في حالة حدوث تسرب نووي.. كيف تحمي نفسك من التلوث الإشعاعي؟

في عالم لا تعترف فيه الإشعاعات بالحدود ولا تطرق الأبواب قبل اقتحام الأجواء، قد تحمل الرياح القادمة من الشرق سمًّا لا يرى ولا يُشم، لكنه قادر على تغيير مجرى الحياة.

حادثة نووية واحدة، ولو كانت على بُعد آلاف الكيلومترات، قد تكفي لإرباك أنظمة البيئة، وتعريض البشر والحيوان والنبات لخطرٍ صامت يمتد لعقود. التلوث الإشعاعي لا يعرف جغرافيا، ولا يستأذن قبل أن يصيب.

ماذا تفعل لو وجدت نفسك وسط أزمة نووية؟ وكيف تحمي نفسك وعائلتك من الإشعاع القاتل؟ ومتى يتحول الخطر من أزمة محلية إلى تهديد عالمي؟

في هذا المقال، نأخذك في جولة شاملة لفهم آليات انتشار التلوث النووي، ونقدّم دليلاً مبسّطًا لإجراءات الحماية الأولية في حال حدوث تسرب إشعاعي مفاجئ.

لا تفوّت قراءة: الجيش الإيراني أم الإسرائيلي؟ مقارنة القدرات الجوية والبرية والنووية بين إسرائيل وإيران

ما أبرز أسباب التسرب الإشعاعي وكيف تؤثر على البيئة وصحة الإنسان؟

تتعدد أسباب التسرب الإشعاعي، وتكمن خطورتها في تأثيراتها الممتدة على البيئة وصحة الإنسان لسنوات طويلة، بل وحتى لأجيال قادمة.

في مقدمة هذه الأسباب تأتي الانفجارات النووية، كما حدث في هيروشيما، حيث أدى التفجير إلى دمار شامل وتلوّث إشعاعي استمر لعقود متتالية.

كذلك، تعد الكوارث في المحطات النووية من أبرز مصادر التسرب، ومثالها الأشهر كارثة فوكوشيما التي تسببت في تسرّب إشعاعي واسع النطاق.

ولا يقل خطرًا وقوع الحوادث أثناء العمل في المنشآت النووية، كما حصل في تشيرنوبل، التي تعتبر من أسوأ الكوارث النووية على الإطلاق.

هذه الحوادث، مجتمعة، تؤدي إلى تلوث التربة والمياه والهواء، كما تدخل المواد المشعة إلى السلسلة الغذائية، مما يشكل تهديدًا طويل الأمد للإنسان.

كيف يؤثر التعرض للإشعاع على جسم الإنسان؟

يسبب التعرض للإشعاع تأثيرات متفاوتة الخطورة، ويعتمد ذلك على كمية الجرعة ومدة التعرض، حيث تزداد المضاعفات مع ازدياد الجرعة الممتصة.

في الساعات الأولى من التعرض، تظهر أعراض فورية مثل الغثيان والتقيؤ والصداع، وهي إشارات مبكرة على اضطراب في الجهاز العصبي.

مع مرور الوقت، قد تتفاقم الحالة لتشمل الحمى، وفقدان الوعي، واضطرابًا حادًا في نخاع العظم، ما يهدد الحياة إذا لم يُعالج بسرعة.

أما على المدى المتوسط والطويل، فيواجه الجسم مضاعفات مثل تساقط الشعر، الحروق الجلدية، وتليف الأنسجة، وقد يتطور الأمر إلى سرطان.

التعرض الإشعاعي لا يترك أثرًا فوريًا فقط، بل قد يحدث تغيرات خلوية تؤثر على وظائف الجسم الحيوية لعقود.

كيف يهدد التلوث الإشعاعي النظام البيئي على المدى الطويل؟

لا يعرف التلوث الإشعاعي حدودًا جغرافية، إذ ينتشر عبر الرياح والتيارات الجوية، ما يجعل الدول المجاورة لموقع التسرب أكثر عرضة للخطر المباشر.

من بين أخطر المواد المشعة التي قد تنتشر في الهواء اليورانيوم المنضب، الذي يتحول إلى غبار دقيق يترسب فوق الأشجار والمسطحات المائية والتربة.

