سيناريوهات الحرب بين إسرائيل والحوثيين: هل يتفاقم الصراع في اليمن؟
تصاعدت التوترات في المنطقة العربية مع ازدياد التهديدات المتبادلة بين إسرائيل والحوثيين، ما يثير تساؤلات حول احتمالية نشوب حرب شاملة في اليمن.
تلوح إسرائيل بالتصعيد العسكري ضد جماعة الحوثي بعد هجمات صاروخية تهدد أمنها، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن “الحرب قد بدأت للتو ضد الحوثيين”.
بينما تؤكد الجماعة استعدادها “للدفاع عن اليمن بكل الوسائل”، حيث أعلنت جماعة الحوثي أنها نفذت نحو 27 عملية ضد إسرائيل فقط خلال شهر ديسمبر الماضي 2024.
يتجاوز التوتر الحدود اليمنية، إذ يخشى مراقبون من انزلاق المنطقة إلى صراع إقليمي أوسع مع دخول أطراف جديدة على خط المواجهة.
في ظل التغيرات الجيوسياسية والتصعيد المتسارع، ما هي السيناريوهات المحتملة للمواجهة؟ وهل تقود الأوضاع إلى تصعيد خطير أم تسوية قريبة؟
لا تفوّت قراءة: بعد هروب بشار الأسد: من هم وزراء الحكومة السورية المؤقتة؟
لماذا تريد إسرائيل القضاء على الحوثي؟
أعلنت جماعة أنصار الله (الحوثيون) أنها نفذت 27 عملية عسكرية ضد إسرائيل في ديسمبر 2024، ردا على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، والاعتداءات “الصهيوأميركية” على اليمن.
ذكرت جماعة الحوثي في تقريرها الأخير أن ديسمبر شهد تنفيذ عمليتين عسكريتين نوعيتين يوم الثلاثاء.
استهدفت الأولى مطار بن غوريون في منطقة يافا بصاروخ باليستي فرط صوتي من نوع “فلسطين 2”.
بينما استهدفت الثانية محطة الكهرباء جنوبي القدس المحتلة بصاروخ باليستي من نوع “ذو الفقار”.
وأشار التقرير أيضًا إلى استمرار عمليات الإسناد البحرية التي تفرض حظرًا كاملاً على الملاحة والوصول إلى موانئ إسرائيل.
لا تفوّت قراءة: اغتيال إسماعيل هنية: إسرائيل تروي القصة وحماس تقدم رواية جديدة
جماعة الحوثي: ذراع إيران في اليمن
منذ نوفمبر 2023، يستهدف الحوثيون سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر بصواريخ وطائرات مسيرة.
وردا على هذه الهجمات، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا منذ مطلع عام 2024 شن غارات جوية وهجمات صاروخية على مواقع للحوثيين في اليمن.
وهو ما قابلته الجماعة بإعلان أنها باتت تعتبر السفن الأميركية والبريطانية كافة ضمن أهدافها العسكرية، وتوسيع هجماتها إلى السفن المارة بالبحر العربي والمحيط الهندي أو أي مكان تصله أسلحتها.
ويرى صناع القرار في إسرائيل أن جماعة الحوثي في اليمن هي آخر ما تبقى من أذرع إيران في الشرق الأوسط.
ووفق الصحف الإسرائيلية، جرى نقاش داخل مجلس الحرب الإسرائيلي حول وجهة تل أبيب القادمة: هل تكون اليمن أم توجيه ضربة مباشرة لطهران؟
من هم الحوثيون؟
نشأت جماعة الحوثيين كحركة مسلحة في اليمن خلال صراعها مع الحكومة اليمنية، إلا أن جذورها العقائدية تعود إلى المذهب الزيدي، أحد تيارات الإسلام الشيعي.
يتميز الزيديون بمذهب فقهي أقرب للسنة مقارنة ببقية الفرق الشيعية، إلا أنهم يتبنون إرثًا فكريًا قائمًا على مقاومة الظلم والتمرد ضد الأنظمة الحاكمة.
تاريخيًا، استمد المذهب الزيدي رمزيته من ثورة زيد بن علي ضد الحكم الأموي في القرن الثامن الميلادي.
