العلاقات الجزائرية الفرنسية: عودة إلى نقطة الصفر بعد ترحيل مؤثر جزائري

علاقات الجزائر وفرنسا، تاريخ مليء بالتقلبات والتوترات التي لا تستقر على حال. على الرغم من محاولات التقارب والتصالح، إلا أن الملفات الخلافية تعود بين الحين والآخر لتتصدر المشهد، كما حدث مؤخراً.

الأزمة الأخيرة تفجرت بعد حملة شنتها السلطات الفرنسية ضد مؤثرين جزائريين يقيمون على أراضيها، بتهم التحريض على العنف ضد معارضين في الجزائر وفرنسا.

لكن الأوضاع تصاعدت بشكل أكبر بعد قرار باريس بترحيل المؤثر الجزائري بوعلام نعمان، الذي بلغ من العمر 59 عامًا، إلى الجزائر.

الجزائر رفضت استقباله، معتبرة إياه “طردًا تعسفيًا”، ما أثار مزيدًا من التوتر بين البلدين. فهل سيستمر هذا النزاع أم ستُفتح أبواب التسوية في المستقبل القريب؟

المؤثر الجزائري الذي رحلته فرنسا ورفضت سلطات بلاده تسلمه

تبادل التصريحات النارية بين الجزائر وفرنسا بعد ترحيل المؤثر الجزائري

بعد قرار فرنسا بترحيل المؤثر الجزائري بوعلام نعمان، تصاعدت التوترات بين البلدين، وأصبحت التصريحات المتبادلة نارية.

وصف وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو موقف الجزائر برفض استقبال نعمان بأنه محاولة لـ”إذلال فرنسا”.

وأكد ريتايو أن بلاده “لن يكون لديها خيار سوى الرد إذا استمر الجزائريون في هذا الموقف التصعيدي”.

الجزائر تنفي اتهامات فرنسا

من جانبها، الجزائر نفت ما وصفته بـ”ادعاءات اليمين المتطرف الفرنسي”، مشيرة إلى أن موقفها لا يتماشى مع التصعيد أو المزايدة.

وأكدت أنها “لم تنخرط بأي حال في منطق الإذلال”، بل أضافت أن اليمين المتطرف وأتباعه هم من يسعون لفرض ضغائنهم على العلاقات بين البلدين، محملين إياهم الوعيد والتهديد.

تصاعد التوترات وتوقعات المستقبل

التصريحات الحادة التي تبادلها الطرفان تثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية، التي تميزت في الآونة الأخيرة بالتقارب ثم التوتر، مما يثير المزيد من الشكوك حول إمكانية تسوية هذه الأزمة.

لا تفوّت قراءة: قال “سأشعل الشرق الأوسط” فاشتعلت لوس أنجلوس: كيف ربطت الشعوب بين تصريحات ترامب وغزة؟

العلاقات الجزائرية الفرنسية: تاريخ من الأزمات والشد والجذب

تعود جذور العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى فترة طويلة من الاستعمار والنزاع الدموي.

في 5 يوليو 1962، أعلنت الجزائر استقلالها بعد 132 عامًا من الاستعمار الفرنسي، عقب حرب تحرير دامية استمرت قرابة ثماني سنوات.

حرب التحرير الجزائرية: أرقام مأساوية

أسفرت الحرب عن مقتل نحو 500 ألف شخص من المدنيين والعسكريين، بينهم 400 ألف جزائري حسب تقديرات المؤرخين الفرنسيين، بينما تشير الأرقام الجزائرية إلى نحو 1.5 مليون ضحية.

هذا النزاع الدامي أسس لعلاقات متوترة بين البلدين، التي تواصلت لعدة عقود وشهدت فترات من الشد والجذب.

حتى بعد الاستقلال، ظل تأثير الاستعمار حاضراً في العلاقات بين الجزائر وفرنسا، مع العديد من الأزمات والخلافات التي لم تنتهِ.

ملف التجارب النووية: إرثٌ ثقيل من المعاناة

يعد ملف التجارب النووية من أخطر وأهم المخلفات التي خلفها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ويظل أحد أبرز الجروح التي لم تندمل في تاريخ العلاقات بين الجزائر وفرنسا.