تمتص المحاصيل الزراعية هذا الغبار بسهولة، وخاصة الأصناف الورقية، مما يرفع احتمالات انتقال المواد المشعة إلى جسم الإنسان عبر الغذاء.

ولا يتوقف الخطر عند الغذاء، فالمواد المشعة التي تترسب في التربة تمثل تهديدًا بيئيًا طويل الأمد، إذ تحدث خللًا يصعب إصلاحه.

فالتربة، باعتبارها نظامًا حيًا معقدًا، تتأثر بشكل بالغ بالإشعاع، ويستحيل تطهيرها الكامل دون الإضرار بتوازنها البيولوجي.

كيف ينتقل التلوث الإشعاعي إلى الدول المجاورة رغم بعد المسافة؟

لا تقتصر آثار الحوادث الإشعاعية على موقع الانفجار أو التسرب، بل يمكن أن تمتد إلى دول أخرى بفعل عوامل طبيعية وبشرية معقدة.

أول هذه العوامل هو اتجاه وسرعة الرياح؛ فالدول الواقعة في مسار الرياح السائدة تصبح أكثر عرضة لاستنشاق المواد المشعة المحمولة جوًا.

إلى جانب ذلك، تلعب المصادر المائية المشتركة، كالبحار والأنهار، دورًا خطيرًا في نقل التلوث الإشعاعي إلى مناطق بعيدة دون إنذار.

كما قد ينتقل الإشعاع عبر المنتجات الزراعية أو المواد الخام المستوردة من المناطق المتأثرة، مما يؤدي إلى دخول التلوث إلى الأسواق والمنازل.

لهذا، لا يعني بُعد الدولة عن موقع التسرب أنها في مأمن، فالإشعاع يسلك مسارات خفية تتجاوز الحدود دون أن يرى أو يشم.

لا تفوّت قراءة: إيران ترفع الراية الحمراء “علم الثأر” بعد الهجوم الإسرائيلي.. ما الذي كتب عليها؟

كيف تحمي نفسك في حال وقوع تلوث إشعاعي في بلدك أو دولة مجاورة؟

في حال حدوث تسرب نووي أو تلوث إشعاعي في منطقتك أو في دولة قريبة، فإن الاستجابة السريعة والواعية قد تنقذ حياتك وتقلّل من تعرضك للخطر.

وفقًا لتوصيات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) وخبراء الطاقة النووية، هناك خطوات محددة يجب اتباعها فورًا لتقليل أثر الإشعاع على الجسم والبيئة المحيطة.

من خلال هذا الدليل، نستعرض أبرز الإجراءات التي يوصى بها لحماية نفسك وأسرتك، سواء كنت داخل المنزل، أو في طريقك إلى منطقة آمنة.

الإخلاء الفوري أولوية قصوى

عند وقوع حادث إشعاعي، يجب مغادرة المنطقة المصابة فورًا، دون تأخير، مع تجنب العودة للمنازل والتوجه إلى مراكز إيواء آمنة ومعتمدة.

هل البقاء في السيارة آمن خلال تسرّب إشعاعي؟

لا تعد السيارة ملاذًا آمنًا من التلوث الإشعاعي، لكن في حال الاضطرار، يمكن تقليل الخطر بإغلاق النوافذ ووقف التهوية تمامًا.

كما ينصح بالاحتفاظ بأقراص اليود في السيارة ضمن علبة الأدوية، في مكان جاف ودافئ بدرجة حرارة بين 15 و30 مئوية.

كيف تحتمي داخل المباني أثناء التلوث الإشعاعي؟

ادخل فورًا أي مبنى دائم عند الإبلاغ عن حادث إشعاعي، ويفضل أن يكون من الطوب أو الخرسانة لزيادة الحماية من الإشعاع.

أغلق جميع الأبواب والنوافذ، وأوقف أجهزة التكييف أو التهوية، لتقليل دخول الجزيئات المشعة المحمولة في الهواء.

ابقَ داخل المبنى حتى تصلك تعليمات رسمية بالمغادرة، ولا تغادر إلا إذا طلبت الجهات المختصة ذلك.

