الصحراء الغربية: ماذا نعرف عن أطول النزاعات في أفريقيا بين المغرب والجزائر؟
تعتبر أزمة الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر، واحدة من أطول الصراعات السياسية والإنسانية في العالم، حيث تعود جذورها إلى فترة الاستعمار الإسباني الذي استمر لأكثر من 90 عامًا.
ورغم مغادرة قوات مدريد المنطقة، فإنها تركت خلفها نزاعًا مستمرًا لم يُحل حتى اليوم، ما أدى إلى توترات متواصلة في العلاقات بين المغرب والجزائر حتى وقتنا هذا.
ماذا نعرف عن الصحراء الغربية؟
الصحراء الغربية، منطقة تقع في شمال أفريقيا، تتميز بموقع استراتيجي يحدها من الشمال المغرب، ومن الشرق الجزائر، ومن الجنوب موريتانيا، بينما تطل من الغرب على المحيط الأطلسي.
رغم مساحتها الواسعة، تعاني من كثافة سكانية منخفضة، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 567 ألف نسمة.
وتعد المنطقة غنية بالموارد الطبيعية، فهي تحتوي على بعض من أغنى مناطق الصيد البحري في العالم، إلى جانب احتياطيات هائلة من الفوسفات.
ويُعتقد أيضًا أن السواحل البحرية للصحراء الغربية تخفي مخزونات نفطية كبيرة لم يجرى استغلالها بعد.
متى بدأ النزاع بين المغرب والجزائر؟
بدأ النزاع في الصحراء الغربية عام 1975، عندما وقعت إسبانيا، قبل انسحابها من المنطقة، اتفاقية مدريد مع كل من المغرب وموريتانيا، والتي بموجبها اقتسم البلدان الصحراء الغربية.
ومع ذلك، رفض الصحراويون، الذين أسسوا جبهة البوليساريو، هذه الاتفاقية وأصروا على حقهم في الانفصال عن الدولتين.
وفي المقابل، توجهت كل من المغرب وموريتانيا إلى محكمة العدل الدولية للحصول على حكم بشأن الوضع القانوني للصحراء الغربية.
في نوفمبر 1975، أعلن المغرب تنظيم “المسيرة الخضراء” التي شهدت تدفق مئات الآلاف من المغاربة باتجاه الصحراء.
ومن جانب آخر، وفي يناير 1976، جرى الإعلان عن قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” (التي دعمتها الجزائر)، مما زاد من تعقيد الصراع.
ومع بداية الثمانينيات، اتخذ المغرب خطوات لتأمين المناطق التي يسيطر عليها، حيث بنى جدارًا رمليًا حول مدن السمارة والعيون، بهدف التصدي لهجمات جبهة البوليساريو وتأمين المناطق الموالية له.
ماذا نعرف عن جبهة البوليسارو؟
تأسست جبهة البوليساريو في 20 مايو 1973 بهدف إقامة دولة مستقلة في منطقة الصحراء الغربية.
وانطلقت أنشطتها العسكرية ضد الاستعمار الإسباني الذي كان يسيطر على المنطقة آنذاك، وحظيت بدعم قوي من ليبيا والجزائر، ما مكّنها من تكوين قاعدة إقليمية قوية.
في يناير 1976، أعلنت الجبهة قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” ككيان سياسي يمثل الصحراويين، ما أثار جدلًا دوليًا واسعًا.
وتلقت هذه الجمهورية اعترافًا رسميًا من عدة دول حول العالم، بما في ذلك الجزائر وفنزويلا وفيتنام ونيجيريا وأوغندا والمكسيك وغانا وأنغولا وبنما.
الهند كانت واحدة من الدول التي اعترفت بالجمهورية الصحراوية، حيث سمحت بفتح سفارة لها في نيودلهي عام 1985.
ومع ذلك، قامت الهند بسحب اعترافها في عام 2000، في خطوة تعكس التحولات السياسية والدبلوماسية في موقفها من القضية.
هل من حلول مطروحة لفض النزاع ؟
في عام 1988، قدمت الأمم المتحدة مجموعة من الحلول لإنهاء النزاع في الصحراء الغربية، وكان من أبرزها اقتراح إجراء استفتاء لتقرير مصير المنطقة.
ورغم الآمال الكبيرة التي رافقت هذا المقترح، إلا أن العملية تعطلت بسبب التعقيدات السياسية والخلافات حول آليات التنفيذ.
وفي عام 1991، أحرزت الجهود الدولية تقدمًا مهمًا عندما وقّعت المملكة المغربية وجبهة البوليساريو اتفاقًا لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.
ونص الاتفاق على تنظيم استفتاء شعبي لتقرير المصير خلال ستة أشهر من توقيع الاتفاق.
لكن منذ ذلك الحين، تأجل الاستفتاء مرارًا وتكرارًا نتيجة الخلافات الجوهرية بين الطرفين، وخاصة بشأن تحديد هوية من يحق له التصويت.
وأثارت هذه الإشكالية تعقيدات قانونية وسياسية، لتصبح العقبة الرئيسية أمام تنفيذ الحل المقترح، مما أبقى النزاع في حالة جمود لعقود.
المغرب يسيطر على 80% من أراضي الإقليم
في الوقت الراهن، يصر المغرب، الذي يسيطر على 80% من أراضي الإقليم، على أن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من أراضيه.
ويؤكد المغرب استعداده لمنح الإقليم حكمًا ذاتيًا موسعًا، بشرط أن يبقى تحت السيادة المغربية.
ويعتبر هذا المقترح الأساس الذي يعتمده المغرب في أي مفاوضات مستقبلية.
في المقابل، تتمسك جبهة البوليساريو بموقفها، مدعومة من الجزائر، وتصر على ضرورة إجراء استفتاء لتقرير مصير سكان الصحراء الغربية، معتبرة ذلك الخيار الوحيد لتحقيق تطلعات الشعب الصحراوي.
وتشهد المنطقة حالة من الجمود، حيث جرى إنشاء منطقة عازلة تمتد على طول الحدود بين الجزء الذي تديره المملكة المغربية والجزء الذي تسيطر عليه البوليساريو.
وتتولى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، المعروفة باسم “المينورسو”، مسؤولية تأمين هذه المنطقة والإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي عام 2024، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعم بلاده لمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، واصفًا إياه بأنه “الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي” للنزاع.
ويعكس هذا التصريح تحوّلًا في المواقف الدولية تجاه القضية، ويعزز مساعي المغرب لحشد دعم أوسع لمبادرته.