عاشوا بين جدرانها أسرى وبين الناس ذكرى: قصص إنسانية من قلب السجون السورية

بعد سقوط نظام بشار الأسد واقتحام فصائل المعارضة المسلحة للعديد من المعتقلات السورية وعلى رأسهم “المسلخ البشري” سجن صيدنايا، مع كل زنزانة تم كسر أبوابها خرجت آلاف من القصص الإنسانية من قلب السجون السورية.

منهم من عاشوا بين جدرانها وخرجوا للحرية ومنهم من ماتوا قبل هذه اللحظة، ومع كل قصة كانت تظهر تجد صاحبها بملامح متغيرة.

بعضهم يروي لك قصصًا تسمعها في الروايات، والبعض الآخر لا يتذكر أصلًا من هو، ومنهم من تحول إلى مجرد صورة فوتوغرافية أو ذكرى.

مازن حمادة .. أيقونة النضال

أيقونة النضال والملقب ب”الميت المتكلم”

بوجه شاحب وجسد هزيل ظهر في العديد من المقابلات، وهو يتحدث عما عاناه في السجن، خانته الدموع مرارًا وهو يروي كيف جرد من إنسانيته خلال فترة الاعتقال.

اعتقله النظام عام 2011 عدة مرات قبل أن يطلق سراحه بعد سنوات من الاعتقال والتعذيب ليتوجه إلى أوروبا ويحصل على اللجوء في هولندا.

حيث نشط هناك من أجل كشف فظائع السجون السورية، وطرق التعذيب التي تعرض لها كما غيره من المساجين.

حتى عاد مجددًا منذ 4 أعوام ليجدد النظام اعتقاله ويختفي طوال هذه الفترة.

وبعد سقوط النظام ظل اسمه يتردد كثيرًا لمعرفة مصيره، ولكن في الساعات الأخيرة تم العثور على جثته حيث توفى قبل أسبوع ! ليقول أحد أقاربه “ليتك صبرت هالأسبوع يا حبيبي”.

تقول الصحفية ورد نجار بعد العثور على جثة مازن حمادة “قتلوا مازن حمادة عدة مرات.. مات قلبه وعقله وشعوره كل على حدة.. والآن بعد سقوط الطاغية وجلاديه، انتشرت صورة جثة مازن فأدركنا أنه مات جسداً ولكن لم ولن تموت ذكراه فينا بل وحتى سنخلدها للأجيال القادمة”.

أطلقوا عليه النشطاء لقب “الميت المتكلم”، بعد تقديمه شهادته الشهيرة عن أهوال السجون السورية.

وفي واحدة من الشهادات قال أنهم بدأوا بالقفز على صدره لحد ما تم تكسير ضلوعه، ثم تم قلبه على بطنه، وممارسة نفس القفز على ظهره.

ومع صراخه، وضعوا حذاء في فمه لمنعه من الصراخ الأخير، وتم تعذيبه بطرق مختلفة من أعضائه التناسلية والمناطق الأكثر حساسية في جسده>

ووفق ما رواه مازن في لقاء عام 2014 أنهم أجبروه على نزع ملابسه، ووضع الكماشات على أعضائه التناسلية.

“بقوا يقرصون هذه الكماشات شيئًا فشيًا ويشدونها حتى قطعوا العضو التناسلي”، وأحيانًا كانوا يقوموا باغتصابه بإدخال أدوات حادة.

رغيد الططري عميد المعتقلين

اعتقل الطيار رغيد الططري عندمًا كان عمره 27 عامًا، بعد ما رفض تنفيذ أوامر بشن غارات جوية بحكم كونه طيارًا في سلاح الجو السوري، على محافظة حماة.

وذلك في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والد بشار الأسد، خلال الأحداث الدموية التي شهدتها المدينة.

وكانت التهمة رفض تنفيذ الأوامر العسكرية، وتم تسريحه من منصبه ثم غادر البلاد بعد ذلك، إلى أن تم اعتقاله مرة أخرى عند عودته لدمشق.

فاعتقل حينها عام 1981 بلا محاكمة وظل منذ وقتها في السجن، حتى استعاد حريته بعدما أمضى 43 عامًا في سجون النظام دون محاكمة.

وهو متنقلًا بين السجون السورية السيئة السمعة، منها تدمر وصيدنايا.

في حديث لابنه خلال السنوات السابقة قال “طوال حياتي حُرمت من أن يكون لدي أب وحُرم هو من التعرف على ابنه الوحيد”.

وقال بعد انتقال والده إلى سجن صيدنايا الدموي، كانت عائلته تراه مرة كل عام فقط، يستذكر وائل رؤيته في إحدى المرات سأله والده: “عندك بلايستيشن؟”.

يقول وائل: “صُدِمت حينها لأن حلمي كان أن أحصل على واحدة، صُدِمت لأنه وعلى الرغم من وجود أبي في السجن كل هذه السنوات كان يعلم بالبلايستيشن”.

وأكمل: “اليوم عمري 41 سنة وتلك هي المرة الوحيدة التي تحدثت فيها مع أبي بموضوع طبيعي، مثل هالأكلة الطيبة، ورغم أن هذا الشيء قد يبدو تافهاً إلّا أنه يعني لي الكثير”.

فاقد للذاكرة لا نعرف من هو

الأردني أسامة بين الأمس واليوم

ومن رغد لشخض آخر قيل في البداية إنه الأردني أسامة البطانية، واستقبله الأردنيون بعد غيابه 38 عامًا عندما كان يبلغ من العمر 18 عامًا، لينصدموا بوجوده في السجون السورية.

وقيل أن بعد إنهائه الثانوية العامة، توجه إلى سوريا للبحث عن جامعة للدراسة، فيما انقطعت أخباره عن ذويه منذ ذلك اليوم.

