سجن صيدنايا في سوريا يطوي صفحة من الرعب: نهاية المسلخة البشرية
الآن، دمشق تحت السيطرة الكاملة للمعارضة بعد انهيار نظام بشار الأسد. في الساعات الأولى لدخول الفصائل المعارضة المسلحة العاصمة السورية دمشق، تهاوت معاقل النظام السوري وعلى رأسها سجن صيدنايا، وأُعلن فرار بشار الأسد إلى وجهة غير معلومة حتى الآن.
الأنظار تتجه نحو سجن صيدنايا. أحد أكثر السجون العسكرية السورية تحصينًا. أطلق عليه لقب “المسلخ البشري” بسبب التعذيب الممنهج، والحرمان القاسي، والازدحام الخانق الذي عانى منه المعتقلون.
“السجن الأحمر”… اسم آخر يعكس تاريخه الدموي. شهد السجن أحداثًا دامية في عام 2008، حيث قتل المئات خلال قمع تمرد داخله، مما عزز سمعته المروعة.
رمزية صيدنايا تمتد إلى ما هو أبعد من جدرانه. صار رمزًا لسياسة القمع في سوريا، ومركزًا لإخفاء الأصوات المعارضة تحت ظروف قاسية لا إنسانية.
مشاهد التحرير تثير مشاعر مختلطة بين الفرح والألم. صرخات النساء والأطفال تعلو فرحًا بعودة أحبائهم، بينما يُعاني بعض المفرج عنهم من فقدان الذاكرة جراء التعذيب الوحشي لعشرات السنوات.
وهناك تخوف من الشعب السوري بشأن امتلاء سوريا بالعديد من السجناء المعتقلين المصنفين إرهابيا داخل سجن صيدنايا، وإلى أين يذهبون؟ وما تأثير ذلك على دول الجوار!
أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان في سوريا تحرير صيدنايا. “فتحت أبواب السجن أمام آلاف المعتقلين”، هكذا أكدت المعارضة في بيان يُعلن إنهاء حقبة القمع داخل أشهر سجون سوريا.
أكدت تصريحات المعارضة نهاية عهد الظلم في صيدنايا، قائلا: “نزف للشعب السوري نبأ تحرير أسرانا وفك قيودهم”. إعلان طال انتظاره لطي صفحة مظلمة من تاريخ النظام.
السجن الذي تذبح فيه الدولة شعبها بهدوء
سجن صيدنايا منشأة عسكرية تحولت إلى رمز للقمع والدموية. يقع السجن قرب دير صيدنايا، على بعد 30 كيلومترًا شمال دمشق، وقد بُني في عام 1987 كأحد أكثر السجون تحصينًا.
“المسلخ البشري”… وصف صارخ يعكس فظائع السجن. أطلقت منظمة العفو الدولية عليه هذا الوصف، مشيرة إلى أنه المكان الذي “تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء”.
سياسة الموت داخل الجدران المعزولة. اشتهر السجن بممارسات التعذيب الوحشية، والإعدامات الجماعية التي نفذت بعيدًا عن أعين العالم، ما جعل اسمه مرادفًا للرعب.
رمزية الموقع تتجاوز تحصيناته العسكرية. بالقرب من دير صيدنايا التاريخي، يمثل السجن مفارقة صارخة بين رمز للسلام ومركز للرعب المطلق.
ماذا عن تصميمه؟
سجن صيدنايا… أحد أشد السجون العسكرية تحصينًا في سوريا. يتألف السجن من ثلاثة مبانٍ ضخمة تلتقي في نقطة مركزية تُعرف باسم “المسدس”، وهي الأكثر تحصينًا داخله.
“المسدس” مركز الرعب والانعزال. تضم هذه النقطة الغرف الأرضية والزنازين الانفرادية، حيث يعيش المعتقلون في عزلة قاسية تحت ظروف لا تُحتمل.
تصميم هندسي يخدم القبضة الأمنية. البنية المحكمة للمباني تسهل السيطرة على المعتقلين وتصعّب أي محاولات هروب أو تمرد داخل السجن.
