تقرير بي بي سي يكشف رفض وجود المحجبات في بعض كومبوندات مصر
كشفت البي بي سي في تقرير ليها ومن خلال تسجيلات سرية، بالصوت والصورة، عن أماكن عامة ومطاعم وشركات في القاهرة بالإضافة إلى بعض التجمعات سكنية “كومبوندات” في الساهل، ترفض دخول المحجبات.
بتحكي ميار، محجبة من محافظة عندها 25 سنة، عن الوضع اللي بتشاركها فيه كتير من المحجبات المصريات، من رفض أماكن عامة كتير دخولهم بسبب الحجاب، واللي بيخليهم يحسوا بعزلة عن مجتمعهم.
تنكر أعضاء من فريق البي بي سي كستات محجبات أو أزواج لستات محجبات، وحاولوا يدخلوا مطاعم معينة في القاهرة. رفضت المطاعم المذكورة دخول المحجبات بحجة إن دي قواعد المكان المنصوص عليها من وزارة السياحة، وده اللي نفاه عادل المصري، رئيس غرفة المنشآت والمطاعم السياحية.
وكشف التقرير كمان عن رفض شركة تطوير عقاري مصرية مشهورة التعامل مع المحجبات وبيع وحدات سكنية لأي أسرة فيها ست محجبة، وقال واحد من سماسرة الشركة في تسجيل صوتي لواحد من فريق البي بي سي متنكر كزوج لست محجبة: “لو زوجتك محجبة، ماتتعبش نفسك وتبعت صورة البطاقة”.
في مصر ينتهي إلغلاء إذا تحجبت النساء: ولكن في نفس الوقت لا مكان للمحجبات في كومبوندات القاهرة
في بحث عمله معهد البحوث الاجتماعية بجامعة ميشيغان الأمريكية عن تفضيلات المجتمعات العربية بالنسبة للحجاب، عبر 57% من المصريين المشاركين في الدراسة عن تفضيلهم لرؤية الستات بالحجاب، وهي النسبة الأكبر بين الدول العربية بعد السعودية.
بمقارنة الإحصائيات دي نقدر نقول إن التحيز ضد الستات المحجبات في مصر، اللي بيشكلوا النسبة الأكبر من ستات البلد، يشكل تناقض صارخ مع الواقع، والسؤال هو: التناقض ده جاي منين؟
للإجابة عن السؤال ده لازم نفهم تاريخ الحجاب في مصر، وعلشان نفهم التاريخ ده بشكل واضح ممكن نبدأ بجملة بنشوفها كتير مكتوبة في الباصات العامة، ومرسومة بالجرافيتي في الشوارع، ومحفورة على حيطان البيوت المصرية: “نداء، يينتهي الغلاء إذا تحجبت النساء”.
الجملة دي هي نتيجة مباشرة لتاريخ طويل من المعارك السياسية والدينية والاجتماعية اللي احتدمت في الشارع المصري، واللي كان الحجاب دايمًا هو نقطة التقاءها المركزية. تاريخ يمتد من بدايات القرن العشرين لما خلعت هدى شعراوي برقع الوجه سنة 1921 في استقبال سعد باشا زغلول، في اعلان عن اقتحام المرأة للفضاء العام.
ومنذ اللحظة دي تدرج المصريين واحدة واحدة ليتحولوا من مجتمع ماكانش بيقبل ظهور الست في الشارع بوجه مكشوف لمجتمع أصبح نادر إنك تشوف فيه ست محجبة في الشارع، بالذات خلال خمسينيات القرن الماضي.
من البرقع للسبانيش وما بعده: تاريخ الحجاب في مصر وانعكاساته السياسية والاجتماعية
رغم تضاءل ظاهرة الحجاب في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين لحد ما وصلنا لنقطة اختفاءه شبه التام في منتصف الخمسينات، ماكانش في أي قانون مصري بيمنع الحجاب.