على الصعيد التاريخي والجغرافي
تتمركز الحركة الحوثية في محافظة صعدة، شمال اليمن، حيث يشكل الزيديون غالبية السكان.
هذه المنطقة عانت طويلاً من التهميش الاقتصادي والسياسي، مما عزز مشاعر السخط والاحتقان الاجتماعي، وهي عوامل استغلتها الجماعة لتأجيج دعمها الشعبي.
من الناحية السياسية
فقد بدأت الحركة كمجموعة ذات مطالب حقوقية تهدف إلى تحسين أوضاع سكان المناطق الزيدية المهمشة، لكنها تطورت لاحقًا إلى حركة مسلحة.
كانت مطالبها الأولية تتعلق بالمساواة، التنمية، وإيقاف السياسات الإقصائية، لكن عوامل إقليمية ودولية أسهمت في تحوّلها إلى لاعب رئيسي في الحرب اليمنية.
لا تفوّت قراءة: إسرائيل تخترق بنود هدنة وقف إطلاق النار في لبنان: ماذا بعد انقضاء الـ60 يوما؟
ماذا نعرف عن عقيدة الحوثيين؟
تستند الجماعة إلى مبادئ دينية تستمدها من المذهب الزيدي، ولكنها تأثرت بأيديولوجيات شيعية أوسع، وخاصةً الفكر الإيراني، ما جعلها تمتلك بعدًا إقليميًا يتجاوز حدود اليمن.
العوامل المساهمة في صعود الحوثيين
يمكن إرجاع صعود الحوثيين إلى مزيج معقد من العوامل العقائدية، التاريخية، والجيوسياسية.
استفادت الجماعة من ضعف الدولة اليمنية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن الانقسامات السياسية، مما وفر بيئة خصبة لنمو نفوذها.
اليوم، تمثل جماعة الحوثيين أحد أبرز الأطراف الإرهابية في النزاع اليمني، وتثير تحركاتها قلقا دوليا، نظرا لتداخل أجنداتها مع مصالح قوى إقليمية مثل إيران.
كيف توغلت جماعة الحوثي في حكم اليمن؟
ظهرت الحركة الحوثية في أوائل التسعينيات تحت مظلة حركة “الشباب المؤمن”، كردة فعل على التهميش الذي تعرضت له المناطق الزيدية.
ويشكل الزيديون 35-40% من سكان اليمن، والمتركزين بشكل أساسي في مدينة صعدة شمال البلاد.
وجاء تأسيس الحركة استجابة للأوضاع الاجتماعية والسياسية المتردية، حيث ركزت في بداياتها على الأنشطة الفكرية والتعليمية بهدف إحياء المذهب الزيدي وتعزيز الهوية الثقافية لسكان تلك المناطق.
في المراحل الأولى، اتسمت أنشطة الحركة بالطابع السلمي، حيث ركزت على البحث والتعليم وإقامة الفعاليات الثقافية.
ومع ذلك، أثارت الهتافات المعادية لأمريكا وإسرائيل، التي كان أنصارها يرددونها خلال التجمعات، جدلًا واسعًا ولفتت أنظار السلطات، لكنها لم تواجه قمعًا شديدًا في البداية.
كان تعامل السلطات معهم محدودًا وارتكز على اعتقالات قصيرة الأمد دون اتخاذ إجراءات صارمة.
مع مرور الوقت، تحولت الحركة من نشاط فكري إلى صراع مسلح، نتيجة لتدهور العلاقة مع الحكومة وتصاعد الاحتجاجات ضد سياسات التهميش.
استفادت الجماعة من ضعف الدولة، الانقسامات السياسية، والتغيرات الإقليمية، مما مهد الطريق أمامها للتوسع عسكريًا والسيطرة تدريجيًا على مناطق استراتيجية.
اليوم، تتحكم الجماعة الحوثية في أجزاء كبيرة من اليمن، حيث استغلت الظروف الداخلية والخارجية لتحقيق تقدم عسكري وسياسي، مما جعلها لاعبا رئيسيا في الأزمة اليمنية.
لا تفوّت قراءة: 10 محاور ترسم خريطة حزب الجبهة الوطنية الجديد: كيف سيغير المشهد السياسي في مصر؟
التطور الفكري والسياسي للحوثيين تحت قيادة حسين بدر الدين الحوثي
ارتبط الزعيم حسين بدر الدين الحوثي بحزب “الحق”، الذي كان يمثل التيار الزيدي السياسي في اليمن، وتمكن من تحقيق نجاح محدود في البرلمان بفوزه بمقعدين بين عامي 1993 و1997.