تجنّب الجلوس قرب النوافذ أو الجدران الخارجية، واحتمِ في مركز المبنى حيث يكون مستوى الإشعاع أقل.

البقاء في الداخل يساعد في منع استنشاق أو ملامسة الجسيمات المشعة المنتشرة في الهواء المحيط.

كيف تطهّر نفسك وتعتني بحيوانك الأليف بعد التعرض للإشعاع؟

إذا كنت في الخارج وقت الحادث، انزع ملابسك فورًا واغسل جسمك جيدًا بالماء والصابون أو الشامبو لإزالة المواد المشعة.

هذا الإجراء البسيط قد يُقلل التلوث الإشعاعي على الجسم بنسبة تصل إلى 90%، ويقلّص خطر الامتصاص عبر الجلد أو الاستنشاق.

إذا كان حيوانك الأليف برفقتك، أدخله إلى المنزل مباشرة واغسله بالماء والصابون لتقليل التلوث من فرائه أو جلده.

لكن لا تخرج للبحث عنه إذا لم يكن معك، فتعريض نفسك للإشعاع قد يشكل خطرًا أكبر من محاولة إنقاذه.

ما هي أهم مبادئ الحماية من الإشعاع النووي في حالات الطوارئ؟

تُعد استراتيجية الوقت والمسافة ومكان الاحتماء من أكثر الوسائل فعالية لتقليل التعرض للإشعاع خلال الحوادث النووية الكبرى.

الوقت: قلّل مدة بقائك في المناطق الملوثة، فكلما كانت الفترة أقصر، انخفضت كمية الإشعاع التي يمتصها جسمك.

المسافة: ابتعد قدر الإمكان عن مصدر الإشعاع أو موقع الانفجار، فالمسافة عنصر حاسم في تقليل شدة التعرّض.

مكان الاحتماء: احتمِ خلف حواجز سميكة مثل الخرسانة أو الطوب أو الماء، إذ تمتص هذه المواد أشعة جاما الخطيرة.

ويُفضل دائمًا البقاء في مركز المبنى، بعيدًا عن النوافذ، مع التوجه إلى الطوابق السفلية أو الأقبية لزيادة العزل الإشعاعي.

لماذا يجب الاحتماء قبل تساقط الغبار الإشعاعي؟

بعد الانفجار النووي، غالبًا ما تتوفر مدة لا تقل عن 10 دقائق قبل بدء تساقط الغبار المشع على الأرض.

استغل هذا الوقت الثمين بالوصول سريعًا إلى مبنى متعدد الطوابق أو إلى قبو تحت الأرض، حيث تقل مستويات الإشعاع بشكل ملحوظ.

لا تتردد أو تتأخر، فكل ثانية قبل التساقط تُحدث فرقًا في مستوى الأمان وتقليل التعرض للإشعاع.

ما أبرز إرشادات الأمان التي يجب اتباعها أثناء الحوادث الإشعاعية؟

  • اتبع التعليمات الرسمية عبر جهاز راديو يعمل بالبطارية، واضبطه على موجات AM/FM للحصول على تحديثات الجهات المختصة أولاً بأول.
  • اتخذ وضعية حماية فورية إذا كنت قرب موقع الانفجار؛ استلقِ فورًا، غطِّ وجهك ورأسك، وحاول الاحتماء خلف جسم صلب لصدّ الشظايا.
  • استخدم كمامة N95 للحد من استنشاق الجزيئات المشعة المنتشرة في الهواء، خاصة عند التنقل في مناطق ملوّثة.
  • لا تتناول أقراص اليود (Potassium Iodide) إلا بتوصية من السلطات الطبية، فهي تحمي الغدة الدرقية من امتصاص اليود المشع.
  • خزّن مياهًا معبأة وأطعمة معلبة تكفي الأسرة لمدة 3 أيام على الأقل، لضمان التغذية الآمنة أثناء البقاء في الداخل.
  • جهّز شريطًا لاصقًا وألواحًا بلاستيكية لإغلاق النوافذ والشقوق بإحكام ومنع تسرب الهواء الملوث داخل المبنى.

لا تفوّت قراءة: حميد البقيش.. إماراتي يروض الحيوانات المفترسة ويحول منزله إلى مملكة للأسود والنمور

تعليقات
Loading...