الجيش السوري: من سادس العرب عسكريًا إلى حافة الهاوية “يحتاج 20 عاما للإعمار”
أعلنت المعارضة المسلحة السورية تقدمها إلى العاصمة دمشق، وسرعان ما انهارت خطوط الدفاع التابعة للجيش السوري، الذي كان ترتيبه السادس عربيا من حيث أقوى الجيوش.
استغلت إسرائيل هذا الوضع المتدهور وسارعت إلى التوغل في جنوب سوريا، حيث شنت عملية قصف جوي غير مسبوقة، شاركت فيها 350 مقاتلة هاجمت مواقع تمتد من دمشق إلى طرطوس.
أسفرت العملية عن تدمير حوالي 70% من قدرات الجيش السوري، بما في ذلك قواعد جوية ومخازن أسلحة ومراكز قيادة، عبر تنفيذ 500 غارة جوية.
استهدفت هذه الهجمات مواقع تعتبرها تهديدًا لأمنها، بما في ذلك مواقع تخزين صواريخ ومنشآت عسكرية يُعتقد أنها تحت إشراف حلفاء النظام السوري.
سقط الجيش السوري بسهولة نتيجة عدة عوامل. أضعفت الحرب المستمرة بنيته التنظيمية، وتسبب استنزاف الموارد البشرية والمادية في تقويض قدرته على مواجهة الهجمات المتزامنة.
يمثل تعويض الخسائر العسكرية تحديًا كبيرًا لسوريا. يحتاج الجيش إلى إعادة بناء البنية التحتية العسكرية واستعادة معداته، وهو ما قد يستغرق عقودًا من الزمن.
عملية “سهم باشان”: دلالات التسمية وأبعادها التاريخية
أطلق الجيش الإسرائيلي اسم “سهم باشان” على عمليته العسكرية الكبرى في سوريا، في إشارة ذات دلالات دينية وتاريخية مستوحاة من التوراة.
يرتبط الاسم بمنطقة باشان الواقعة جنوب سوريا، والتي تُعدّ جزءاً من التراث اليهودي والتاريخ الإقليمي.
تشير النصوص التوراتية إلى ملك باشان، المعروف باسم “عوج”، والذي يوصف بأنه من العمالقة الكنعانيين، وهم شعوب سامية قديمة استوطنت المنطقة منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
اختيار الاسم يعكس رغبة إسرائيل في ربط عملياتها العسكرية برمزية تاريخية ودينية، تضفي بعداً أيديولوجياً على أهدافها العسكرية في سوريا.
يعكس استخدام اسم “سهم باشان” استراتيجية نفسية تهدف إلى تعزيز الروح القومية في الداخل الإسرائيلي، وربما إيصال رسالة للقوى الإقليمية بأن العمليات العسكرية لها جذور ثقافية وتاريخية عميقة.
ربط العملية بهذا الاسم يشير أيضاً إلى محاولة إسرائيل استعادة السيطرة الثقافية على منطقة تُعتبر تاريخياً موضع نزاع بين الشعوب المختلفة.
وتضيف هذه الإشارة بُعداً جديداً للمواجهة، حيث تتداخل الجغرافيا والسياسة مع الروايات التاريخية والدينية.
لا تفوت قراءة: عاشوا بين جدرانها أسرى وبين الناس ذكرى: قصص إنسانية من قلب السجون السورية
خسائر الجيش السوري في عملية “سهم باشان”: دمار شامل للبنية العسكرية
أسفرت عملية “سهم باشان” التي نفذها الجيش الإسرائيلي عن خسائر فادحة للجيش السوري، حيث ركزت الهجمات على تقويض قدراته العسكرية والبنية التحتية الإستراتيجية. وفقًا لإذاعة الجيش الإسرائيلي، جاءت الخسائر على النحو التالي:
تدمير شامل للطائرات والسفن الحربية
استهدفت الغارات الإسرائيلية الطائرات العسكرية السورية في قواعدها الجوية، مما أدى إلى تدميرها قبل أن تتمكن من الإقلاع.
كما تعرضت السفن الحربية التابعة للبحرية السورية في طرطوس واللاذقية لضربات دمرت قدراتها التشغيلية، مما حد من إمكانية أي رد عسكري عبر البحر.
استهداف أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ
دمرت الهجمات أنظمة الدفاع الجوي من طراز “أرض-جو”، وهو ما شل قدرة الجيش السوري على التصدي للغارات الجوية.
كما استهدفت مواقع تخزين وإنتاج الصواريخ، بما فيها صواريخ “أرض-أرض”، لتقليل خطر استخدامها من قبل الجيش السوري أو المعارضة المسلحة.