وساعد هذا الانخراط السياسي في تقديم الحركة كتيار يسعى للتغيير عبر القنوات الشرعية في ظل حكم الرئيس علي عبد الله صالح.
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، شهدت الحركة تحولًا كبيرًا في نهجها الفكري، حيث تأثر حسين الحوثي بشدة بالثورة الإسلامية في إيران. تبنى خطابًا يجمع بين “إحياء العقيدة الزيدية” و”معاداة الإمبريالية”، خصوصًا ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
وكانت هذه الأفكار مدفوعة بالسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، بما في ذلك غزو العراق وأفغانستان، مما ساهم في تشكيل هوية الحركة المعادية للغرب.
مع توسع نشاطها، تطورت الحركة من الدفاع عن حقوق سكان صعدة إلى تقديم خدمات اجتماعية وتعليمية، مما أكسبها شعبية واسعة بين المجتمعات المهمشة.
هذه الجهود مهدت الطريق لتحولها من حركة دينية إلى كيان سياسي معارض، ووضعتها في مواجهة مباشرة مع حكم علي عبد الله صالح، الذي اعتبرها تهديدًا لنفوذه واستقرار نظامه.
لا تفوّت قراءة: الشرق الأوسط في 2024: عام التحولات السياسية الكبرى في الدول العربية
متى سيطر الحوثيون على اليمن؟
شهدت الحركة الحوثية تصعيدًا كبيرًا في صراعها المسلح ضد حكومة علي عبد الله صالح بين عامي 2004 و2010، وهو ما خلف آثارًا عميقة في المناطق الشمالية لليمن، خصوصًا صعدة.
خلال هذه الفترة، دخلت السعودية على خط المواجهة، وشاركت في القتال إلى جانب القوات الحكومية، لا سيما خلال الحرب الأخيرة (2009-2010)، التي عُرفت بحملة “الأرض المحروقة”، والتي أدت إلى مقتل العديد وخلّفت أزمة إنسانية كارثية.
تظاهرات شعبية ضد حكم صالح
بعد ذلك، في عام 2011، شارك الحوثيون في المظاهرات الشعبية التي اندلعت ضد حكم صالح، وأصبحوا جزءًا من الحوار الوطني عقب تنحيه في 2012.
ومع ذلك، استغل الحوثيون ضعف السلطة الانتقالية بقيادة عبد ربه منصور هادي لتعزيز نفوذهم، وبدؤوا في كسب دعم بعض الأطراف المؤيدة لصالح.
2015: إطلاق عاصفة الحزم للقضاء على الحوثيين
بحلول عام 2014، تمكن الحوثيون من السيطرة على العاصمة صنعاء، وفي العام التالي فرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس هادي، الذي فر إلى السعودية.
وتزامن ذلك مع تحالف تكتيكي بين الحوثيين وصالح، بهدف إحكام السيطرة على البلاد.
لكن، هذا التحالف أثار مخاوف إقليمية، مما دفع السعودية إلى إطلاق حملة “عاصفة الحزم” في 2015 لإعادة هادي إلى السلطة وتقويض النفوذ الحوثي.
وفي 2017، انهار التحالف بين الحوثيين وصالح بعد مقتل الأخير على أيديهم.
ورغم استمرار الصراع، شهد عام 2023 تطورًا لافتًا، حيث أجرت السعودية محادثات علنية مع الحوثيين في صنعاء، مما أثار التساؤلات حول احتمالات إنهاء الحرب التي استمرت أكثر من ثماني سنوات.
ما علاقة الحوثيين بإيران؟
لفهم العلاقة بين الحوثيين وإيران، يتعين العودة إلى بداية التمرد الحوثي ضد الحكومة اليمنية قبل نحو عقدين.
منذ ذلك الوقت، برز دعم إيران للحركة كجزء من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها الإقليمي.
في السنوات الأولى، قدم نظام الخميني دعماً محدوداً للحوثيين، شمل التمويل والتدريب العسكري عبر قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني.