وضح جمال ناصر في واحد من خطاباته، الحوار اللي دار بينه وبين حسن الهضيبي، مرشد الإخوان وقتها، واللي اعترض على رفض جمال عبدالناصر طلبه في فرض الحجاب، بقوله: “لأ، أنت الحاكم وأنت المسؤول”.. فرد عليه ناصر: “أنت ليك بنت فى كلية الطب، ومش لابسة طرحة ولا حاجة، ما لبِّستهاش طرحة ليه؟، إذا كنت أنت مش قادر تلبِّس بنت واحدة طرحة، عايزني أنا أنزل ألبِّس 10 مليون طرح بنفسي؟!”.
إذًا فضل الحجاب حرية شخصية ومالوش أي انعكاسات سياسية أو اجتماعية على الستات المصريات لحد 1967، ولكن اختلف الأمر بعد التاريخ ده بشكل كبير. بتقول الباحثة في العلوم السياسية، رضوى منتصر الفقي، في دراسة بعنوان “التطور التاريخي للحجاب في مصر”: “الحجاب لم يعد فجأةً إلى الشارع المصري، بل مرّ بمخاض طويل مهّدت له زيادة الوازع الديني ورغبة المصريين في التقرب إلى الله بعد نكسة يونيو 1967، وتراجع المشروع القومي”.
بتربط الفقي بين الحجاب والرغبة في التغلب على الشعور بالهزيمة من خلال الدين بعد النكسة: “فكان أن تحول المجتمع تدريجياً نحو الإسلام، وهو ما ظهر في حرب أكتوبر سنة 1973، حين رُفعت الشعارات الدينية، وهي الحرب التي رسخت النصر باعتباره تحولاً مجتمعياً نحو التدين”.
وبتشير في بحثها لزيادة عدد المحجبات بشكل كبير بعد موجات هجرة المصريين للعمل في دول الخليج خلال التمانينيات، وازاي الهجرة دي أدت لاستيراد نمط الملابس الخليجي للستات، بما فيها النقاب، لحد ما أتحول الحجاب لزي شعبي مترسخ في المجتمع المصري بأبعاد دينية وثقافية واجتماعية.
وبتشير الفقي للي حصل في الفترة دي من اعتزال فنانات كتير ولبسهم الحجاب، ولدور المؤسسات السياسية الخليجية في العملية دي، وفي تحول مصممين الأزياء والمحلات لتبني التوجه الجديد اللي أتحول لمنظومة تختزل السياسة وتدعم الاقتصاد، وهي المنظومة اللي فضلت بتدعم الإسلام السياسي وفكرة الهوية بناءًا على المعتقد، لحد رفع شعار “الله، الوطن، الحجاب”، والشعار اللي لسه موجود في شوارع مصر لحد النهارده: “ينتهي الغلاء إذا تحجبت النساء”.
الشارع المصري بين البكيني والبوركيني
بيتجدد الجدال في موقف الشارع المصري من الحجاب كل شوية منذ سنة 2011، سواء من خلال جدلية البوركيني في مقابل البكيني اللي بتطل علينا كل صيف، أو في أحداث متفرقة زيّ حادث مقتل الطالبة نيرة في المنصورة واللي تم نشر صورها بعد الجريمة البشعة دي معدلة بالفوتو شوب لتظهر لابسة الحجاب.
بتوضح الجدليات اللي بتُثار على الأحداث دي إن الشارع المصري منقسم بين جانب شايف إن الحجاب هو الحل الوحيد لكل أزمات الأمة، وجانب تاني شايف إن الحجاب أداة من أدوات الفاشية الدينية واللي لازم نحاربها، وجانب تالت شايف إن الموضوع حرية شخصية لازم نسيب الاختيار فيه للست نفسها.
الحرب الشرسة اللي بتقوم بين الجوانب التلاتة من الشارع المصري واللي بتتجدد كل شوية، هي حرب سياسية بالدرجة الأولى بيحاول فيها كل حزب إعلاء كلمته وتوجهاته السياسية والاجتماعية والعقائدية، أما المرأة فتظل دايمًا هي ساحة الحرب وتظل اختياراتها الشخصية هي الضحية الوحيدة.