبر “باب الهوى” مع تركيا، ومعبر “الغزاوية” الفاصل بين ريف عفرين ومناطق ريف حلب الغربي.
إضافة إلى سيطرتها على قطاع المحروقات والتبرعات.
من هو أبو محمد الجولاني الذي يقود معارك حلب؟
اللاعب الأساسي في المشهد السياسي الآن. أبو محمد الجولاني هو قائد “هيئة تحرير الشام” وأحد أبرز القادة العسكريين في الصراع السوري.
وُلد في سوريا في أوائل التسعينيات، وبدأ مسيرته الجهادية بالانضمام إلى صفوف تنظيم “القاعدة” في العراق خلال سنوات الاحتلال الأمريكي. اكتسب خبرة في القتال والتنظيم هناك، مما ساعد في تشكيل مسيرته لاحقًا.
مع اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، عاد إلى بلاده ليصبح أحد الشخصيات البارزة في المشهد المسلح السوري. انخرط في تأسيس وتنظيم الفصائل المسلحة، مستفيدًا من خبرته السابقة، ومساهمًا في توجيه النزاع نحو أبعاد جديدة.
محطات فارقة في هيئة تحرير الشام
في عام 2012، أسس أبو محمد الجولاني جماعة “جبهة النصرة” كفرع لتنظيم “داعش” في سوريا، مستهدفًا الإطاحة بالنظام السوري وبناء قاعدة جهادية قوية في المنطقة.
وفي عام 2013، انفصلت الجبهة عن تنظيم “داعش” بعد خلافات أيديولوجية وتنظيمية حادة، وأعلنت ولاءها الكامل لتنظيم القاعدة، مما عزز موقعها كواحدة من أبرز الفصائل الجهادية في سوريا.
ومع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية، أعلن الجولاني في عام 2016 فك ارتباط “جبهة النصرة” بتنظيم القاعدة، في محاولة لإعادة تشكيل صورتها كحركة محلية ذات أجندة وطنية، بدلًا من كونها تنظيمًا عالميًا مرتبطًا بالإرهاب.
هذا الانفصال كان خطوة أساسية في تحولها إلى “هيئة تحرير الشام”.
الجولاني: نفوذ قوي في شمال غرب سوريا
سابقا، أسس الجولاني “جبهة فتح الشام” بعد إعلان فك ارتباطه بتنظيم القاعدة، وفي عام 2017 تطورت الجماعة إلى “هيئة تحرير الشام”، التي يقودها حتى اليوم.
رغم التحولات الكبيرة في مسيرته، ظل الجولاني شخصية محورية في الصراع السوري.
استطاع توجيه تحركات الهيئة عسكريًا وسياسيًا، مما ساهم في تعزيز مكانتها كأحد أبرز الفصائل المسلحة في سوريا.
تمكن الجولاني من الحفاظ على نفوذ قوي في شمال غرب سوريا، خاصة في إدلب والمناطق المحيطة بها، على الرغم من التحديات المستمرة التي واجهها من الأطراف المحلية، مثل الفصائل المنافسة، ومن الأطراف الدولية، بما في ذلك الضغوط السياسية والعسكرية.
الجولاني يحمي تركيا!
تتسم علاقة أبو محمد الجولاني وهيئة تحرير الشام بتركيا بالحذر والتعقيد، خاصة منذ أن أصبحت الهيئة القوة المهيمنة في شمال غرب سوريا.
بينما تلعب تركيا دورًا محوريًا في المنطقة عبر دعمها لفصائل المعارضة المسلحة، تنظر إلى الهيئة بحذر وتعتبرها تنظيمًا إرهابيًا نتيجة جذورها المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ورغم هذا الموقف الرسمي، شهدت العلاقة بين الطرفين تفاعلات غير مباشرة على مدار السنوات.
تُظهر الهيئة استعدادها للتكيف مع الأوضاع الإقليمية والتعاون غير المباشر لضمان بقائها في مناطق نفوذها.
وفي المقابل، استفادت تركيا من موقف الهيئة المتماسك في مواجهة بعض الجماعات المتطرفة الأخرى وضبط الأوضاع في إدلب ضمن ترتيبات دولية مثل اتفاقيات أستانا وسوتشي.
هذا التوازن الدقيق يجعل العلاقة بين الجولاني وتركيا مزيجًا من المصالح المشتركة والعداء الأيديولوجي، حيث تحاول كل جهة الاستفادة من الأخرى دون تجاوز الخطوط الحمراء.
لماذا تفضل تركيا الجولاني؟
في البداية، اتسمت سياسة تركيا تجاه أبو محمد الجولاني وهيئة تحرير الشام بالرفض القاطع، نظرًا لتصنيف الهيئة كتنظيم إرهابي بسبب ارتباطاتها السابقة بتنظيم القاعدة.
ومع تغير موازين القوى في شمال غرب سوريا وتزايد نفوذ الهيئة، بدأت تركيا تتعامل بواقعية أكبر مع وجود الجولاني.
هذه التحولات جاءت خصوصًا بعدما تبنى الجولاني نهجًا أكثر براغماتية، ركز فيه على تقديم الهيئة كسلطة محلية تهتم بإدارة المنطقة بدلًا من كونها حركة جهادية عابرة للحدود.
رغم استمرار التصنيف الرسمي للهيئة كتنظيم إرهابي، باتت تركيا تراعي واقعها كقوة مهيمنة في إدلب والمناطق المحيطة بها.
ظهر ذلك من خلال تفاعلات غير مباشرة في إدارة الشؤون الأمنية والسياسية في المنطقة، بما يخدم مصالح تركيا الاستراتيجية، مثل ضبط الحدود ومنع تدفق اللاجئين، مع الحفاظ على توازن القوى بين الفصائل المسلحة والقضاء على داعش.
هل يعادي أمريكا؟
في 28 سبتمبر 20114، صرح الجولاني أنه سيحارب الولايات المتحدة الأمريكية. وحث مقاتليه على عدم قبول مساعدة الغرب في القضاء على داعش في سوريا.
ولكن في العام 2021، تراجع عن هذا قائلا إن هيئة تحرير الشام لا تشكل أي تهديد للولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الإدارة الأمريكية أن ترفع اسمه من قائمة الإرهاب.