بين دراما العشوائيات والكومباوندات: راحت فين دراما “لن أعيش في جلباب أبي”؟
الدراما التلفزيونية في بدايتها كانت موجهة المحتوى علشان يدخل كل بيت، محتوى شبه البيوت وحواديتهم، حتى نميمة وقعدة العصاري، بقالنا كذا سنة ختامًا بدراما رمضان 2023، ماشوفناش عمل عائلي يتجمع عليه الناس في رمضان، برغم كترة المسلسلات، لكن بقينا نلاحظ مؤخرًا إنها انقسمت لشقين، ما يسمى “دراما الكومباوندات” و”دراما العشوائيات” وهنا نقصد العشوائيات ومش الحارة المصرية بمفهومها اللي كبرنا واتربينا عليه في ليالي الحلمية، وبقى في حلقة مفقودة وقعت من الكتاب لمحتوى ينفع للأسر والعائلة كلها تتجمع عليه.
بمعنى أصح، مافيش دراما تخرج برا حاجز الوقت وتفضل عايشة ومكملة معانا وتبقى شبه معظم الشعب المصري، الطبقة المتوسطة اللي بتمثل أكتر من 60% من إجمالي التعداد السكاني.
راحت فين دراما رأفت الهجان ولن أعيش في جلباب أبي؟
قبل ظهور الفضائيات والقنوات الخاصة، ماكانش في غير مسلسل أو مسلسلين بالكتير الناس كلها كانت بتستناهم وتتجمع عليهم، وبعد ما يخلص بيبقى هو حديث القهاوي ونميمة الجيران وقعدات البلكونة، لإنه كان مربوط بهم بشكل ما في قصة أو طريقة حياة وعيشة، البيوت كانت شبه البيوت حتى الكلام والمواضيع كانت هي هي.
مين ينسى مسلسل رأفت الهجان، ولن أعيش في جلباب أبي وشخصية فاطمة كشري وفرح سنية الماركة المسجلة لكل أفراحنا، ومسلسل أبنائي الأعزاء شكرًا اللي رسخ قيم أبوية واجتماعية مهمة، وضمير أبلة حكمت، ويوميات ونيس اللي ماز ال متربع على عرش المشاهدات وبقى كتالوج تربوي لكل أسرة، وسوق العصر اللي صور مشاكل عائلية بتدور في مجتمع الحارات سكانها كانوا ولاد البلد الجدعين، كلها كانت من وإلى الطبقة المتوسطة، مسلسلات خرجت برا الإطار الزمني وبقت صالحة لكل زمان ومكان، والأهم لكل جيل.
دراما العشوائيات
بعد ثورة يناير وموجة الانفلات الأمني، بدأ يظهر شكل جديد من الدراما، ظهر فيه البلطجي والخارج عن القانون في مقدمة الصفوف كأبطال، فالفكرة انتقلت من الواقع وفرضت نفسها دراميًا وبدأنا نشوف الخارجين عن القانون ومدن ومناطق ممارسة ما هو محرم وغير مصرح به من السلاح للمخدرات لتجارة الأعضاء، مع ظهور لغة جديدة ومصطلحات اتضافت للقاموس المصري من الحكم التوكتوكية، وكان آخرهم مسلسلات رمضان 2023؛ زي الأجهر وبابا المجال.
بالتأكيد النوع ده من الدراما ساعد في إبراز فئة مهمشة ماكانتش الناس عارفة إنهم موجودين على الخريطة، بس الإكثار منها على مستوى المسلسلات وظهور الخلطة السبكية، خلى الناس تعتقد إن ده هو المتاح وإن هي دي الصورة الحقيقية للمجتمعات المصرية، ولكن ما إلا سنوات قليلة وظهرت الكومباوندات على الخط وانضمت لكتالوج الدراما التي لا تمثل برضه شيء للدراما العائلية.
ظهور دراما الكومباوندات على الخط
خلال السنين اللي فاتت، المجتمع المصري اتعرض لكتير من التغيرات، من بينها التغيرات العمرانية وظهور المجتمعات السكنية المغلقة على ساكنيها، الكومباوندات، وبعد ما بقت جزء من المجتمع المصري بدأت الدراما ترصدها، وبالتأكيد شكل المشاكل والمواضيع المطروحة بحكم الحياة والطبقة الاجتماعية المستهدفة، هتختلف عن دراما العشوائيات أو حتى العائلات.
بتناقش قضايا الزواج والعائلات والمشاكل النفسية، ولكن تظل داخل دائرة الكومباوند في شيء معزول تمامًا عن العالم الخارجي من مشاكله الاقتصادية وتغيراته وتحولاته، دراما مكتوبة خصيصًا للمجتمع السكني المغلق.
والنوع ده بدأنا نلاحظه من مسلسل حكاية حياة 2013، وبعدها فوق مستوى الشبهات، واللي فجر الحديث عن مجتمع الكومباوندات بشكل أكبر مسلسل البحث عن علا، اللي كان بعيد كل البعد عن الجزء الأول من المسلسل، ورجع تاني الحديث عن دراما الكومباوند في مسلسل الهرشة السابعة، وانتقدوا شكل طرح المشاكل وإنها من “إيجيبت” مش من مصر.
هل المشكلة في النص؟
الناقدة حنان شومان، شايفة إن في استسهال في الكتابة والورش الفنية، مابقاش في أفكار متعوب عليها، وعلى الجانب التاني، أستاذة علم الاجتماع سامية خضر، شايفة إن دراما “الكومباوندات” وغيرها بتظهر فئة محددة بمشكلاتها واللي مش شبه غالبية المجتمع المصري، وده بالنسبة لها تهديد وتمزيق للهوية المصرية.
والناقد طارق الشناوي أكد على النقطة دي، وقال إن الاستسهال وخضوع صناع الأعمال عمومًا لشكل نمطي معين، مع حالة انعزال تامة بين الكاتب والواقع.
لما طارق الشناوي قال جملة “انعزال الكتاب عن الواقع” افتكرت نجيب محفوظ، من كتر ما هو كان عاشق للحارة المصرية وانغمس فيها وقعد على قهاويها، كان لسان حالهم في رواياته وكان أصدق كاتب عبر عنها، ده غير وحيد حامد وأسامة أنور عكاشة، وعرفت ليه ممكن تكون أعمالهم كانت عايشة، واكتشفت إنها كانت من وإلى الواقع والبيوت، كانوا مع المواطن ملتحمين بهم.
الدراما زي الخلطة بتحتاج لبهارات، والتنوع لا مفر منه، بس قبله التوازن والصدق لازم يتحقق علشان مانفتقدش لعنصر على حساب التاني، وفي النهاية كل حاجة ولها جمهورها اللي بيتابعها، ونوع البهارات اللي بيظبط معاه الخلطة.