“أنا وديت ولادك الجنة يا محمد وأنت كمان هتروح الجنة معاهم، لإنك ماقصرتش معانا في أي حاجة.. أنا اللي قصرت معاهم وبالذات أحمد فكان لازم أوديه الجنة لإنه ذنبه في رقبتي، أنا لا علمته الكلام ولا الحياة ولا التعليم وأخواته معاه في الجنة.. أصبر وأحتسبهم عند الله ويابختك بالجنة.. أما أنا فادعليلي، أنا كنت بتعذب في الدنيا ومش قادرة أعيش .. سامحني.. ربنا يكرمك باللي تستاهلك ويعوض عليك بولاد أحسن من ولادي”.
دي كانت رسالة الأم اللي قررت تقتل أولادها التلاتة (7 سنين و5 سنين والأخير كان عنده شهرين) بطعنات وجروح ذبحية في الرقبة، طعنات قاتلة، وبعدها حاولت تنتحر لما رمت نفسها قدام جرار زراعي، وبعد كده الشرطة لقتها مرمية بين الحياة والموت ولقت معاها الرسالة دي.
لو قريت كلامها، هتلاقي كله مليان بالذنب والجلد الذاتي وتأنيب الضمير، شعورك الأول كقارئ بيبقى مش مفهوم، كمية مشاعر مش قادر تحددها وبتسأل نفسك إيه اللي ممكن يكون وصللها لحالة زيّ دي؟ خصوصًا إن بشهادة الشهود، قالوا إن العيلة كلها لا يمكن يطلع منهم حاجة وحشة، بس على حسب كلامهم قالوا إنها بتمر بحالة نفسية سيئة. أغلب الأخصائيين النفسيين طلعوا وقالوا إن ده ما يسمى باكتئاب ما بعد الولادة .. هل اكتئاب ممكن يوصل الأم إنها تأذي أطفالها؟ والأذى ده ممكن يوصل للقتل؟ سألنا دكتور هشام رامي، أستاذ بجامعة عين شمس، عن كل التفسيرات اللي طلعوا وقالوها.. وهو وضح لنا.
كلامنا مع دكتور هشام رامي
لما سألناه عن رأيه قال”احنا مانقدرش نستنتج دلوقتي هي بتعاني من إيه بالظبط، كلها افتراضات وليست حقائق هي لسه ماتشخصتش على إيد طبيب نفسي، الناس اللي بتمر باكتئاب ما بعد الولادة مابيعملوش كده.. الاكتئاب ده بيصيب 15% من النساء الحوامل بعد ما بيولدوا، بس في حالة إن لو افترضنا إن السيدة دي قامت بقتل ولادها بسبب الاكتئاب .. يبقى ده مش اكتئاب الولادة العادي.. ده نوع معين من اضطرابات بعد الولادة اسمه اكتئاب ذهاني جسيم Psychotic Depression وده مش بيصيب غير 1% بس من السيدات بعد الولادة”.
وكمل كلامه وقال “وده نوع خطير جدًا بيخلي المريض يصاب بنوع من الضلالات والأوهام وبيتصور حاجات غير واقعية وبيسيطر على التفكير و بيسلب الإرادة، زيّ إن أنا فاشل تمامًا ومش هعرف أربي ولادي والحل الوحيد إني أوديهم الجنة وأرحمهم إنهم يطلعوا غير صالحين في المجتمع.
“ممكن يكون ده اللي حصل مع السيدة وليس أكيدًا، ولكن ده اللي شوفناه في أغلب الناس اللي ارتكبوا أفعال مماثلة، المريض مابيبقاش في وعيه وللأسف لو مامتش في حالة الانتحار أو من المرض، بتبقى مأساة بالنسبة له إنه يكتشف بعد ما يفوق إن هو قتل ولاده!”
ولما سألناه الأهل يتعاملوا مع حالة زيّ دي ازاي قال: “هنا دور الطبيب المعالج ودور الأسرة، توصيل المعلومة العلمية السلمية، وهي إنها مارتكبتش الجريمة، بس المرض هو اللي ارتكبها وإنها في الوقت ده غير مسؤولة عن أفعالها حتى في القانون هي غير مسؤول عن جريمتها”.
واختتم كلامه “كل ده احنا لسه مانعرفش هي بتعاني من إيه بالظبط، بس الأرجح إنه يكون اكتئاب ذهاني جسيم ما بعد الولادة”.
كلمة أخيرة: سواء اللي عند الأم اكتئاب ذهاني أو لأ.. مانقدرش ننكر إن الاكتئاب بأي شكل من الأشكال مرض نفسي ممكن يصيب أي حد، والمفروض يبقى عندنا الوعي الكامل إنه محتاج يتعالج مش إنه بسبب قلة إيمان أو دلع!