من هو بشار الأسد؟.. 25 عامًا من السيطرة وسقوط مفاجئ في 11 يوما

This aerial picture shows a bullet-riddled portrait of Syrian President Bashar al-Assad adorning Hama's municipality building after it was defaced following the capture of the city by anti government fighters, on December 6, 2024. Rebel forces pressing a lightning offensive in Syria aim to overthrow President Bashar al-Assad's rule, their Islamist leader said in an interview published on December 6. In little over a week, the offensive has seen Syria's second city Aleppo and strategically located Hama fall from Assad's control for the first time since the civil war began in 2011. (Photo by Omar HAJ KADOUR / AFP)

في عتمة ليل الثامن من ديسمبر 2024، أعلنت الفصائل السورية المعارضة دخولها دمشق، معلنةً نهاية حكم بشار الأسد بعد قرابة 25 عامًا من السيطرة على سوريا.

شهدت الأيام الـ11 السابقة انهيارًا سريعًا لجيش ونظام الأسد، وذلك منذ انطلاق عملية “ردع العدوان” التي قادتها هيئة تحرير الشام بدعم من تركيا.

فقد النظام السوري سيطرته على مدينة تلو الأخرى، إلى أن فرّ الأسد في السابع من ديسمبر، منهياً 13 عامًا من الصراع واندلاع ثورة الياسمين.

بشار الأسد هو الابن الثاني في ترتيب أبناء الرئيس الراحل حافظ الأسد، بعد شقيقه الأكبر باسل، الذي كان يُعتبر الوريث المحتمل للحكم. لكن حادث سير مأساوي أودى بحياة باسل عام 1994، ما أدى إلى تغيير مسار حياة بشار الأسد بشكل كبير.

بعد وفاة شقيقه باسل، جرى تحضير بشار ليكون الخليفة، ليخلف والده في قيادة البلاد، وجرى تعيينه رئيسًا لسوريا بعد وفاة حافظ الأسد في عام 2000، ليبدأ فترة حكمه التي امتدت حتى الثامن من ديسمبر، فمن هو بشار الأسد؟.

موسيقى ثورية تعلن سقوط آل الأسد

تمكنت فصائل المعارضة السورية، في خطوة رمزية، من اقتحام مبنى التلفزيون الرسمي وسط دمشق، لتوقف البث المعتاد للقناة.

استبدلت المعارضة المحتوى المعتاد برسالة مقتضبة تفيد بسقوط نظام بشار الأسد، معلنة انتصار الثورة السورية الكبرى.

رافقت الرسالة ألحان وطنية تعزز روح الثورة، لترسخ هذا الحدث في أذهان المشاهدين والمواطنين السوريين.

تلا ذلك إعلان آخر يدعو الشعب السوري إلى حماية الممتلكات العامة والخاصة، تأكيدًا على أهمية الوحدة والمسؤولية.

اعتُبرت السيطرة على التلفزيون الرسمي انتصارًا رمزيًا يُبرز سقوط النظام الذي طالما استخدم الإعلام لترسيخ قبضته.

تؤكد المعارضة انتقال سوريا إلى عهد جديد. بهذه الرسائل، بدأت المعارضة السورية بتوجيه المواطنين نحو بناء سوريا جديدة بعيدًا عن الاستبداد والقمع.

كيف حكم حافظ الأسد البلاد: من انقلاب عسكري لحكم سوريا

للحديث عن سقوط بشار الأسد، لابد من استعراض إرث والده، حافظ الأسد.

تولى حافظ الأسد السلطة في سوريا عام 1970 إثر انقلاب عسكري، حيث أصبح قائدًا للجيش ورئيسًا للجمهورية.

طوال فترة حكمه، اعتمد حافظ الأسد على سياسات قمعية وأسلوب استبدادي لترسيخ سلطته والسيطرة على البلاد.

نجح حافظ في تثبيت أركان حكمه عبر تحالفات سياسية وعسكرية، معتمدًا على القمع العنيف ضد معارضيه لضمان استمرار سلطته.

ترك حافظ الأسد إرثًا سياسيًا هيمن فيه حكم عائلته على سوريا، ليبدأ عصرًا من الحكم الفردي امتد لعقود.

توارث عائلة الأسد السلطة جعل سوريا نموذجًا للاستبداد العائلي، وهو الإرث الذي شكّل ملامح عهد بشار الأسد لاحقًا.

