في ذكراها الـ 148.. جريدة الأهرام وأحوال مصر بين “تقلا” و”هيكل”

خلال 148 سنة كانت الأهرام ومازالت المؤسسة الصحفية الأولى التي مهما طال بها العمر لا تصيبها الشيخوخة، بل بالعكس، تزداد أصالتها فى الشكل والمضمون وتتمسك بوقارها، ولأن الأهرام لها تاريخ طويل وأحداث أطول شاركت فيها وصنعت من خلالها تاريخ الصحافة المصرية والعربية، سنحاول أن نستكشف تاريخ مصر عن طريق استعراض سيرة اثنين من أهم رموزها ورموز الصحافة؛ بشارة تقلا ومحمد حسنين هيكل.

رائد الصحافة اليومية

بشارة تقلا، ولد سنة 1852، وهو من أهم الشخصيات التي لعبت دور مؤثر في الصحافة العربية، وخصوصًا المصرية، وبيُعتبر هو المؤسس والأب الروحي للصحافة في نهاية القرن ال19، استطاع أن يبتكر فنون وأساليب في الصحافة والتوزيع لم تعرفها الصحافة المصرية قبله، مما جعله رائد الصحافة اليومية في العالم العربي، لأنه وضع أسس راسخة لها مازلت موجودة حتى اليوم.

بشارة تقلا – عن الأهرام

أهمية عائلة تقلا في تاريخ مصر والأهرام 

بالإضافة لذلك، كانت حياة تقلا مليئة بالمشاريع الصحفية، وأصدر مجلات وصحف كثير كان أشهرها الأهرام، التي تُعتبر أشهر وأقدم الصحف العربية، وأيضًا هي الوحيدة من الصحف القديمة في الوطن العربي المستمرة في الصدور حتى يومنا هذا.

درس بشارة في بيروت وعمل في التدريس لمدة عامين، وعمل في التجارة مدة، لكنه تركها واتجه إلى مصر في عهد الخديوي إسماعيل سنة 1875، بعد نصيحة من أخيه الأكبر سليم تقلا الذي سبقه للإسكندرية. سليم أراد من أخيه الأصغر أن يساعده في إنشاء صحيفة، وذلك حسب ما تم توثيقه في كتاب “بشارة تقلا باشا (1853-1901).. أقوال الجرائد، مراثي الشعراء، مختارات من أقوال الفقيد المنشورة في جريدة الأهرام”، الذي أصدرته مطبعة الأهرام للمرة الأولى سنة 1902.

وصل بشارة إلى ميناء الإسكندرية واندمج وتأقلم مع المجتمع المصري ونجح في إنشاء كثير من المجلات والصحف وأولها وأشهرها جريدة الأهرام، وصدر العدد الأول منها في أربع صفحات في أغسطس 1876.

أحوال مصر في نهايات القرن التاسع عشر

كان بشارة متفاعلًا مع الأحداث السياسية والاجتماعية في عصره ولذلك أتعرضت كل صحفه ومجلاته للمنع والإيقاف، وتعرض منزله ومطبعته في الإسكندرية للحرق من العرابيين بسبب عدم انحياز جريدة الأهرام للثورة العرابية. كما تعرض بشارة نفسه للسجن سنة 1879 بسبب مقال نشره بعنوان “ظلم الفلاح” اتهم فيه الخديوي إسماعيل بالاستبداد وظلم الفلاحين وندد بسوء سياسته المالية وسرقته أموال الشعب، بحسب ما ذكر أنور الجندي في كتابه “تطور الصحافة العربية في مصر” لكنه سُجن ثلاثة أيام فقط وخرج لأنه كان يتمتع بحماية فرنسا التي يحمل جنسيتها.

بعد هذا الحادث، توقف بشارة عن انتقاد السلطة بشكل مباشر، وعلى العكس كان تحاول “الأهرام” إرضاء الخديوي وكانت لا تمدحه ولا تنتقده بشكل عام، ولذلك كان البعض يتهم الأهرام بأنها “بتمسك بالعصاية من النص”، وخصوصًا في القضايا التي لها علاقة بالنفوذ الأجنبي في مصر.

كان بشارة منحاز للنفوذ الفرنسي في مصر بشكل علني، لأنه كان يحمل جنسيتها ويكره الإنجليز، وهذا ما أكده جورجي زيدان في كتابه “تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر” وقال فيه إن الأهرام خطها وطني عثماني، تنتصر لفرنسا وتجاهر بالمقاومة للاحتلال الإنجليزي، ولم يطالب بشارة بالاستقلال التام عن العثمانيين، عكس معظم الجمعيات والحركات القومية وقتها.