موقع تنزروفت: وجهة النشاط النووي الفرنسي

في الستينيات، اختارت فرنسا منطقة تنزروفت في جنوب الجزائر كموقع لتنفيذ التجارب النووية، معتبرة إياها الأنسب لاستقبال هذا النشاط.

وفي عام 1960، قبل الاستقلال، بدأ الجيش الفرنسي أولى تجاربه النووية، حيث فجر قنبلة نووية تفوق قوتها أربع مرات القنبلة التي ألقتها واشنطن على هيروشيما اليابانية.

ضحايا التجارب النووية

تسببت تلك التجارب في معاناة مستمرة للسكان المحليين.

الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان قدرت عدد الأشخاص الذين تأثروا بالإشعاعات النووية بنحو 24 ألف شخص.

من بين هؤلاء، كان هناك 150 سجينًا جزائريًا أُخرجوا من سجن سيدي بلعباس ليتم استخدامها كـ”فئران تجارب”، حيث جرى ربطهم قرب مواقع التفجيرات لدراسة تأثير الإشعاعات على سلوكهم.

تداعيات مستمرة

لقد تركت هذه التجارب آثارًا سلبية على صحة السكان، وكانت سببًا رئيسيًا في ظهور العديد من الأمراض والمشاكل الصحية، مما يجعل هذا الملف من الملفات العالقة التي تسببت في توترات مستمرة بين الجزائر وفرنسا.

اختطاف مواطنين وذبحهم: تصعيد جديد في العلاقات الجزائرية الفرنسية

في سبتمبر 1993، شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية تصعيدًا جديدًا تمثل في اختطاف مواطنين فرنسيين من قبل الجماعات المسلحة في الجزائر.

جرى ذبحهما ليصبحا أول ضحيتين أجنبيتين في الجزائر منذ بداية الاشتباكات بين قوات الأمن الجزائرية والجماعات الإسلامية المسلحة في عام 1992.

طائرة إيرباص: عملية اختطاف هزت العالم

وفي ديسمبر 1994، وصلت الأوضاع إلى ذروتها عندما اختطف تنظيم “الجماعة الإسلامية المسلحة” طائرة إيرباص تابعة للخطوط الجوية الفرنسية أثناء وجودها على مدرج مطار الجزائر العاصمة.

كانت هذه العملية بمثابة رسالة قوية من الجماعات المسلحة ضد الدولة الجزائرية، مما زاد من التوترات بين الجزائر وفرنسا في تلك الفترة.

تداعيات الاختطاف على العلاقات الثنائية

ساهمت هذه الحوادث في تعميق الهوة بين البلدين، وزيّنت صفحة أخرى مظلمة في تاريخ العلاقات بين الجزائر وفرنسا، حيث كانت بمثابة نقطة تحول هامة في تعزيز العداء بين الدولتين في ظل التوترات الأمنية والسياسية القائمة.

بداية تدهور العلاقات الجزائرية الفرنسية: بين التقارب والاحتقان

في يونيو 2000، شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية مرحلة جديدة من التقارب عندما قام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بزيارة دولة فرنسا.

كانت الزيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بعد سنوات من الفتور بين البلدين.

وفي مارس 2003، وقع الرئيس الفرنسي جاك شيراك مع بوتفليقة في الجزائر العاصمة “إعلان الجزائر”، الذي نص على “شراكة استثنائية” بين البلدين.

وشدد على أهمية تجاوز “الماضي المؤلم” للعلاقات الجزائرية الفرنسية، في إشارة إلى حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر.

أزمة قانون “الدور الإيجابي للاستعمار”: نقطة تحول سلبية

إلا أن إصدار قانون في فبراير 2005 في فرنسا حول “الدور الإيجابي للاستعمار” كان بمثابة الشرارة التي أشعلت التوتر بين البلدين.

اعتبرته الجزائر بمثابة إهانة لشعبها وتاريخها، ما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ.

هذا القانون فتح جبهة جديدة من الخلافات والتصعيد الدبلوماسي، مما أثر سلبًا على العلاقات بين الجزائر وباريس.

توتر الصحراء الغربية: موقف فرنسا والحسابات السياسية

في نهاية يوليو من العام الماضي، سلطت الصحافة الفرنسية الضوء على الصحراء الغربية باعتبارها أحد أبرز الملفات الخلافية بين الجزائر وفرنسا.