من الانغلاق السياسي إلى المجازر الدموية

رغم الانغلاق السياسي الداخلي، حافظ الأسد على علاقات قوية مع القوى الكبرى، خاصة الاتحاد السوفيتي، مما عزز موقع سوريا إقليميًا.

بفضل التحالفات الاستراتيجية، تمكّن الأسد من تحويل سوريا إلى لاعب بارز في المنطقة، معتمداً على الدعم العسكري والسياسي الخارجي.

1982: عام المجزرة في حماة

شهدت سوريا إحدى أحلك صفحات حكم الأسد عندما قمع تمردًا في مدينة حماة بقوة مفرطة، راح ضحيتها الآلاف من المدنيين.

قمع التمرد في حماة عام 1982 لم يكن مجرد حدث عابر، بل رمزًا لنهج الأسد في إدارة الأزمات عبر العنف.

أصبحت مجزرة حماة جزءًا من تاريخ حكم الأسد، حيث تجسد سياساته القائمة على القمع لترسيخ سلطته على حساب الأرواح.

تولي بشار الأسد رئاسة سوريا: بداية عهد جديد

أدى بشار الأسد اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب، في 17 يوليو 2000، ليصبح رئيسًا لسوريا بعد انتخابه بنسبة 97.29%.

جرت الانتخابات بعد شهر من وفاة والده حافظ الأسد، الذي حكم سوريا ثلاثين عامًا دون منازع، وكان بشار المرشح الوحيد.

أقر مجلس الشعب في العاشر من يونيو 2000، يوم وفاة الأسد الأب، تعديلًا دستوريًا خفّض سن الترشح من 40 إلى 34 عامًا.

التعديل أتاح لبشار الأسد المولود عام 1965 أن يترشح للرئاسة، ما يؤكد أن الخطوة صُممت لتناسب وضعه تحديدًا.

بهذه الخطوات، انتقلت السلطة بسلاسة إلى بشار، ليبدأ عهدًا جديدًا حمل ملامح إرث والده من الحكم المطلق والسيطرة.

وقد واجه تحديات كبيرة في بداية حكمه، خاصة أنه كان ينظر إليه على أنه شخصية غير جاهزة سياسيًا لإدارة البلاد مقارنة بخبرة والده.

بداية مضطربة لحكم بشار الأسد

مع توليه السلطة، واجه بشار تحديات كبيرة، حيث اعتُبر غير مهيأ سياسيًا لإدارة البلاد مقارنة بخبرة والده.

رأى كثيرون أن بشار يفتقر إلى الحنكة السياسية التي امتلكها حافظ الأسد، ما أثار تساؤلات حول قدرته على قيادة سوريا.

للتخفيف من هذه الصورة، بدأ بشار بتبني إصلاحات اقتصادية محدودة، سعيًا لإبراز نفسه كزعيم أكثر حداثة وانفتاحًا.

تمثلت هذه الإصلاحات في خطوات صغيرة لتحرير الاقتصاد، لكنها ظلت محكومة بسيطرة النظام وتوجهاته المركزية.

رغم محاولاته لتحديث صورة الحكم، لم ينجح بشار في تجاوز إرث والده الذي هيمن على بنية النظام ومؤسساته.

ربيع دمشق: أمل قصير

مع بداية حكمه، أصبح بشار الأسد قائد القوات المسلحة والأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي، الحاكم منذ الستينيات.

في 26 سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقف وفنان سوري السلطات إلى العفو عن السجناء السياسيين ورفع حالة الطوارئ المستمرة منذ 1963.

بين سبتمبر 2000 وفبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح نسبي، سمحت خلالها السلطات ببعض حرية التعبير والنقاش السياسي.

صيف 2001، أنهت السلطات هذا الانفتاح باعتقال عشرة معارضين بارزين، واضعة حداً لـ”ربيع دمشق” الذي لم يدم طويلاً.

رغم الأمل الذي أثاره ربيع دمشق، عادت السلطة إلى نهجها القمعي سريعًا، مؤكدًة هيمنتها على المشهد السياسي والاجتماعي.

اغتيال رفيق الحريري يزلزل المشهد اللبناني

في 14 فبراير 2005، قُتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في بيروت، مما أثار اتهامات مباشرة للنظام السوري وحلفائه المحليين.

اتهمت المعارضة اللبنانية سوريا بالتورط في الاغتيال، ودعت إلى إنهاء وجودها العسكري الذي استمر 29 عامًا وهيمنت خلاله على السياسة اللبنانية.

