حرب باردة جديدة.. غاز الجزائر بين روسيا والغرب
يوم التلات اللي فات زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الجزائر ودي أول زيارة يقوم بيها لبلد عربي من أول ما الحرب بدأت في أوكرانيا، وهي الزيارة اللي استقبله فيها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وأتكلموا في مؤتمر صحفي مشترك عن وضع سوق النفط والغاز العالمي والعقوبات الغربية على روسيا. العلاقات بين روسيا والجزائر هتبقى هي الحاجة اللي هنركز عليها في المقال ده، وهي مثال واضح لتأثير الصراع العالمي اللي بيحصل دلوقتي علينا في الشرق الأوسط، وازاي ده ممكن يرجع بالساحة الدولية لعالم متعدد الأقطاب؛ يعني عالم فيه قوى سياسية متعددة بدأت مع تقسيم العالم بعد الحرب العالمية التانية، وقبلها كان في دولتين، أمريكا والاتحاد السوفيتي، هما المسيطرين على العالم.
الغاز بين روسيا والغرب
الغاز الجزائري مصدر آمن لدول زيّ إيطاليا وألمانيا وأسبانيا وده لإنها بتعوض الغاز الروسي، برلين مثلًا كانت بتعتمد على الغاز الروسي بنسبة ٥٥٪، ودلوقتي اللجوء للجزائر هيخليها في موقف صعب بين الروس والأوروبيين والغرب عمومًا.
وهنا لازم نوضح إن الجزائر المصدر الأول للغاز في أفريقيا والسابع عالميًا، بس عندها مشكلة في إن الاستهلاك المحلي كبير والبنية التحتية قديمة وده هيبقى عائق في زيادة التصدير.
الغاز ونظام عالمي جديد
كلام لافروف في الجزائر بيشير للمعركة على الغاز، وده كان باين لما قال إن البلدين عندهم موقف موحد وهو إن الكل ملتزم بالاتفاقيات الدولية اللي موجودة دلوقتي، وده بيشير بشكل ضمني إن روسيا هتحافظ على إمداداتها النفطية وإمدادات الغاز مع الدول الغربية.
لافروف قال في الزيارة دي إن موسكو مش هتسمح يبقى في عالم أحادي القطب، اللي بتكون فيه دولة واحدة هي المسيطرة، وده بيتفق مع الأسس التي تم التشكيل على أساسها منظمة الأمم المتحدة بحسب تعبيره، وهنا بنشوف بوضوح أكتر مسألة تأثير الصراع علينا في مسألة الطاقة تحديدًا.
سياسة المحاور الدولية
من الواضح إن روسيا بتحاول ترجع بالزمن لمرحلة ما بعد الحرب العالمية التانية من جديد، وبيستخدموا الغاز والنفط كواحد من أهم الأسلحة في الصراع، ده جنب سلاح الأمن طبعًا، وهنا بتتمثل الضغوط على منطقتنا في مجال الطاقة زي ما قلنا وده معناه حرب اقتصادية وأمنية لتشكيل محاور موالية لكل طرف.
روسيا وغيرها من الدول زاروا دول المنطقة في الفترة الأخيرة لاستمالة كل دولة ومنعها من الدخول في الحلف المقابل ليها في ظل أزمة كبيرة في أوكرانيا بتعصف بالاستقرار العالمي واقتصاده. ومن الجدير بالذكر إن تلت احتياطات أفريقيا من الغاز بيمر من أنبوب عابر لجنوب الصحراء من نيجيريا، وده فيه صعوبة أمنية في السيطرة عليه بسبب مساحتها الكبيرة وتأمينه علي طول خطوط امتداده وعلشان كده قررت أوروبا تستبعده من خياراتها للحصول على الغاز.
والنفوذ العسكري الروسي في ليبيا بيمثل خطر تاني على أوروبا، وده بعد ما بقت قوات “فاجنر” اللي في شرق ليبيا عنصر مهم في أمن الطاقة بالمنطقة، ونفوذ قوات “فاجنر” التابعة لموسكو بشكل مباشر وبتعتبر ذراعها الأمني اللي بتدخل بيه في أماكن الصراع في العالم بقى واضح بشكل ماينفعش ننكره.
في مشكلة تانية وهي بدايل خطوط الطاقة من أفريقيا لأوروبا، واللي هتزيد الضعف لو فكر الغرب إنه يدور على مسارات بديلة ليها على أساس يبعد عن مراكز النفوذ الروسي في المنطقة.
الصراع بياخد أشكال كتير
الصراع هيبقى مفتوح في شمال أفريقيا بين الغرب وروسيا، خصوصًا مع المشاكل الكتير للقارة، زيّ التنافس الإقليمي بين بعض دولها، وده هيسبب مخاطر على أمنها وعلى أمن الطاقة، ومثال لده الصراع بين المغرب والجزائر على ملف الصحراء الغربية.
والصراع نتايجه ظهرت بسبب تراجع النفوذ الأوروبي لصالح الروسي زيّ ما بتقول الخبيرة السويسرية بمعهد السياسة الدولية والأمن في برلين، الدكتورة إيزابيل فارنفالس، اللي قالت في مقال إن على الرغم من إن أوروبا لسه أقرب شريك لأفريقيا ودولها، إلا إن تأثيرها على مواقف السياسة الخارجية في المنطقة المغاربية تراجع بشكل ملحوظ.
الخلافات اللي حصلت في الفترة الأخيرة بين الجزائر وأسبانيا بسبب موقفها من السيادة على الصحراء الغربية ووقف ضخ الغاز الجزائري من أنبوب بيعدي من المغرب كلها أمثلة على الوضع المعقد في المنطقة والصراعات على خلفية الحرب في اوكرانيا.
شكل النزاع في منطقتنا دلوقتي هو الأوضح من ساعة الحرب الباردة، وملف الطاقة في صلب الصراع ده، والحوار هو الحل الوحيد للخروج من الموقف.