العلة النفسية: كيف تُستغل كحجة لتبرير الأخطاء وحتى الجرائم؟
تظهر العلة النفسية كحجة لممارسة كل ما هو يضر الآخرين، ولكن دون التعرض لأي عتاب أو حساب، لأن المرتكب مريض نفسي أو يعاني من علة نفسية ما، ربما قد تكون غير مؤثرة على ارتكابه هذا الفعل من الأساس ولكن تضمن له “شماعة” تتعلق عليها كل جرائمه أو أخطائه صغرت أو كبرت، أضحت العلة مساحة مفتوحة لإتاحة كل جرم.
الجرائم
من قديم الأزل ويلعب بعض المحامون على تبرئة المتهم من أي جريمة أو تخفيف عقوبته، بطلب عرضه للكشف على صحة قواه العقلية أو سلامتها، حتى أن الأفلام تناولت ذلك بوضوح، ولكن ما بين وصم “المريض النفسي” بأنه مريض نفسي، وبين تبرير جريمته، هناك مساحة لا يحاول أحد تفكيكها أو الاطلاع عليها بموضوعية، هل تسقط العلة النفسية عن المجرم كونه مجرمًا؟ خصوصًا مع عدم اتفاق الأطباء النفسيين على إلى أي مدى مسموح بالتعامل بأن هذه العلة هي السبب في ذلك.
بين المساحة الحائرة هذه وبين تأكيد إجابة واحدة، على الأقل من الجانب الإنساني، هناك دائمًا رغبة في التشديد على أهداف طلب تحويل المجرمين إلى الكشف عن ذلك، خصوصًا أنها أضحت لعبة يلعبها المحامون ببراعة لإخراج موكليهم من القضايا، وهذا ما حدث في قضية قتل “نيرة أشرف” في مدينة المنصورة، وفي قضية “سفاح التجمع” الذي قتل ثلاثة بعدما ما مارس الجنس معهن، الأول لم يفرق أحد في قصته عن الفرق بين العلة النفسية وبين الانفلات السلوكي النابع من سوء التربية أو من التقاليد أو الأفكار الخاطئة، وإذا استرجعنا ما حدث في التاريخ القريب في قضية “ريا وسكينة” الشهيرة التي كتب عنها كتابًا عظيمًا الصحفي “صلاح عيسى/1939-2017″، هل لو كانت التحليلات النفسية التي تتفشى من الجميع المختصين وغير المختصين، كان سيتم تناول القضية عبر هذا المنظور؟ وهذا يحيلنا إلى سهولة التشخيص والظن بأننا قادرون على تحليل الآخرين بدقة واضحة.
التحليل النفسي
هناك موضة جديدة استلهمت مما يكتب عن الأمراض النفسية على منصات التواصل الاجتماعي، التي تستخدم كمساحة لإعلان مفردات دارجة في الطب النفسي، أو مصطلحات أخرى من الغرب مثل “toxic- manipulative” والتي يدخل بها أحد الأطراف باحثًا عن وجود تلك الصفات لممارسة دور الضحية، وإعلان أنه معطوبا نفسيا ليستخدم ذلك كحجة تتيح له كل شيء، ونجد أن استخدام مثل هذه المفردات أو خلقها، يصبح كإذن لسيطرة العلة النفسية على أنفسنا، وبالتبعية يؤثر ذلك على المرضى الذين يعانون من علل نفسية ولكنهم لا يعبرون عن ذلك، خوفًا من وصمهم.
مقصلة الوصم
على الجانب الآخر تستخدم كلمة “مريض نفسي” لتعبر عن أي سلوك غير شائع أو أي تصرف غير مسؤول، وهذا بدوره يؤثر على المرضى الحقيقيين ويجعلهم لا يريدون التعبير عن مشاعرهم حفاظًا عليها من أن تندرج تحت هذا، وبالتبعية هذا نفسه يؤثر على خلق بيئة آمنة تحاول مقاومة الاكتئاب والأحزان وغيره، ويحطم البعض ويساهم في انتكاستهم عقب محاولة نجاة، أو قد يؤخر خطواتهم تجاه خطة الشفاء النفسي نفسها، لذا، من المهم إدراك موقعنا من العالم واللغة التي نستخدمها في إيصاف الآخرين، أو وصمهم، حتى ننجو جميعًا من مقصلة الوصم النفسي والطبي.
أخيرًا، تشخيص الأمراض النفسية هدفه معرفة المرض وعلاجه، لا لاستخدامه كمبرر للأفعال الخاطئة والأذى أو الجرائم.