الاقتصاد السوري بين الماضي والحاضر: من عهد بشار الأسد إلى تحديات المستقبل
وسط فرحة السوريين بسقوط بشار الأسد، تلوح في الأفق آمال انتعاش الاقتصاد السوري، لكنه يرزح تحت وطأة الحرب منذ 2011. بات الدولار الواحد يساوي 36 ألف ليرة سورية في حلب.
منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011، تعرض الاقتصاد السوري لضربات مدمرة شملت انهيار البنية التحتية، وتراجع القطاعات الإنتاجية، وانخفاض قيمة العملة المحلية بشكل غير مسبوق.
وفقدت سوريا معظم مواردها الأساسية مثل النفط والزراعة، وعانت من ارتفاع معدلات ضخمة للبطالة ووصل الفقر إلى مستويات كارثية.
في ظل التطورات السياسية الأخيرة داخل الأراضي السورية، بدأت تظهر بوادر أمل في عودة الانتعاش الاقتصادي مع مساعٍ دولية ومحلية لإعادة الإعمار وتحسين الأوضاع المعيشية.
وهذه الآمال تُغذيها دعوات لعودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم للمشاركة في إعادة بناء الوطن، رغم التحديات الأمنية والاقتصادية المستمرة.
ومع ذلك، ما تزال الأزمات الاقتصادية تضغط على كاهل السوريين، من ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص الموارد إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة.
لكن الأمل يكمن في قدرة السوريين على تجاوز المحن واستثمار أي فرصة لتحقيق الاستقرار والانتعاش.
هل ستشهد سوريا بداية جديدة: لا يوجد احتياطي نقدي!
لا توجد بيانات رسمية حديثة عن احتياطات النقد الأجنبي في سوريا، ما عدا المعلومات المتداولة عن الأعوام السابقة.
في عام 2010، كان احتياطي النقد الأجنبي في سوريا يبلغ حوالي 20 مليار دولار، مما يعكس حالة اقتصادية مستقرة نسبياً في ذلك الوقت.
ومع ذلك، وفقًا لتقديرات البنك الدولي لعام 2016، انخفض احتياطي النقد الأجنبي إلى مستوى لا يتجاوز 700 مليون دولار، مما يبرز حجم الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد السوري حاليًا.
انكماش الناتج المحلي في 2024
من المتوقع أن ينكمش إجمال الناتج المحلي بنسبة 1.5 في المئة خلال عام 2024، إضافة إلى التراجع الذي بلغ نحو 1.2 في المئة خلال العام الماضي.
التضخم في 2024
ومن المتوقع أن يبقى التضخم مرتفعاً في عام 2024 وربما سيتجاوز مستوى 100 في المئة بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة.
الفقر في سوريا
وأشار تقرير البنك الدولي إلى أنه في عام 2022، طاول الفقر نحو 69% من السكان في سوريا، أي حوالي 14.5 مليون سوري.
كما بلغ معدل الفقر المدقع حوالي 27%، مما يعكس التدهور الكبير في الظروف المعيشية وارتفاع نسبة الفقر بشكل غير مسبوق في البلاد.
قبل ثورة سوريا: الليرة Vs الدولار
تأثرت الليرة السورية بشكل كبير نتيجة الحرب والعقوبات الاقتصادية، حيث انخفضت قيمتها بشكل تدريجي.
في عام 2010، كانت قيمة الدولار الأمريكي تتراوح بين 50-55 ليرة سورية، ولكن مع بداية 2016، ارتفعت قيمة الدولار إلى أكثر من 500-600 ليرة سورية.
13 عاما من ثورة سوريا: الليرة Vs الدولار
في عام 2023، تخطت الليرة حاجز الـ 5000 ليرة للدولار، ووصلت إلى 6650، أي انخفاض بنسبة 47%، مما أدى إلى تضخم جامح وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.
وفي مطلع العام 2024، فقد تجاوزت الليرة حاجز الـ 10,000 ليرة لتصل إلى 16 ألف عند الشراء و17 ألف عند البيع.
منذ يوم 26 نوفمبر حتى الآن، خسرت العملة السورية قرابة 50.1%، حيث تحرك سعر الدولار من 14.650 ليرة إلى 22.000 بالسوق السوداء في دمشق
وفي المقابل، ارتفع الدولار في حلب نحو أكثر من 130%، إذ تحرك من مستويات 15.600 إلى مستويات 36.000 ليرة، لتواصل العملة هبوطها.
ماذا عن الأسعار الآن في سوريا؟
وصل سعر لتر الزيت للقلي في اللاذقية إلى 50 ألف ليرة، وكيلو السكر 20 ألف ليرة، وكيلو البرغل 22 ألفا.
قال برنامج الأغذية العالمي، إن حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف سكان سوريا، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
كم تبلغ كلفة إعادة إعمار سوريا؟
في تقرير صادر عن البنك الدولي العام الماضي، تم تقييم الأضرار في سوريا حتى يناير 2022، حيث تراوحت التقديرات بين 8.7 إلى 11.4 مليار دولار للمدن والقطاعات التي شملها التقييم، مثل البنية التحتية الرئيسية، والقطاعات الاجتماعية، والبيئة، والمؤسسات العامة.