وجاء ذلك بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تأييده لـ الحل المغربي في النزاع حول الصحراء الغربية، الذي يتمثل في خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب.

هذا الموقف الفرنسي كان له تأثير كبير على العلاقات الجزائرية الفرنسية، حيث اعتبرته الجزائر خطوة مخيبة للآمال وأدى إلى تفاقم التوترات.

أضعف هذا التأييد من موقف الجزائر في الدفاع عن قضيتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، مما جعلها تجد صعوبة في الضغط على المجتمع الدولي لدعم موقفها في الصحراء الغربية.

لا تفوّت قراءة: سيناريوهات الحرب بين إسرائيل والحوثيين: هل يتفاقم الصراع في اليمن؟

هروب الناشطة الجزائرية أميرة بوراوي المطلوبة قضائيًا إلى فرنسا

قضية هروب الناشطة الجزائرية أميرة بوراوي: توتر دبلوماسي جديد

في 2023، تصاعدت التوترات بين الجزائر و فرنسا إثر حادثة هروب الناشطة الحقوقية الجزائرية أميرة بوراوي.

ذكرت وسائل إعلام جزائرية وفرنسية أن بوراوي عبرت الحدود إلى تونس بشكل غير قانوني، بعد تمكنها من التهرب من المراقبة القضائية الجزائرية.

وأثارت الواقعة جدلاً كبيراً، حيث اتهمت الجزائر فرنسا بتدبير هروب الناشطة، معتبرة أن ذلك يعد “انتهاكاً للسيادة الجزائرية”.

كما أشارت إلى تورط دبلوماسيين فرنسيين في عملية “تهريب سري”، وهو ما أدى إلى استدعاء الجزائر لسفيرها في باريس احتجاجاً على هذا التصرف.

فرنسا: تشديد شروط منح التأشيرات للمواطنين الجزائريين

في سبتمبر 2021، استدعى الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي في الجزائر للاحتجاج رسميًا على قرار فرنسا بشأن تشديد شروط منح التأشيرات للمواطنين الجزائريين.

ووفقًا لبيان وزارة الخارجية الجزائرية، اعتُبر هذا القرار بمثابة إجراء أحادي أثر سلبًا على جودة وسلاسة حركة الجزائريين، حيث شددت فرنسا شروط منح التأشيرات لمواطني الجزائر و المغرب و تونس.

وجاء هذا التوتر بعد رفض هذه الدول إصدار تصاريح قنصلية لاستعادة مواطنيها المقيمين في فرنسا بشكل غير قانوني، مما أدى إلى زيادة حدة العلاقة بين البلدين.

هجوم شديد اللهجة على فرنسا: الجزائر لن تغفر

في أحد المؤتمرات الصحفية، شن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون هجومًا شديد اللهجة على فرنسا، واصفًا تاريخها الاستعماري في الجزائر بالتدميري.

وخاطب قادة فرنسا، قائلا: “اعترفوا بجرائمكم إذا كنتم صادقين”، مؤكدًا أن الجزائر لن تغفر ولن تنسى هذه الجرائم.

واستند تبون في هجومه إلى الجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها فرنسا، مستعرضًا بعضًا من أبرز الانتهاكات مثل قصف قبيلة بن شورة بالغاز، ووضع الناس في أكياس، إضافة إلى المجازر التي وقعت في منطقة الزعاطشة.

كما أشار إلى المجازر الجماعية، وعلى رأسها أحداث مايو 1945 التي أودت بحياة أكثر من 45 ألف جزائري في شهر واحد فقط، إلى جانب الجرائم الوحشية الأخرى التي نفذها الاستعمار الفرنسي، مثل الخنق بالدخان و قطع رؤوس الشهداء.

ورغم هذه الأزمات العميقة، شهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا فترات من الهدوء، مع زيارات ودية ومكالمات بين المسؤولين، وإعادة سفراء، إلا أن هذه الفترات الهادئة سرعان ما كانت تعود إلى نقطة الصفر، خاصة بعد ترحيل المؤثر الجزائري مؤخرًا، مما أثار مجددًا التوترات بين البلدين.

لا تفوّت قراءة: 10 محاور ترسم خريطة حزب الجبهة الوطنية الجديد: كيف سيغير المشهد السياسي في مصر؟

تعليقات
Loading...