مش مجرد جُمل: أصل وفصل الأمثال الشعبية المشهورة في الوطن العربي
الأمثال الشعبية ليست مجرد كلمات أو جُمل نرددها، لكنها عبارات لها أصل وتاريخ، بعضها يرتبط ظهورها بمصر، والبعض الآخر يرتبط بدول عربية أخرى، وفي الغالب يكون المثل الشعبي نتاج ثقافة وخبرات الأجداد، ويتوارثها جيل بعد جيل، لكن للأسف، كثير منا لا يعرف أصل كل مثل شعبي والمناسبة التي قيل فيها.
رجعت حليمة لعادتها القديمة
يُضرب هذا المثل في الشخص الذي لا يستطيع العدول عن عادته القديمة مُطلقًا، فمثلما قالوا إن “الطبع غلاب” أصبح هذا المثل أيضا دليلًا على أن الشخص لن يتغيّر بشكل كامل، بل سيعود إلى عاداته القديمة في يوم من الأيام.
يرجع أصل هذا المثل إلى امرأة في العصر الجاهلي تُدعى حليمة، وهي زوجة حاتم الطائي، والذي كان أحد أعظم شعراء العصر الجاهلي ومضرب المثل في الكرم، حتى أن الكرم قد نسب إليه فيُقال عن الشخص الكريم: “كرمُهُ كرمُ حاتم” أو يقال عن الكرم الشديد “الكرم الحاتمي” أي أنَ الكرم المبالغ فيه يشبه كرم حاتم الطائي.
ولكن للمفارقة، كانت زوجته حليمة مضرب المثل في البخل فكانت عندما تطبخ الطعام تضع كمية قليلة جدًا من السمن، وأحيانا لا تضع السمن أبدا، فعاب زوجها ذلك عليها وقال لها أنهم قالوا قديمًا أن من تضع سمنًا كثيرًا في إناء الطهي يطول عمرها.
وبالفعل بدأت حليمة تضع الكثير من السمن في إناء الطبخ أثناء إعداد الطعام لضيوف زوجها واستمرَت على ذلك لسنوات عدة. ولكن حدث لها مصاب جعلها تتوقف عن عادتها الجديدة وترجع إلى ما كانت عليه، ألا وهي وفاة ابنها الوحيد الذي كانت تحبه حبا شديدً، فأصابتها حالة اكتئاب مُزمنة جعلتها تقلل السمن في الطعام حتى لا يطول عمرها لتموت وتلحق بابنها سريعًا
ومن هنا، أتى المثل الشعبي “عادت حليمة لعادتها القديمة”، الذي يضرب عند عودة الشخص إلى عادته القديمة مرة أخرى.
اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها
يرتبط ذلك المثل الشعبي بالفتاة ووالدتها ومدى تشابههما ببعض، وتعود قصته في بعض الروايات إلى امرأة كانت قلقة على مستقبل ابنتها، فأرادت أن تعرف كل شيء عن حياة ابنتها قبل زواجها بفترة قصيرة، وبالفعل ذهبت المرأة مع ابنتها إلى العرّافة التي تقرأ “الطالع” باستخدام الحصى والرمل، فوضعت العرافة الحصى داخل الجرّة، وقامت بقلبها على فمها، فخرجت من الجرّة حصوة صغيرة وأخرى كبيرة، فقالت العرّافة للمرأة “إن ابنتك ستكون مثل أمها ولودة ودودة”، وأضافت: “اقلب الجرّة على فمها بتطلع البنت لأمها”. وتحرف المثل بعدها ليصل إلى “اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها”.
اللي مايعرفش يقول عدس
يقال ذلك المثل عندما يكون الشخص يتعامل مع أفراد يجهلون حقيقة الأمر ويتحدثون عنه بجهل غير حقيقي، وترجع قصته إلى تاجر يبيع في دكانه العدس وكان يثق بزوجته ثقة عمياء، فتركها يومًا بالمتجر وذهب ليتفق على شحنة جديدة من العدس وحين عاد وجد زوجته تخونه مع شاب بالمحل، فانتفض الرجل وأخذ يجري وراء الشاب الذي لاذ بالفرار بمجرد رؤيته للزوج، فتعثر في شوال العدس فوقع الشوال بكل ما فيه.
وعندما شاهده الناس ظنوا أنه يسرق العدس ليأكل وانتقدوا التاجر لقسوته مع الشاب وقالوا له: “كل هذا الجري من أجل شوال عدس؟ أما في قلبك رحمة و لا تسامح؟”، فرد التاجر، الذي عجز عن الإفصاح عن الحقيقة المشينة، بالعبارة الشهيرة قائلًا: “اللي ميعرفش يقول عدس”.
اللي اختشوا ماتوا
تقال تلك الجملة على المرأة التي تتصرف وسط العامة ببجاحة، وترجع قصتها أنه في أحد الأيام في زمن الحمامات التركية القديمة اعتادت النساء على الاستحمام فيها، وفي أحد الأيام نشب حريق هائل بأحد الحمامات، فهرولت بعض النساء بملابس الاستحمام لتنجو، في حين خجلت الأخريات من الخروج بهذا الشكل، فكان مصيرهن الموت داخل الحمام، لينتشر بعدها مثل “اللي اختشوا ماتوا”.
