كان ياما كان.. كيف كانت حكايات الجدة الدافئة في ليالي الشتاء الباردة؟
تبدأها بـ”كان ياما كان في قديم الزمان في سالف العصر والآوان” وتنهيها بـ”وتوتة توتة خلصت الحدوتة” ، لم تكن أديبة أو روائية وربما لم تكمل تعليمها في بعض الأحيان، ولكن كانت تمتلك مهاراة في السرد تنم عن عشق وحب لما كانت ترويه وتروي له… إنها حكاوي الجدة.
حكايات الجدة في ليلة شتاء باردة
بعض الأماكن تظل بذاكرتنا ترفض أن ترحل عنا أو نرحل عنها، ومن ضمنها بيت الجدة وحكاوي الجدة، ربما سر آخر لارتباطنا بها هي إنها غالبًا ما كانت مرتبطة بفصول الشتاء وأجازات منتصف العام، ممنوع اللعب في الشارع أو الخروج أو ممارسة أي أنشطة خارج إطار البيت حيث الطقس البارد، فتبقى حكاوي الجدة هي السبيل لنا للتسلية وتقضية الوقت خصوصًا إذا لم نكن نمتلك وقتها التلفزيون، والتي لم تقتصرعلى القصص المتوارثة بل تعدت الفوازير والجوائز.
حكايات الشتاء والمطر والثلج والشتوية، لها إيقاع جميل في النفس، فما بالك إذا قصتها عليك الجدة؟ نتجمع حولها بعد تناول طبق العدس المتين مع أطفال العائلة ونجلس تحت قدميها وتجلس هي على الكرسي أو الكنبة لآن آلام العظام في هذا السن لا ترحم، وقبل أن نبدأ حديثنا نشم رائحة مشروب البليلة أو حمص شام منتظرين بلهفة قدومه للتحلية ونار المدفأة تدفيء آطرافنا المتجمدة.
وتبدأ بسرد حكاياتها وكلنا آذان صاغية نرفع رأسنا إليها كالقطة التي تنتظر الطعام، تحكي لنا عن قصة الغول والغولة وأبو رجل مسلوخة والشاطر حسن وحورية البحر، وألف ليلة وليلة، وحكايات السندباد البحري والبري وسندريلا والشاطر حسن، وكنا نستمع لها بشغف ونحن مشدودي الأعصاب ونتخيل صور الأشخاص التي تتكلم عنها الجدة، وننتظر بحيرة وترقب كيف ستختتم الرواية أو الحكاية إذًا، على الرغم من إنها دائمًا ما تنتهي الحدوتة، بأن تتزوج الأمير ويعيشان في تبات ونبات ويخلفون الصبيان والبنات.
الحكايات التي كنا نسمعها من الجدة تحتاج رواياتها إلى مجلدات كما كانت في الحقيقة، لكن الجدة كانت تمتلك قدرة عجيبة في تكثيف حكايات كانت تكتب في مئات الصفحات، فهي تروي وكأنها تركض ممسكة بالأحداث، بلهجة قديمة وبساطة بالطبع تختلف أسلوبهم وقصصهم وطريقة حكاويهم عن الآن، فوقتها كانت كل تفصيلة تنم عن بساطة الحياة.
أين ذهبت حكايات الجدات؟
لا شك أن فن حكايات الجدات له تأثير كبير في التوعية والتعليم والتربية من خلال ما تتضمنه الحكايات والمغامرات من قيم ومبادئ ودروس ومعلومات مختلفة.. ترك تأثير كبير في العملية التربوية، كما أثر على بعض المبدعين في كتابتهم تجدهم كلما سنحت لهم الفرصة يذكروا تلك التجربة حتى في كتابتهم تشعر بها حتى في طريقة سردها ومنهم من يتطور معه الآمر ويكتب كتاب يروي فيه حكاوي الجدة وكيف ساهمت في تشكيل موهبته وحبه في السرد.
مع الأيام وتطور الحياة ووصول أجهزة الإذاعة والتلفزيون إلى كل بيت افتقد الأطفال حكايات الجدات وحتى الأمهات، و اختفى عهد السرد والحكايات على الأطفال، واستبدلت الآن ببرامج الأطفال أو بقصص الكتب.. ولكنها لا تضاهي سرد الجدة في ليلة شتاء باردة