ليلة بكت فيها المنوفية.. حين قُطفت أرواح 19 فتاة بدلا من عناقيد العنب
أحلام قُطفت قبل أوانها. في صباح لم يختلف عن سواه، خرجن 19 فتاة في مقتبل العمر بخطى سريعة وأحلام ثقيلة، يسبقهن الضوء وأصوات العصافير،… فتيات في عمر الزهور، يزاحمن الفجر على الطريق، إلى مزارع قطف العنب.
في ذلك اليوم، لم تُقطف عناقيد العنب، بل قُطفت الأرواح. تسعة عشر زهرة في مقتبل العمر، غادرن قريتهن الفقيرة يحملن أكياس الأمل، متوشحات بالصبر، إلى مزارع العنب… كل واحدة منهن لها حكاية تبدأ بيومية لا تتجاوز 130 جنيهًا، وحلم صغير يتوارى خلف أعين منهكة: مصروف أخت، علاج أم، تجهيز زواج، أو ببساطة… وجبة لائقة آخر الشهر.
وفي لحظة لا إنذار فيها، انقلب كل شيء. اصطدمت العربة الصغيرة التي تقلهن بالقدر، وانسكبت الدماء على الإسفلت، لتصير الطريق التي حملتهن إلى الرزق، طريقًا إلى الموت.
في كفر السنابسة، لم تعُد البيوت تنتظر ضحكاتهن عند الباب، بل استقبلت التوابيت، واحدة تلو الأخرى، وتركن خلفهن مقاعد فارغة، وقلوبًا مكسورة، وأحلامًا ألقيت على الطريق كما تُلقى الأمتعة بعد حادث.
ما الذي يجعل فتاة في ربيع عمرها تستيقظ قبل الشمس، وتقبل بيومية بالكاد تسد رمقها؟ الحلم. ذلك الشيء الذي لا يُرى، لكنه يُساق بالعرق والوجع… والآن، صار الحلم نعشًا مغلقًا، تحمله قريتهن على أكتاف منكسرة.
لا تفوّت قراءة: دليلك لفهم قانون الإيجار القديم: 9 أسئلة تشرح التعديلات الجديدة
“العنب سيفقد نكهته… بعد رحيل صباياه… خرجن يقطفن الحياة… فحصدهن الموت”
الإعلامية سهير جودة
رويدا… عروس الجنة التي لم تزف

كانت رويدا تحلم بفستان أبيض، وبليلة زفاف ينتظرها الجميع بعد أسبوعين. حلمٌ بسيط، لكنه كان يعني لها العالم كله.
كل صباح، كانت تنهض قبل الشروق، لا تشكو تعبًا، ولا تطلب مساعدة. فقط تقول بثقة: “أنا من سأجهز نفسي”.
كما عملت في مزارع العنب بأجرٍ يومي لا يتجاوز 130 جنيهًا، تجمع كل قرش لتشتري قطعة من جهازها وتريح والديها.
لكن الأحلام الجميلة لا تكتمل دائمًا. ففي صباح الجمعة، لم تعُد رويدا إلى بيتها كما كل مرة.
ارتدت كفنًا بدل الفستان الأبيض، وعادت محمولة فوق الأكتاف، عروسًا إلى السماء لا إلى بيت الزوجية.
معها رحلت 19 فتاة، كلهن خرجن بحثًا عن لقمة عيش… فعُدن ضحايا على طريقٍ لم يعرف الرحمة.
لا تفوّت قراءة: الثوب الفلسطيني: حكاية وطن تُطرز بالخيط وتُنقش في الذاكرة
هدير… الممرضة التي لم تكمل الطريق
هدير، زهرة من كفر السنابسة، وطالبة في معهد التمريض. لم تكن الدراسة حلمًا عابرًا، بل طريق حياة رسمته منذ صغرها.
في إجازة الصيف، لم تختر الراحة، بل انضمت إلى فتيات العنب. كانت تعمل لتوفر مصروف دراستها، وتساعد والدها الصابر.
صباح الحادث، قالت لها أمها: “ارتاحي يا بنتي النهاردة جمعة”. فأجابت: “لازم أشتغل… الدراسة قربت، ولازم أحوش قرش ينفعني”.
خرجت فجرًا وهي تبتسم. لم تكن تحب أن تطلب من أحد، كانت تفضل الكفاح… وترى أن التعب اليومي هو ثمن الحلم.
كانت تمر بشال العنب على كتفها، تضحك للجيران، وتحيي الكبار. يقول أحدهم: “كانت دايمًا مبتسمة… متربية وبتفرّح القلب”.
تحكي صديقتها: “كان حلمها تشتغل في مستشفى كبيرة… دايمًا تقول: أنا هابقى ممرضة كويسة، وهسعد الناس بعنايتي”.
لكن القدر قطع الطريق. لم تكمل هدير طريقها الأبيض، وارتدت كفنًا بدلًا من زي التمريض الذي حلمت به طويلًا.
لا تفوّت قراءة: 12 يوماً هزّت الشرق الأوسط: تسلسل زمني للحرب بين إيران وإسرائيل
شيماء عبد الحميد… حلم الهندسة الملقى على الأسفلت