لكن بحلول عام 2009، صعدت إيران دعمها بتزويد الحوثيين بأسلحة متطورة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، إلى جانب توفير استخبارات دقيقة عززت قدراتهم العسكرية.
ماليًا، تقدم طهران مئات الملايين من الدولارات سنويًا للحوثيين، وتغطي رواتب ما يزيد عن 120 ألف ناشط حوثي، مما أتاح لهم بناء شبكة تأثير قوية.
ومن خلال هذا الدعم، استقطبت إيران الحوثيين إلى “محور المقاومة”، الذي يضم جماعات ومنظمات موالية لطهران، ويهدف إلى مواجهة أعدائها التقليديين مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.
بهذا النهج، أصبحت الحركة الحوثية أداة إيرانية فعالة لتوسيع نفوذها في شبه الجزيرة العربية وتشكيل تهديد دائم للأطراف الإقليمية والدولية.
أسلحة الحوثيين التي تهدد البحر الأحمر
وفقًا لتقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وما أعلنه الحوثيون مؤخرًا، تمتلك الجماعة ترسانة صاروخية متنوعة تشمل صواريخ مضادة للدروع، باليستية، مضادة للسفن، صواريخ كروز، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي متقدمة.
- صواريخ “قاهر”: نسخة معدلة من الصواريخ السوفيتية V-755، تشمل “قاهر-1″ بمدى 250 كيلومترًا و”قاهر-2 إم” بمدى 400 كيلومتر.
- صواريخ “بدر”: تتضمن “بدر 1-بي” بمدى 130 كيلومترًا، و”بدر-إف” بمدى 160 كيلومترًا برأس حربي متفجر.
- صواريخ “بركان”: تضم “بركان-1″ بمدى يصل إلى 800 كيلومتر، و”بركان-2 إتش” بمدى 1000 كيلومتر، و”بركان-3″ بمدى 1200 كيلومتر.
- صواريخ “فلق” و”كرّار”: “فلق” بمدى 800 كيلومتر و”كرّار” بمدى 500 كيلومتر، مستوحاة من التصميم الإيراني “قيام”.
- صاروخ “طوفان”: الأبعد مدى، بين 1350 و1950 كيلومترًا، يعمل بالوقود السائل ويمتاز بدقة استهداف عالية.
- صاروخ “عقيل”: بعيد المدى يعمل بالوقود السائل، ودقيق في إصابة الأهداف.
- صاروخ “حاطم”: نسخة من “خيبر شكن” الإيراني، بمدى 1450 كيلومترًا، برأس حربي زنة 1450 كيلوجرامًا.
- صواريخ “تنكيل”: متوسطة المدى، تشمل نسختين “أرض-أرض” ونسخة مضادة للسفن، وتعمل بالوقود الصلب.
- صواريخ أخرى: تشمل “Scud-C”، و”OTR-21 Tochka”، التي تتميز بالدقة وسرعة الحركة، رغم محدودية العدد المتبقي.
لا تفوّت قراءة: بعد هروب بشار الأسد من سوريا: موجة شائعات تغزو منصات السوشيال في دمشق
هل يتكرر سيناريو لبنان وسوريا مع اليمن؟
إسرائيل تواجه تحديات كبيرة في القضاء على قيادات الحوثيين في اليمن، بخلاف استهداف قيادات فلسطينية ولبنانية مثل هنية والسنوار وحسن نصر الله في مناطق جغرافية أقرب.
أولاً، المسافة الجغرافية بين إسرائيل واليمن تشكل تحديًا لوجستيًا بارزًا، مما يصعب تنفيذ عمليات عسكرية مباشرة ضد الحوثيين بسبب عدم وجود قواعد عسكرية إسرائيلية في المنطقة.
ثانيًا، الهيكل القبلي لجماعة الحوثيين يضيف تعقيدًا آخر في استهداف القيادات. حيث يعتمد الحوثيون على تنظيم مرن يعمل في مناطق جبلية نائية، مما يجعلهم أقل عرضة للهجمات المباشرة.
بناءً على هذه الخصائص، يصبح القضاء على قيادات الحوثيين مهمة معقدة تتطلب تكتيكًا مختلفًا، وقد يستدعي ذلك مشاركة أطراف أخرى في المنطقة لدعم العمليات.