ما هي كوسة
تستخدم كلمة “كوسة” للتعبير عن المحاباة، والقصة الحقيقة للمثل ترجع إلى عصر المماليك، حين كانت تقفل أبواب المدينة كلها ليلًا، ولا يسمح لأحد بالدخول وكان التجار ينتظرون حتى الصباح لكي يدخلون المدينة ويتاجروا ببضاعتهم، ولكن ثمة استنثاء كان يمنح لتجار “الكوسة”، وذلك لأن الكوسة من الخضروات سريعة التلف، ولذا كان يسمح لبائعي الكوسة فقط بالدخول والمرور من الأبواب، فحدث وصاح أحد التجار بصوت عالِ قائلًا “آه ما هي كوسة”.
المنحوس منحوس ولو علقنا على راسه فانوس
تقال تلك الجملة على الشخص الذي يلاحقه النحس ويبعد الحظ عنه، وتعود قصتها لأخوين أحدهما غني والثاني فقير، فقرر الغني في أحد الأيام أن يرسل لأخيه المال بشكل غير مباشر، لكي لا يحرجه فألقى في طريقه سرة من النقود، وانتظر أن يأتي له بخبر العثور على نقود في الطريق، لكن أخاه أخبره أنه قرر أن يأتي مغمضًا عينيه هذا اليوم، فقال الأخ الغني: “المتعوس متعوس ولو علقنا على رأسه فانوس”.
احنا دافنينه سوا
يقال هذا المثل عندما يتحايل عليك شخص وأنت تعلم حقيقته، وترجع قصته إلى تاجران، أحدهما اسمه نائل اللئيم، والثانى اسمه عطية أبو المفاهيم، بائعين زيت يبيعان بضاعتهما على حمار، وفي يوم من الأيام مات الحمار، فظنا أن تجارتهما توقفت، فاقترح أحدهما أن يدفنا الحمار ويشيدان فوقه مقام، ويدعيان أنه ضريح أحد أولياء الله الصالحين، ليأتي إليه الناس بالقرابين، وفي أحد الأيام سرق أحدهم القرابين دون مشاركة صاحبه، فهدده الثاني بأن يدعو عليه صاحب المقام، فضحك الأول قائلا: “أي صاحب مقام! احنا دفنينه سوا”.
دخول الحمام مش زي خروجه
إفتـتح أحدهم حمامًا تركيًا وأعلن أن دخول الحمام مجانًا، وعند خروج الزبائن من الحمام كان صاحب الحمام يحجز ملابسهم ويرفض تسليمها إلا بمقابل مالي، والزبائن يحتجون قائلين: ألم تقل بأن دخول الحمام مجاني؟ فيرد عليهم: دخول الحمام مش زي خروجه.
حسبة برما
يعود أصل هذه المقولة إلى إحدى القرى المصرية التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية وهي قرية “برما” التي تبعد عن طنطا بحوالي 12 كيلومتر، وجاءت هذه المقولة عندما اصطدم أحد الأشخاص بسيدة كانت تحمل قفص محمل بالبيض، فأراد تعويضها عما فقدته من البيض فقال لها الناس: كم بيضة كانت بالقفص؟
فقالت: لو أحصيتم البيض بالثلاثة لتبقي بيضة، وبالأربعة تبقى بيضة، وبالخمسة تبقى بيضة، وبالستة تبقى بيضة، ولو أحصيتموه بالسبعة فما تبقي شيئًا، وبعد حسابات وحيرة كثيرة، عرفوا أن القفص كان يحتوي على 301 بيضة ومن هنا جاءت المقولة: حسبة برما.
امسك الخشب
وهو مثل يستخدمه المصريون والأجانب (touch wood) على حد سواء، ويقال عند الإثناء على محاسن شخص أو شئ، بهدف حمايته من الحسد أو أن يصيبه الضرر، والتعبير له أصل قبطي، فالخشب أو الخشبة هي الصليب لأن كلمة الصليب باللغة القبطية هي “شى اثؤاف” وتعني الخشبة المقدسة، وقد دعا الأقباط القدامي إلى التمسك دائمًا بالخشبة المقدسة، زاعمين أنها تحفظكم من كل شي، فالخشبة المقدسة لهم تمثل البركة والحصانة من كل شر، ومن ثم فإن إمساك الشخص بالخشبه يعني إمساكه بالصليب وتبركه به.
جحا أولى بلحم ثوره
ىيعود هذا المثل إلى جحا عندما دعا جيرانه، ليطعمهم من لحم ثوره، وطلب منهم الجلوس في صفوف منتظمة، ثم مر عليهم يقول للشيخ: إنه لن يتمكن من هضم لحم الثور، وللمريض إن لحم الثور سيمرضه، وللسمين إنه ليس بحاجة للحم، وللشاب إنه قوي ويمكنه الانتظار بعد توزيع اللحم على الفقراء، وفي نهاية اليوم طلب من المدعويين الانصراف، قائلا: “جحا أولى بلحم ثوره”.