معجب متيم يسأل: ليه عشقت أغاني محمد عبدالمطلب بالشكل ده؟
ارتبطت فرحة رمضان في وعينا الجمعي بأغنية “رمضان جانا وفرحنا به.. بعد غيابه.. أهلًا رمضان”، وناس كتير ماتعرفش المطرب الأصلي اللي غناها بعد ما اتغنت بأصوات كتير.
النهارده، 21 أغسطس، بيوافق ذكرى وفاة المطرب اللي صنع مدرسة جديدة في المزيكا العربية، وأخد عن جدارة لقب صوت الحارة المصرية وبقى أيقونة خالدة في الأغنية الشعبية. إنه محمد عبدالمطلب عبدالعزيز الأحمر، واللي نعرفه باسمه الفني “محمد عبدالمطلب” وبندلعه ونقوله “طِلب”.
في كتابه “محمد عبدالمطلب: سلطان الغناء” بيقول الباحث محب جميل إن حياة عبدالمطلب الفنية اتسطرت خلال حياته مرتين؛ المرة الأولى كانت بقلم الكاتب محمد السيد شوشة سنة 1956، أما التانية فكانت بقلم سليم اللوزي سنة 1962. من خلال كتابات الاتنين دول، بالإضافة للي كتبه محب جميل، نقدر نرسم صورة واضحة إلى حدٍ ما عن رحلة عبدالمطلب الفنية، ونقدر نحدد التحولات اللي ساهمت في تبلور سياقاتها الموسيقية.
إيه اللي منح أغاني محمد عبدالمطلب القدرة البديعة على سحر المتلقي بالشكل ده؟
لو حاولت أحلل العناصر الفنية في أغاني طِلب، كمعجب ممكن يتجرأ ويوصف نفسه بإنه ذواقة، مش ناقد فني، هقول إن جزء من سحره الفني جاي من ثقته في نفسه، وفي الطريقة اللي بيقف بيها على المسرح، وحركة إيديه، وقوة حنجرته واتساع طبقة صوته، وحتى البروزات العالية اللي بتسمعها في غناءه من وقت للتاني. كل العناصر دي هي سر تجربته الموسيقية المتفردة.. تجربة بتشكل تيار موسيقي انسيابي جميل بيوصل لودنك بمزيج من فخامة شعبية أصيلة.
في النهاية يظل السر الحقيقي وراء سحر طِلب خفيًا، سر تحسه لكن ماتقدرش تلمسه كفكرة مادية واضحة زيّ ما بيقول الشاعر أنسي الحاج عن أسطورة الموسيقى اللبنانية فيروز: “في صوتها ذلك “الشيء الأكثر” الذي لا يفسَّر”، الجمال أحيانًا يظل عصي عن محاولات التفسير.
منح طِلب الموال نكهة مختلفة عن كل اللي سبقوه، واتضحت النكهة دي في الطريقة اللي كان بينطق بيها الحروف والوقفات بين الجمل، وقدر يشكّل بالطريقة دي مدرسة فنية جديدة في الوطن العربي، مدرسة قلدها كتير بعده. وفي السياق ده بيقول محب جميل: “أظن أن عبد المطلب استطاع خلال رحلته في الفن أن يصبح أحد أبرز علامته في مصر والعالم العربي خلال القرن العشرين.. هناك جيل كامل من المطربين بدأ بتقليده”.
من مسجد القرية للإذاعة والتلفزيون: محاولة أخيرة للإيضاح
أتولد محمد عبدالمطلب في قرية شبراخيت في البحيرة، وفي جدل حوالين ميلاده؛ في كتاب “السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة” بيقول فيكتور سحاب إنه اتولد سنة 1904، أما صحيفة الأهرام المصرية بتأكد إن ميلاده كان سنة 1910.
مادخلش طِلب المدرسة، والتحق مع أطفال قريته بالكٌتاب، وحفظ فيه القرآن الكريم، وكان بيحب يغني طول الوقت في الغيطان وشوارع القرية اللي عرفت عنه جمال الصوت، فشجعه أهله يؤذن الفجر في جامع القرية، وفي السياق ده قالت واحدة من بناته: “الآذان ساعد والدي على أن يوسع طبقات صوته”.