وبينما السفارة الأردنية في دمشق تابعت قضيته منذ اختفائه عام 1986، لكن السلطات السورية أنكرت طوال هذه السنوات وجوده داخل البلاد.

ولكن مؤخرًا كشف تحليل DNA أنه ليس أسامة بشير البطاينة، بعد تحليل عينته مع العينات التي تم أخذها من أفراد أسرة البطاينة.

ولكن سواء أسامة أو الشخص الذي ظهر في الصور ولا يعرف من هو، فكلاهم ضحايا،

أسامة الذي لانعرف له مكان والمعتقل الأخر الذي فقد نفسه وهويته، وعليه ملامح العجز والضعف بعد سنوات طويلة قضاها داخل المعتقلات، وتحديدًا في سجن صيدنايا سيء السمعة.

الطبيب عبد الوهاب دعدوش

 من أوائل الأشخاص الذين خرجوا من السجن وانتشرت صورهم سريعًا، نظرًا لحالته التي كان يرثى لها، خرج فاقدًا للذاكرة، ولم يتعرف عليه أحد.

 وغير قادر على الإجابة عن اسمه أو مكان إقامته، حيث لم يستطع أهله التعرف عليه في البداية بسبب التغيرات الكبيرة التي طرأت عليه.

ولكن الفصائل السورية تمكنت من تحديد هويته، وتبين أنه عبد الوهاب دعدوش، من بلدة كفرنبل في إدلب.

طالب بكلية الطب البشري بجامعة حماة، وخرج قبل نحو 13 عامًا لأداء أحد الامتحانات، وظل متغيبًا منذ ذلك الحين.

حتى ظنت والدته أنه توفي، وبكت عليه حتى أصابها العمى، وبعد اختفائه بفترة قصيرة، رزق بطفل، صار عمره اليوم 13 عامًا ولم يرَ أباه.

طل الملوحي

ناشطة سورية ولدت عام 1991 بمدينة حمص، واشتهرت بكتاباتها ومقالات الرأي التي نشرتها على مدونتها، وتناولت مواضيع سياسية واجتماعية.

وبسببها اعتقلها النظام السوري وهي لم تتجاوز الـ18 من عمرها، وذلك في عام 2009 بتهم تتعلق بالتجسس والتعامل مع جهات خارجية.

حكم على طل في 14 فبراير 2011 بالسجن مدة 5 سنوات، بتهمة إفشاء معلومات لدولة أجنبية، وبدأت الملوحي في 27 ديسمبر 2011 إضرابًا عن الطعام مطالبة بالإفراج عنها.

“بعد مرور سنتين على اعتقالي، ذقت فيهما مرّ عذابات الاعتقال وحجز الحرية، وصولا إلى تشويه سمعتي، أعلن إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، طلبًا للحرية، وأملا في إنهاء مأساة اعتقالي وتدهور حالتي الصحية والنفسية، وما إضرابي هذا عن الطعام إلا استصراخ لضمائركم لوقف عذاباتي وإنهاء مأساة اعتقالي”. طل الملوحي

وفي 2013 وافقت محكمة الجنايات في دمشق على طلب إعفائها من ربع مدة عقوبتها، إلا أن القرار لم يُنفذ.

بل تم نقلها من سجن دمشق المركزي “عدرا” إلى فرع مكتب الأمن القومي، وأعيدت إلى سجن عدرا مجددًا حيث انقطعت أخبارها.

ولكنها أصبحت حرة الآن، بعد ما ناشد العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالبحث عنها وإخراجها.

طل الملوحي بعد تحريرها

سهيل حموي

“”كنت إذا اشتقت لأحد، أغمضت عيناي لأراه، وإذا جعت أكذب على نفسي وأقول إنني أكلت”.

هذا ما قاله الأسير المحرر من المعتقلات السورية سهيل حموي، بعد وصوله بلده لبنان بعدما قضى أكثر من 33 عامًا في السجن.

حيث استقبلته بلدة شكا (قضاء البترون بمحافظة الشمال)، بالاحتفالات والزغاريد.

“وجعٌ. مرضٌ. ظلمٌ. ألمٌ. حنيٌن، واشتياق”. هكذا لخّص سهيل حموى، السجين اللبناني معاناة أكثر من ثلاثة عقود في زنزانات نظام بشار الأسد.

واعتقل سهيل خلال فترة الوجود السوري في لبنان التي استمرت 29 عامًا (1976-2005)، اعتُقل مع عدد من اللبنانيين ونُقلوا إلى السجون.

لأسباب عدة، بينها الانتماء إلى فصائل معارضة لهذا الوجود، أو الاشتباه في التعاون مع جهات معادية للنظام السوري.

ومنهم من تعرض للإخفاء القسري دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء اعتقالهم.

طفل عمره 6 سنوات

لا نعرف اسمه ولا هويته ولا أهله، ولا عمره، ولكنه ظهر فجأة خلال إحدى فيديوهات تحرير المعتقلين في السجون، وأصبح يجري في كل مكان.

لا يعلم ماذا يحدث ومن هؤلاء، فهو منذ ولادته أسير لهذه الحيطان وهذه الزنزانة، لا يعرف شيء غيرها، ولا يعرف أشكال الطيور والحيوانات.

ولا يعرف مفردات الكلمات، إذا جربت أن تحكي له حدوتة عن العصفورة، يقول لك “ما هي العصفورة؟” .. ولكنه الآن رأي الشمس!

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: هل خرج النبي موسى من مصر؟ جدل مستمر بين علماء الآثار ورجال الدين والمفكرين

تعليقات
Loading...