نفت الحكومة السورية ضلوعها في اغتيال الحريري، رغم موجة اغتيالات استهدفت سياسيين وإعلاميين معارضين للنظام السوري.

في 26 أبريل 2005، وتحت ضغط مظاهرات كبرى في بيروت والمطالب الدولية، انسحب آخر جندي سوري من لبنان.

بهذا الانسحاب، أنهت سوريا حقبة طويلة من السيطرة السياسية والعسكرية على لبنان، مما مثّل ضربة استراتيجية لنظام الأسد.

إعلان دمشق: دعوة للتغيير الديمقراطي

في 16 أكتوبر 2005، أطلقت المعارضة السورية مبادرة “إعلان دمشق”، التي دعت إلى “تغيير ديمقراطي جذري” وندّدت بـ”نظام تسلّطي شمولي”.

سبق الإعلان توقيع مئات المثقفين والنشطاء والمحامين عريضة في فبراير 2004، طالبت برفع حالة الطوارئ المفروضة منذ عقود.

بدلاً من الاستجابة للمطالب، ضيّقت السلطات الخناق على النشطاء والمثقفين، وزادت الاستدعاءات الأمنية وحظرت السفر ومنعت التجمّعات.

في أواخر 2007، شنت الحكومة حملة اعتقالات استهدفت معارضين علمانيين بسبب مطالبتهم بتعزيز الديمقراطية وإصلاح النظام السياسي.

رغم الزخم الذي أثاره، واجه الإعلان قمعًا شديدًا أعاق تطلعات المعارضة نحو تحقيق إصلاحات ديمقراطية في سوريا.

بداية الاضطرابات: الثورة السورية 2011

في مارس 2011، خرج الشعب السوري في احتجاجات سلمية تطالب بالحرية والإصلاح السياسي، مستلهمًا موجة الربيع العربي.

واجهت السلطات الاحتجاجات بقمع عسكري مفرط، مما أدى إلى تصاعد التوترات وتحول المظاهرات إلى أعمال عنف واسعة النطاق.

سرعان ما تطورت الأزمة إلى حرب أهلية، مع دخول جماعات معارضة مسلحة وتنظيمات سياسية من الداخل والخارج في الصراع.

تحولت سوريا إلى ساحة حرب دولية، حيث دعمت روسيا في 2015 وإيران في 2013 النظام السوري، بينما دعمت الدول الغربية ودول إقليمية فصائل المعارضة.

رغم الدعم الذي تلقاه الأسد، أودى الصراع بحياة 600 ألف سوري، وترك البلاد في حالة دمار اقتصادي وإنساني غير مسبوقة. ونزح نحو 6 ملايين سوري من البلاد.

ولاية رابعة وسط جرائم كيماوية

أعيد انتخاب بشار الأسد، في 26 مايو 2021، رئيسًا لولاية رابعة بحصوله على 95.1% من الأصوات، وسط تشكيك واسع النطاق بشرعية الانتخابات.

أصدر القضاء الفرنسي، في 15 نوفمبر 2023، مذكرة توقيف دولية بحق الأسد، متهمًا إياه بشن هجمات كيميائية في سوريا عام 2013.

دعت محكمة العدل الدولية، في 16 نوفمبر 2023، سوريا إلى إنهاء التعذيب وسوء المعاملة، مسلطة الضوء على الانتهاكات المستمرة ضد حقوق الإنسان.

جاءت هذه التحركات كجزء من الجهود المتزايدة لمحاسبة النظام السوري على الجرائم المزعومة خلال سنوات الحرب.

إعلان فرار الأسد

صباح الأربعاء، في السابع والعشرين من نوفمبر، كانت الأنظار تتجه صوب لبنان وإسرائيل، وبنفس الوقت أعلنت المعارضة السورية المسلحة بدء عملية أطلقت عليها “ردع العدوان” بقيادة هيئة تحرير الشام التي تتمركز في إدلب شمال غرب سوريا.

سيطرت الفصائل في 29 نوفمبر، على أحياء عدة مثل مدينة حلب ومطار حلب الدولي وسراقب. وفي 30 نوفمبر سيطرت على حلب.

وسقطت حماة بالكامل في 5 ديسمبر. وفي السابع من ديسمبر سيطرت الفصائل المعارضة المسلحة على مدينة درعا جنوب البلاد.

أعلنت هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع السيطرة على دمشق وإسقاط الأسد في الثامن من ديسمبر.

لا تفوت قراءة: سوريا بين الأمس واليوم: من منارة الثقافة إلى مسرح الصراعات

تعليقات
Loading...