ما وراء سقوط بشار الأسد: إسرائيل تسيطر على جبل الشيخ بعد 51 عاما من حرب أكتوبر

بعد ساعات من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، أعلنت إسرائيل الاستيلاء على جبل الشيخ، الذي كان تحت سيطرة سوريا منذ حرب أكتوبر 1973.

جاء ذلك على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أعلن انهيار اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل بعد مرور 51 عاما عليها واحتلال جبل الشيخ.

وبررت إسرائيل ذلك لإقامة منطقة عازمة تحت سيطرتها وإعادة رسم ملامح الوضع الحدودي بعد أن استولت المعارضة المسلحة السورية على الأراضي وسقوط بشار الأسد.

اتفاقية فض الاشتباك وقعت بين سوريا وإسرائيل في جنيف عام 1974. ونصت الاتفاقية على وجود قوة دولية للمراقبة في جبل الشيخ لضمان الهدوء.

وفي أعقاب هذا القرار، وجهت السلطات الإسرائيلية تحذيرات عاجلة لسكان خمس بلدات حدودية سورية، تشمل أوفانية، القنيطرة، الحميدية، الصمدانية الغربية، والقحطانية، بعدم مغادرة منازلهم حتى إشعار آخر.

في ضوء هذا التصعيد، تواجه المنطقة تساؤلات حول تبريرات إسرائيل لهذه الخطوة ومآلات الوضع على الأرض، وسط مخاوف من تداعيات قد تعيد توتر الأجواء.

مشاهد من توغل إسرائيل لقمة جبل الشيخ

كيف بررت إسرائيل احتلالها لمنطقة جبل الشيخ؟

@aljazeera_mubasher

سوريون يوثقون وجود دبابات إسرائيلية بالقنيطرة بعد إعلان تل أبيب اقتحام المنطقة الجزيرة_مباشر سوريا

♬ الصوت الأصلي – الجزيرة مباشر – الجزيرة مباشر

أكد الجيش الإسرائيلي أن تل أبيب لا تتدخل في الأحداث الداخلية بسوريا، لكنها بررت السيطرة على المنطقة العازلة بالجولان ومنطقة جبل الشيخ بـ”ضمان أمن سكان إسرائيل”.

وأشار مصدر عسكري إسرائيلي إلى أن هذه السيطرة مؤقتة، وتهدف لمواجهة ما وصفه بـ”تهديد المليشيات”، مؤكداً أن الوضع يخضع لمراجعة مستمرة.

من جانبه، صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن “اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 قد انهارت، بعد أن تخلى الجنود السوريون عن مواقعهم في المنطقة العازلة”.

بدوره، أوضح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، أن القوات البرية تواجه معارك على أربع جبهات، تشمل الضفة الغربية وغزة ولبنان، إلى جانب نشر قوات داخل سوريا ليلة أمس.

في ظل هذه التصريحات، تزداد التساؤلات حول الأهداف الإسرائيلية الحقيقية، وسط تصاعد التوتر الإقليمي واحتمال تغييرات جذرية في خارطة النفوذ.

ماذا نعرف عن اتفاقية فض الاشتباك؟

في عام 1967، خلال حرب الأيام الستة، احتلت إسرائيل جبل الشيخ إلى جانب مناطق أخرى في سوريا وفلسطين، ما جعل المنطقة موضع نزاع طويل الأمد.

خريطة لهضبة الجولان وجبل الشيخ

الاتفاقية شددت على ضرورة التزام الطرفين بوقف إطلاق النار برًا وبحرًا وجوًا، مع الامتناع عن أي أعمال عسكرية متبادلة.

هذه البنود جاءت تطبيقًا لقرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 22 أكتوبر 1973، الذي دعا إلى إنهاء العمليات العسكرية بين الجانبين.

كما نص الاتفاق على فصل القوات العسكرية الإسرائيلية والسورية وفقًا لمبادئ محددة تضمن تقليل التوترات في المنطقة.

متى بدأ الصراع على جبل الشيخ؟

حرب 1948 “النكبة”

خلال حرب 1948، حاولت القوات الإسرائيلية السيطرة على منطقة جبل الشيخ، إلا أن الحدود ظلت تحت سيطرة سوريا ولبنان في تلك المرحلة.