اتعرف على الموسيقى منذ نعومة أظافره، فكان بيسمع أسطوانات كبار الموسيقيين العرب من خلال الجراموفون الموجود في قهوة قريته، واللي كانت كبار العائلات فيها بتستضيف في أفراحها مطربين كُبار زيّ منيرة المهدية وعبداللطيف البنا وعبد الحي حلمي وصالح عبد الحي، وفي بيئة اتوفرت فيها لطِلب الموسيقى مسجلة وحية بدأ الطرب يسيطر على عقله وقلبه.
ماكانش أبوه، التاجر البسيط، موافق على رغبة ابنه اللي ماكملش 15 سنة في امتهان الطرب، وعلشان كده سافر طِلب للقاهرة بخدعة أقنع فيها أبوه إنه مسافر مع أخوه محمد لبيب (كل أخواته كانت اسمائهم مركبة تبدأ بـ محمد) علشان يدرس، وهناك أقنع لبيب الموسيقار المصري داوود حسني إنه يضم أخوه لتخته ويتحول لأستاذه الأول في الموسيقى، وبعدها انضم لأفراد الكورس ورا موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب اللي بقى أستاذه التاني.
استعجل طِلب الشهرة وقرر يقدم أول حفلاته على مسرح الأزبكية، ولكنها فشلت بشكل سبب له ألم كبير، وخلاه يشتغل في كازينو بديعة مصابني، في شارع عماد الدين، ورغم إن دي ماكانتش رغبته خالص، إلا إنه اتعلم هناك دروس جديدة في الفن من العظماء اللي اشتغل معاهم.
بالتالي اتشكلت في الفترة دي عناصر جديدة في شخصية طِلب الفنية لحد ما اشتغل في إذاعة القدس في فلسطين، وقدر بمساعدة أستاذه التاني “عبدالوهاب” يسجل 6 أسطوانات مع شركة “بيضافون”، نجحت منهم واحدة منحته الشهرة وعشق الجمهور، هي أسطونة “بتسأليني بحبك ليه”.
الأغنية التانية اللي شكلت اسم طِلب في سماء الفن بحروف من ذهب هي “ساكن في حي السيدة”، لها قصة طريفة؛ كان محمد فوزي اللي لحنها مخطط يغنيها بنفسه، ولكن خلال البروفات أقنعه أولاده إنها مش مناسبة لصوته وإن عبدالمطلب هو الاختيار الأفضل لها، وبالتالي منحها فوزي لطِلب علشان تتحول لأكتر أغنية شعبية وجماهيرية في مشواره الفني.
وفاة طِلب: ودع هواك وانساه وانساني.. عمر اللى راح ما هيرجع تاني
في سنة 1979 عاش طِلب واحدة من أقسى الصدمات اللي ممكن يعيشها إنسان، واللي كانت سبب في انسحابه من الحياة، وانتهت بموته بأزمة قلبية سنة 1980. وفي السياق ده، بيقول ابنه نور عبدالمطلب: “أختي انتصار أو توتو زيّ ما كنا بندلعها.. كانت حبيبة أبوها واتوفت فجأة فى بداية العشرينات من عمرها بسبب حبوب التخسيس اللي كانت بتاخدها باستمرار، وده حصل قبل ميعاد فرحها بأسبوع، وبقيت الجرح الدامي اللي ماتحملوش قلب “طِلب” فـتوفى بعدها بشهور”.
زيّ ما قال طِلب في أغنيته الجميلة “ودع هواك وانساه وانساني.. عمر اللى راح ما هيرجع تاني”، عمر الفن اللي راح مع طِلب ما هـيرجع تاني، ولا حد هـيجي زيّه تاني، ولا يقدر حد ماهما حاول يقلده يوصل للتفرد الفني اللي ميزه وخلاه عن جدارة صوت الحارة المصرية وأيقونة الأغنية الشعبية في الوطن العربي.