من إجمالي تقديرات الأضرار، شكلت قطاعات البنية التحتية المادية 68%، أو ما بين 5.8 إلى 7.8 مليارات دولار.
لكن لا يوجد إحصاء دقيق لكلفة إعادة الإعمار في البلاد، لأن عملية حصر الخسائر تتطلب دراسة تفصيلية للواقع على الأرض، تشمل تحديد حجم ومدى الخسائر، مما يساهم في تفاوت التقديرات بشكل كبير.
في عام 2018، صرح مسؤول أممي بأن سوريا بحاجة إلى حوالي 300 مليار دولار لإعادة الإعمار، بينما في ديسمبر 2021، قدر المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف الكلفة بنحو 800 مليار دولار.
من جانب آخر، قدر الأمين العام لجامعة الدول العربية تكلفة إعادة الإعمار بنحو 900 مليار دولار، مما يبرز حجم التحديات التي تواجه سوريا في مسار إعادة البناء.
السنوات الأولي لحكم بشار الأسد: ماذا عن الاقتصاد؟
خلال السنوات الأولى من حكم بشار الأسد (2000-2010)، حاولت الحكومة تبني سياسات ليبرالية جزئية لتحديث الاقتصاد السوري.
رغم تحقيق نسبة نمو اقتصادي بلغت حوالي 5% سنويًا، إلا أن هذا النمو كان غير مستدام، لاعتماده الكبير على قطاع النفط، الذي ساهم بحوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010.
في المقابل، واجه الاقتصاد تحديات هيكلية، حيث قُدرت معدلات البطالة بنحو 10%، بينما وصلت نسبة الفقر إلى حوالي 30% من السكان.
شهدت الليرة السورية استقرارًا نسبيًا خلال تلك الفترة، إذ تراوحت قيمتها بين 45 و50 ليرة مقابل الدولار الأمريكي.
ومع ذلك، تفاقم التفاوت الطبقي بشكل ملحوظ، حيث استفاد المقربون من النظام بشكل أكبر من السياسات الاقتصادية، مما أدى إلى تعميق الهوة بين الطبقات الاجتماعية.
اقتصاد سوريا ما قبل الثورة
بحلول عام 2010، بلغ الناتج المحلي الإجمالي السوري حوالي 60 مليار دولار، وفقًا لبيانات البنك الدولي، مقارنة بـ 18 مليار دولار في عام 2000.
في عام 2011، وصل الاقتصاد السوري إلى ذروته عند 67.5 مليار دولار، مما يعكس فترة من النمو النسبي قبل اندلاع الأزمة السياسية والاقتصادية.
الأزمة السورية وتأثيرها على الاقتصاد
في عام 2011، اندلعت الاحتجاجات الشعبية التي تحولت إلى حرب أهلية أدت إلى تدمير البنية التحتية للبلاد وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل غير مسبوق.
دخل الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في مرحلة ركود مستمر من عام 2011 حتى 2013، حيث سجل معدلات نمو بنسبة 3% و18% و15% على التوالي.
بلغ معدل الركود السنوي خلال هذه الفترة حوالي 16.5%، مما ساهم في تراجع الاقتصاد بشكل كبير.
وصل الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى مستوياته في عام 2012، مسجلًا انكماشًا بنسبة -18%، بينما انخفض حجم الناتج في عام 2013 إلى 994 مليار ليرة سورية، ما يعادل 4.8 مليارات دولار.
وأظهرت الإحصاءات الرسمية انكماش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 54% بين عامي 2010 و2021.
في عام 2010، كان إنتاج النفط السوري حوالي 385 ألف برميل يوميًا، إلا أن هذا الرقم انخفض بنسبة 96% في عام 2014 ليصل إلى أقل من 14 ألف برميل يوميًا.
وانخفض دون 25,000 برميل يومياً مطلع عام 2015، بينما بلغ متوسط الإنتاج حوالي 91,000 برميل يوميًا في عام 2023.
انهيار التجارة في سوريا
قبل بداية الثورة بعام، بلغت الصادرات 12 مليار دولار في 2010. وكان يمثل النفط 35% من إجمالي الصادرات. ولكن، بحلول العام 2023 وصلت الصادرات إلى أقل من مليار دولار بسبب تدمير البنية التحتية.
الوضع الحالي في سوريا
في السنوات الأخيرة، استفادت الحكومة السورية من الدعم الاقتصادي والسياسي من حلفائها مثل روسيا وإيران، إلا أن الاقتصاد ظل في حالة ركود شديد.
تقدر تقارير البنك الدولي أن الاقتصاد السوري تكبد خسائر تجاوزت 400 مليار دولار حتى عام 2021، مما يعكس حجم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبلاد.
ولا تزال سوريا تواجه تحديات هائلة في إعادة بناء اقتصادها وتحديث مواردها، في ظل استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية وانعدام الاستقرار.