حرب 1967 “النكسة”

في يونيو 1967، احتلت إسرائيل هضبة الجولان، بما في ذلك أجزاء من سفوح جبل الشيخ. بعد الحرب، أقامت مراصد عسكرية على الجبل للاستفادة من موقعه الاستراتيجي لمراقبة التحركات السورية.

حرب 1973 “حرب أكتوبر”

شهد جبل الشيخ معارك شرسة بين القوات السورية والإسرائيلية. في بداية الحرب، سيطرت القوات السورية على قمة الجبل، لكن إسرائيل استعادت السيطرة لاحقًا. وبرزت المعركة باسم “معركة العيون” نظرًا لأهمية مواقع الرصد والمراقبة هناك.

ما بعد 1973

احتفظت إسرائيل بالأجزاء التي احتلتها من جبل الشيخ، معتبرة إياها جزءًا من هضبة الجولان المحتلة. كما أقامت منتجعات للتزلج لتعزيز وجودها المدني في المنطقة.

الوضع الحالي

تعتبر سوريا جبل الشيخ وهضبة الجولان أراضٍ سورية محتلة، وتطالب باستعادتها بناءً على قرارات الأمم المتحدة.

ما أهميته الاستراتيجية؟

يُستخدم الجبل كنقطة مراقبة رئيسية ضمن جهود حفظ السلام الدولية، حيث توجد قوات الأمم المتحدة “UNDOF” للإشراف على وقف إطلاق النار بين الجانبين.

جبل الشيخ.. كنز اسراتيجي لإسرائيل

إلى جانب كونه رمزًا للنضال العربي ومخزنًا للذكريات الوطنية والتاريخية للسوريين، يمثل جبل الشيخ أملًا استراتيجيًا للإسرائيليين.

يحد الجبل من الشرق والجنوب منطقة وادي العجم وإقليم البلان وقرى الريف الغربي لدمشق وهضبة الجولان، بينما يحده من الشمال والغرب سهل البقاع ووادي التيم في لبنان.

يمتاز جبل الشيخ بموقع استراتيجي فريد، إذ يطل على أربع دول عربية هي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، مما يجعله نقطة مراقبة محورية لإسرائيل.

يوفر الجبل لإسرائيل ميزة استراتيجية لمراقبة التحركات السورية، إضافة إلى كونه حاجزًا طبيعيًا يعزز دفاعاتها ضد أي تحرك عسكري سوري محتمل.

بفضل تضاريسه، يتيح الجبل القيام بمراقبة دقيقة لعشرات الكيلومترات، وحجب الرؤية الرادارية، وإخفاء القوات، ما يجعل هجومًا مفاجئًا ممكنًا.

لهذا، يبقى جبل الشيخ الأهم بالنسبة لإسرائيل بين قمم هضبة الجولان المحتلة، لما يوفره من مزايا عسكرية واستراتيجية حاسمة.

هل ستتوسع إسرائيل على حساب سوريا؟

رغم إعلان إسرائيل أن وجودها في جبل الشيخ مؤقت ويهدف إلى تأمين مستوطناتها، يرى نضال كناعنة، محرر الشؤون الإسرائيلية، أن التاريخ يكشف خلاف ذلك.

أكد كناعنة في حوار صحفي أن إسرائيل اعتادت تحويل الخطوات المؤقتة إلى دائمة، مشيرًا إلى أن السيطرة على جبل الشيخ تمثل “إنجازًا استراتيجيًا مجانيًا”.

تمتد المنطقة العازلة التي سيطرت عليها إسرائيل على مساحة 235 كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل 60% من مساحة قطاع غزة، وفقًا للتقديرات.

ويرجح المحلل أن إسرائيل قد لا تكتفي بالمنطقة العازلة، بل تسعى لتوسيع نفوذها إلى مناطق أعمق داخل سوريا إذا كشفت عن نقاط ضعف أمنية في المناطق المحاذية.

في ظل سقوط نظام الأسد، يرى المحللون أن إسرائيل أمام فرصة استراتيجية نادرة لتعزيز نفوذها الإقليمي. يبقى التساؤل: إلى أي مدى ستستغل هذه الفرصة؟

لا تفوت قراءة: سوريا بين الأمس واليوم: من منارة الثقافة إلى مسرح الصراعات

تعليقات
Loading...