لم يكن طريق شيماء عبد الحميد مفروشًا بالورود. لكنها شقّت طريقها بذكاء، وقررت أن تختصر المسافة إلى الحلم رغم التحديات.
تفوقت في الشهادة الإعدادية، لكنها آثرت التعليم الفني بدلًا من الثانوية العامة، لتخفف عن والدها أعباء المصاريف.
قالت يومًا: “بلاش ثانوي علشان إخواتي. هدخل صنايع وأكمل، المهم نوصل”. وكانت مؤمنة بأن الجهد الصامت هو الأقرب للنجاح.
كما أنهت التعليم الصناعي بنجاح، ثم اجتازت المعادلة، والتحقت بكلية الهندسة بجامعة المنوفية. حلمها كان واضحًا… وكانت على بابه.
“ياريتني ما صحيتك يا شيماء.. ياريتني حبستك في البيت ومخرجتكيش”
والد شيماء عبد الحميد
في صباح الحادث، قالت لأهلها: “هانزل أشتغل يومين أجمع عنب علشان مشيلكوش هم مصاريف الكلية”. ثم غادرت… ولم تعُد.
بدأت عملها قبل أسبوع فقط. خرجت بنية أن تبني مستقبلها، فعادت محمولة، كأن الطريق قرر أن يسرق الحلم كله.
قالت والدتها: “كانت دايمًا من الأوائل. حلمها تبقى مهندسة. بنتي ماكنتش تستاهل كدا”. والدموع لا تتوقف.
أما والدها، فظل يركض بين المستشفيات يبحث عنها، حتى وجدها… جثة بلا صوت، ولا حلم.
لا تفوّت قراءة: ما ضوابط موسم العمرة الجديد لعام 1447هـ/ 2026؟ عقوبة المخالفة قد تصل إلى نصف مليون جنيه
شيماء خليل… قلب سعى لأحلام كبيرة

كانت شيماء خليل تحلم بأن يكون لها مكان مختلف في هذا العالم. طالبة في السنة الثانية، قسم اللغة الفارسية، كلية الآداب – جامعة المنوفية.
لم تكن الدراسة مجرد واجب، بل رسالة. كانت مثابِرة، متفوقة، وذات خُلق يشهد له كل من عرفها.
في العطلات، لم تكن تقضي وقتها في الراحة. كانت تعمل لتخفف العبء عن أسرتها، وتدخر لما هو قادم.
قالت صديقاتها: “كانت دايمًا الأولى بينّا… بنت هادية ومحترمة، وتحلم بمستقبل كبير”. لكن الحلم توقف فجأة.
على الطريق الإقليمي، رحلت شيماء. لم تكن وحدها، بل كانت إلى جوار صديقتها… كأن الموت اختار أن يأخذهما معًا.
كليتها نعتها رسميًا، ورفاقها بكوا في صمت. لم تُكمل شيماء طريق اللغة… ولا الحياة.
لا تفوّت قراءة: هل يمكن لهاتف أن يقوم بمهامك؟ 10 مزايا مذهلة تجعل Samsung Galaxy S25 الرفيق الأذكى لك
ضحى همام… فرحة الشهادة المسلوبة
في بيتٍ صغير بقرية كفر السنابسة، لم تُرفع الزغاريد بعد إعلان النتيجة… بل ساد الصمت، وسُرقت الفرحة.
ضحى همام الحفناوي، فتاة أنهت امتحانات الشهادة الإعدادية منذ أيام، تنتظر نتيجتها كما تنتظر الشمس بعد ليلٍ طويل.
كان هدفها بسيطًا… أن تشتري هاتفًا قبل دخول الثانوية، من مالٍ تحصده بيديها، لا أن تطلبه من أهلها.
خرجت للعمل في مزارع العنب، مثل كثير من فتيات قريتها، بأجر يومي لا يتجاوز 130 جنيهًا.
لكن الطريق الإقليمي كان أسرع من أحلامها. فقد رحلت ضحى قبل أن تعرف نتيجتها، قبل أن تفرح، قبل أن تحيا.
بعد رحيلها، ظهرت النتيجة: 72%. لكن ضحى لم تكن موجودة لتراها، ولم تسمع التصفيق… ولا دموع الفرح.
لا تفوّت قراءة: GCC Grand Tours Visa: ماذا نعرف عن مزايا التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة؟
أحلام العائلة التي تكسرّت دفعة واحدة

في أحد بيوت كفر السنابسة، لم يُدفن الحلم مرة واحدة فقط… بل دُفن أربع مرات، في يوم واحد، وفي جنازة واحدة.
سمر، أسماء، آية، وهدير… كنّ زهرات في بيت واحد، وركائز لأحلام عائلية بسيطة، صادقة، لكنها تحطّمت فجأة.
قالت قريبتُهن بصوت مختنق: “هدير كانت هتتجوز قريب، وأسماء اتخطبت في العيد. البنات كانوا سند، مش مجرد أولاد”.
لم يكن الحزن موزّعًا بالتساوي، بل كان في منزل فوزي خليل أشدّ حضورًا، فقد عاد إليه ثلاثة نعوش دفعة واحدة.
فقد شيماء، وجنى، وملك. قال الأب المنكسر: “مفيش كلام يوصف. شيماء كانت دايمًا بتضحك، وجنى لسه داخلة الجامعة، وملك بتحب المدرسة”.
في لحظة، خسر هذا الأب ضحك شيماء، وفضول جنى، وبراءة ملك… لم تعُد الحياة كما كانت، ولن تعود.
لا تفوّت قراءة: لعشاق الشوكولاتة.. أفضل 9 أماكن لشراء كيك ماتيلدا في مصر!
ليست مجرد أرقام… بل أرواح ذهبت دون وداع
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد ضحايا حوادث الطرق في مصر عام 2024 ما يقارب 5260 وفاة، وارتفع عدد المصابين إلى 76,362 إصابة، بزيادة بلغت 7.5% عن العام السابق.
في كل رقم من تقرير رسمي، هناك قصة مثل قصة هدير، شيماء، ضحى، وآية… أرواح لم تُكمل طريقها، بل قُطفت قبل أن تُزهر.