قصف مواقع إستراتيجية حساسة
ركزت العملية على منشآت حيوية مثل مراكز الأبحاث العلمية العسكرية التي تشرف على تطوير الأسلحة، وكذلك مستودعات الأسلحة التي كانت تُعتبر نقاطًا أساسية لتخزين الذخيرة.
كما شملت الأهداف مطار المزة العسكري في دمشق، الذي يُعد مركزًا مهمًا لعمليات الجيش السوري.
تعطيل القواعد البحرية والجوية
استهدفت الغارات القواعد البحرية في طرطوس واللاذقية، التي كانت تشكل نقطة ارتكاز للعمليات البحرية السورية.
كما ضربت المطارات العسكرية، مما جعلها غير صالحة للاستخدام في أي عمليات مستقبلية.
الأسلحة المدمرة في عملية “سهم باشان”: ضربة قاصمة لترسانة الجيش السوري
كشفت الغارات الإسرائيلية في إطار عملية “سهم باشان” عن حجم الدمار الذي طال الترسانة العسكرية السورية، التي كانت تعتمد بشكل أساسي على الأسلحة الروسية المتقدمة.
وفقًا لتقارير الجزيرة، تعرضت المنظومات القتالية الرئيسية للجيش السوري لضربات قاسية أدت إلى شلل شبه كامل لقدراته العسكرية.
تدمير القوة الجوية
كان الجيش السوري يمتلك قوة جوية تضم 330 طائرة مقاتلة وقاذفة روسية، بالإضافة إلى مئات المروحيات، التي شملت طرازات مخصصة للنقل والهجوم.
واستهدفت الغارات الإسرائيلية هذه الطائرات في قواعدها، مما أدى إلى تدمير معظمها قبل أن تتمكن من الإقلاع أو المشاركة في أي عمليات دفاعية.
شل أنظمة الدفاع الجوي
اعتمدت الدفاعات الجوية السورية على منظومات روسية متقدمة مثل “إس-200” و”إس-300″.
ركزت الغارات على تدمير هذه الأنظمة، مما أدى إلى فقدان الجيش قدرته على التصدي للهجمات الجوية الإسرائيلية.
تحييد الصواريخ بعيدة المدى
تضمنت الترسانة السورية صواريخ “أرض-أرض” روسية بمدى يتجاوز 300 كيلومتر، بالإضافة إلى صواريخ بعيدة المدى يصل مداها إلى أكثر من 700 كيلومتر.
واستهدفت الغارات مستودعات ومراكز إطلاق هذه الصواريخ، مما قضى على إمكانية استخدامها في أي رد عسكري.
تدمير سلاح البحرية بالكامل
ركزت الضربات الجوية على سلاح البحرية السوري، الذي كان يضم غواصتين من طراز “أمور” الروسية، إضافة إلى 16 زورق صواريخ روسي، و6 زوارق صواريخ إيرانية من طراز “تير”.
كما دمرت الغارات 5 كاسحات ألغام روسية، مما جعل البحرية السورية غير قادرة على تنفيذ أي عمليات بحرية.
القضاء على القوة المدرعة
كان الجيش السوري يعتمد على آلاف الدبابات من طرازات روسية مثل:
- “تي-90”: واحدة من أكثر الدبابات تطوراً.
- “تي-72”: دبابة قتالية رئيسية.
- “تي-64” و”تي-55″: دبابات قديمة ولكنها مستخدمة على نطاق واسع.
استهدفت الغارات مخازن الدبابات ومراكز انتشارها، مما أدى إلى تدمير جزء كبير منها وتعطيل الباقي.
الجيش السوري: من المرتبة الثالثة عربيًا إلى حافة الهاوية في عقد من الزمن
شهد الجيش السوري تراجعًا حادًا في تصنيفه العسكري خلال العقد الماضي، حيث انتقل من المرتبة الثالثة عربيًا والـ26 عالميًا في عام 2014 إلى المرتبة السادسة عربيًا والـ60 دوليًا بحلول عام 2024، وفقًا لتصنيف Global Firepower.
الوضع العسكري في 2014: قوة إقليمية بارزة
في عام 2014، كان الجيش السوري يُعد أحد أقوى الجيوش العربية، بترسانة تضمنت أكثر من 4000 دبابة، 3000 عربة مدرعة، و400 طائرة بين مقاتلات ومروحيات.
كما امتلك قوة بحرية ضمت 40 وحدة، إلى جانب أنظمة مدفعية وصاروخية متطورة. كانت هذه القوة تؤهله لمنافسة إقليمية قوية، مستفيدًا من الدعم الروسي طويل الأمد.
رغم هذه الأرقام، اعتمد الجيش بشكل كبير على معدات قديمة من الحقبة السوفيتية، دون تجديد أو تحديث ملحوظ.