رمزية “المسدس” تكرّس صورة القمع. النقطة المحورية للسجن تحولت إلى رمز للقسوة، حيث تُدار منه أقسى أشكال التعذيب والإذلال.
سجن صيدنايا… منظومة أمنية مُحكمة ذات ثلاثة مستويات
تؤمن الشرطة العسكرية، التابعة للفرقة الثالثة للجيش السوري، الجدران الخارجية، لتشكل خط الدفاع الأول ومنع أي محاولات هروب.
الوحدات الداخلية تُشدد الرقابة والسيطرة. وحدات من اللواء 21، التابع للفرقة الثالثة، تتولى تأمين الداخل، بما يشمل مراقبة المعتقلين وتأديبهم عند الضرورة.
حقل ألغام مزدوج يُحيط بالسجن. تمتد حقول ألغام مضادة للأفراد والدبابات حول السجن، مما يجعل اختراقه شبه مستحيل.
تقنيات الاتصالات تحت المراقبة الصارمة. تتخصص وحدة مختصة في مراقبة الاتصالات الأرضية واللاسلكية، لضمان عزل السجن بالكامل عن العالم الخارجي.
تظهر هذه الإجراءات تصميم النظام على جعل السجن قلعة قمعية لا يمكن النفاذ إليها.
إعدام نحو 13 ألف شخص شنقًا بين عامي 2011 و2015
أفاد تقرير لمنظمة العفو الدولية بأن ما بين 20 و50 معتقلًا يساقون إلى المشانق أسبوعيًا في منتصف الليل.
وفق وزارة الخارجية الأمريكية في 2017، لجأت الحكومة السورية إلى حرق آلاف الجثث داخل السجن للتخلص من الأدلة.
تعذيب لا ينتهي
مظاهر التعذيب: شرب البول
المعتقلون يحرمون من الطعام والماء لفترات طويلة، حتى أنهم يجبرون على شرب بولهم للبقاء على قيد الحياة، حسب شهادة أحد المعتقلين السابقين.
القضبان السيلكون
يستخدم الضرب المبرح بواسطة قضبان سيلكون أو معدنية، مع الصعق بالكهرباء، والسلق بالمياه الساخنة.
“غرفة الملح” تجسد التعذيب النفسي والجسدي
تملأ الأرضية بالملح بارتفاع 20 إلى 30 سنتيمترًا، وتُستخدم لإذلال المعتقلين نفسيًا، وتوضع فيها جثث الضحايا وتُكتب عليها أرقام قبل إعدامهم.
الرابطة الحقوقية أكدت أن المعتقلين لا يُبلغون بقرار الإعدام إلا في اللحظات الأخيرة، حيث يُنقلون مساءً لتنفيذ الحكم في اليوم نفسه أو التالي.
اختيار بين الموت أو قتل قريب
شهادات الناجين توضح أن المعتقلين كانوا يُجبرون على الاختيار بين موتهم أو قتل أحد أقربائهم أو معارفهم، مما يضيف عبئًا نفسيًا هائلًا عليهم.
التكدس والموت اليومي جزء من الواقع القاتم
وفقًا لإحدى الشهادات، كان هناك يوميًا في العنبر اثنان أو ثلاثة أموات، وكان الحارس يسأل عن عدد الموتى في كل غرفة، في مشهد يعكس الإهمال والوحشية.
أوجاع مشتركة بين اللبنانين والسورين
مع بداية اقتحام السجون، انتشر في لبنان تداول لائحة بأسماء المواطنين الذين جرى اعتقالهم على يد القوات السورية خلال الحرب الأهلية.
مرت سنوات على اختفاء هؤلاء المعتقلين، وظلت أخبارهم مجهولة، مما ترك أهاليهم في حالة من القلق المستمر.
622 معتقلًا لبنانيًا في عداد المفقودين. يعتقد أن هؤلاء المعتقلين ما زالوا في السجون السورية، حيث لا توجد أي معلومات مؤكدة عن مصيرهم أو مكان احتجازهم.
من تبقى من أسر المعتقلين يعيش في حالة انتظار قاتلة، لا يعرفون فيها إذا ما كانوا أحياء أم أموات.