كتب مقال تناول فيه عن شعار “مصر للمصريين” وقال إن البعض حوّل معنى الشعار لغير معناه، وذلك بسبب تحيزه للعثمانيين. كان نهج بشارة مصري-عثماني وأوصى بأن تستمر جريدة الأهرام على هذا النهج، كان بشارة من كبار المثقفين الداعمين لمشروع الجامعة الإسلامية على الرغم من كونه مسيحي لبناني.

مؤسس الأهرام قام برحلات داخل الأقاليم المصرية لإقناع الفلاحين المصريين بالاشتراك فى صحيفته ولتأسيس شبكة من المراسلين، وتوسعت الأهرام وغطت كل أنحاء مصر وقام بجولات كثيرة خارج مصر، وبعد ذلك حقق حلمه وحول صحيفته من أسبوعية ليومية، ليتحول مؤسس الأهرام لرائد الصحافة اليومية فى الوطن العربي كله.

مصر بأواخر القرن ال19 – عن باب مصر

الأستاذ …

محمد حسنين هيكل، عندما نسمع هذا الاسم نعلم أننا أمام قامة كبيرة وواحد من أهم الأيقونات في مجال العمل الصحفي بسبب تميزه على مدى تاريخ الطويل في بلاط صاحبة الجلالة، سواء أتفقت أو اختلفت معه.

من بدايته كمراسل كان قادر على صنع التغيير، وأثبت طول الوقت موهبته التي ظهرت خلال تغطيته للحرب العالمية التانية وحرب فلسطين سنة 1948، مما ساهم في نشأة صداقة قوية بينه وبين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة، صداقة شكلت العلاقة بين رجال دولة وبين الصحفيين، وجعلته قريب طول الوقت من مراكز صنع القرار ومن الشخصيات المؤثرة في الدولة.

هذه الفترة جعلت من هيكل شخصية قادرة على تولي ذلك المنصب رغم صغر سنه، وأصبح رئيس لمجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الأهرام سنة 1956، وظل رئيس لتحريرها لمدة 17 عام، وفي هذه الفترة أصبحت الأهرام واحدة من الصحف العشرة الأوائل على مستوى العالم.

هيكل قام بعمل طفرة نوعية داخل المؤسسة الأكبر في تاريخ الصحافة المصرية، وقام بتطوير قسم الأخبار وقسم التحقيقات وقام بتطوير الإخراج الصحفي، مما ساعد على تغيير الشكل القديم لصفحات الجريدة.

نجح من خلال عمله في تأسيس علاقات صحفية دولية حعلت الأهرام طرف فى أوضاع الإعلام العالمي وتوجهاته وفي العلاقات بين عواصم العالم المتعددة، وفي رحلته الطويلة في الصحافة نجح هيكل في توثيق علاقته بالحكام والملوك والرؤساء.

سنوات هيكل

شارك في محطات رئيسية في تاريخ مصر؛ مثل كتابته لخطابات الرئيس عبدالناصر، وأبرزها خطاب التنحي، بالإضافة لكتابته لخطاب النصر الذي ألقاه السادات في مجلس الشعب في حرب أكتوبر، والأهرام كانت شاهدة على تغطية أحداث مثل حرب ٦٧ والاستنزاف وحرب أكتوبر والنصر، وكانت عناوينها وتغطيتها تعكس الرؤية الرسمية والشعبية.

بعد اتفاقية كامب ديفيد، عارض الرئيس السادات وخرج من الأهرام وشكلت مقالاته وكتاباته في الكتب التي أصدرها أو بصحف أجنبية معارضة قوية لنظام السادات.

هيكل وعبدالناصر عن الوطن

من أهرام تقلا لأهرام هيكل

الأهرام في سنوات رئاسة هيكل تحولت لأول مرة من “أهرام تقلا” إلى “أهرام هيكل”.. مرحلة انتقالية وتغيير في شكلها ومضمونها.. ثورة متكاملة، واستمر ذلك حتى العام الذي دخلت فيه الأهرام مرحلة جديدة بخروج إبراهيم نافع بعد 23 سنة قضاها رئيس لمجلس الإدارة و26 سنة رئيس للتحرير، وهي أطول فترة لصحفي مصري يشغل فيها المنصبين في تاريخ الصحافة المصرية.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: في عيد الصحافة السورية: بدايتها ودورها في مشروع اليقظة العربية

تعليقات
Loading...