لا تفوت قراءة: أسرار عن حياة عائلة آل الأسد: أين يقيم بشار وكيف يدير ثروته؟
ما أسباب انهيار الجيش السوري؟
- الحرب الأهلية واستنزاف الموارد البشرية
- بدأ الجيش السوري الحرب الأهلية بقوة بشرية بلغت نحو 300 ألف جندي. إلا أن سنوات القتال الطويلة أدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح، إضافة إلى انشقاقات واسعة، حيث انضم عدد كبير من الجنود إلى صفوف المعارضة أو فروا خارج البلاد.
- عدم تعويض الخسائر البشرية بسبب تقلص معدلات التجنيد والانشقاقات المستمرة أدى إلى تراجع كبير في قدراته القتالية.
- الاعتماد على معدات متهالكة
- كان معظم العتاد العسكري السوري يعود إلى الحقبة السوفيتية، ما يعني أن الكثير من المعدات غير محدثة أو لم تخضع لصيانة كافية.
- عانت القوات الجوية والبحرية من نفس المشكلة، حيث أصبحت الطائرات والسفن الحربية غير قادرة على مواجهة التحديات الحديثة.
- الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على التمويل العسكري
- العقوبات الدولية، وتدمير البنية التحتية، وتراجع إنتاج النفط والغاز، أدت إلى شح الموارد المالية.
- تدني رواتب الجنود إلى مستويات متدنية، حيث قيل إنها “لا تكفيهم لثلاثة أيام”، تسبب في انخفاض الروح المعنوية وهروب المزيد من الجنود.
- فقدان السيطرة على الموارد الطبيعية
- رغم امتلاك سوريا احتياطات نفطية وغازية كبيرة، فإن الصراع حرم الجيش من الاستفادة منها بشكل فعال، مما انعكس سلبًا على تمويل العمليات العسكرية وصيانة العتاد.
- الضربات الإسرائيلية والمعارضة المسلحة
- تعرض الجيش لهجمات مستمرة من المعارضة المسلحة، التي استولت على مواقع إستراتيجية وأسلحة متطورة.
- جاءت الضربات الإسرائيلية، وخاصة في عملية “سهم باشان” في ديسمبر 2024، لتقضي على البنية العسكرية المتبقية، بما في ذلك القوات الجوية والبحرية، مما جعل الجيش عاجزًا عن الرد أو الصمود.
الوضع الحالي لسوريا: جيش منهك على حافة الانهيار
بحلول ديسمبر 2024، يظل الجيش السوري يمتلك أعدادًا كبيرة من المعدات مثل:
- أكثر من 4000 دبابة و3000 عربة مدرعة.
- حوالي 400 طائرة بين مقاتلات ومروحيات.
- 40 وحدة بحرية.
لكن معظم هذه الأرقام تظل “نظرية”، إذ إن الجزء الأكبر من العتاد متهالك أو خارج الخدمة. ورغم الترتيب النسبي الجيد للقوة الجوية (28 عالميًا) والبحرية (52 عالميًا)، إلا أن فعالية هذه القوات أصبحت محدودة جدا.
ماذا عن إعادة إعمار الجيش السوري؟
أكد الكاتب الصحفي محمد سعد عبد الحفيظ أن سوريا، بعد أكثر من عقد من الحرب المستمرة والتدمير الممنهج لقواتها المسلحة، أصبحت “دولة منزوعة السلاح”.
وأشار إلى أن إعادة بناء الجيش السوري تحتاج إلى ما لا يقل عن 20 عامًا، في ظل التحديات الهيكلية والاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد.
كلفة إعادة إعمار سوريا: أعباء تفوق التوقعات
من ناحية أخرى، أوضح الدكتور جلال قناص، الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد بجامعة قطر، أن التقديرات الأولية تشير إلى أن تكلفة إعادة إعمار سوريا تتراوح بين 200 و300 مليار دولار، وقد تزيد هذه الأرقام تبعًا لمدى التدمير الذي طال البنية التحتية ومؤسسات الدولة.
هل تعود سوريا إلى طبيعتها مع عهد جديد؟
- إعادة بناء الجيش السوري خلال عقدين يتطلب إصلاحات سياسية شاملة ودعماً دولياً، بما في ذلك تحديث البنية التحتية العسكرية وتطوير التعليم والتدريب.
- بالنسبة لإعادة الإعمار، فإن النجاح مرهون بإيجاد مصادر تمويل دولية ودعم منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الإقليمية، مع التركيز على مشاريع البنية التحتية والتعليم والصحة.
إعادة سوريا إلى حالتها الطبيعية، سواء عسكريًا أو اقتصاديًا، يمثل تحديًا ضخمًا يتطلب تخطيطًا طويل الأمد وإرادة دولية ومحلية مشتركة.