الحب، المرايات والأكل.. محمد خان وتوظيف العناصر في السينما
في ذكرى وفاة واحد من أهم المُخرجين اللي كان لهم لمسة خاصة في السينما المصرية، بنحيي ذكرى الجميل محمد خان وبنفتكر ازاي كان له أسلوب خاص بيه، حتى في الفترة اللي ابتدى فيها كان ماشي في مساره الخاص عكس الاتجاه اللي كان سائد وقتها. أفلام كتير ليه دلوقتي بنبتدي نفهم ونفسر عظمتها، يمكن وقتها ماخدتش الضجة اللي كانت تستحقها، وابتدينا نعرف أهميتها دلوقتي.. وده برضه جميل، لإن الجيل الجديد بيكتشف ويفُك شفرات أفلام عدى عليها عقود، وده معناه إن خان عمل سينما له وللزمن، أثرها مانتهاش. حابين نتكلم عن عناصر معينة تناولها خان بطريقته، وفضلت خالدة.
الأكل
مش مجرد حاجة في يومنا بنعملها علشان نفضل عايشين، محمد خان عرف يجسّد قد إيه الأكل ده من ملذات الحياة، وعرف يصوّر حب الأكيلة للأكل وتقديرهم له، ويمكن بده نفتكر الجملة الشهيرة “الأكل ده نعمة من نعم ربنا، لذة من لذائذ الحياة الكبرى، مش مهم تاكل غالي أو رخيص، المهم إنك تتمتع بالأكل”، فيلم “خرج ولم يعد” ركز على الأكل وقد إيه لما بتحب تكرم حد وتهتم بيه، بتقدمله كل ما لذ وطاب، وتشاركه الأكل ودي مشاركة جميلة. مشاهد الأكل في الفيلم ده كانت ملفتة للنظر، تقريبًا كل المناقشات اللي تمت في الفيلم كان في سياق وجبة، قاعدين على الأكل وبيتكلموا، أو بيجهزوا الأكل. خان قدر بطريقة لذيذة يفصل ما بين حب الأكل وتقديره، وبين الإهدار أو الإسراف فيه.
وعلى العكس، في فيلم “موعد على العشاء” خان استخدم الأكل في أقسى مشهد، اللي بينهي قصة صعبة عاشتها البطلة طول الفيلم، واللي قررت تعزم طليقها -اللي بوّظ لها حياتها كلها- على العشاء، علشان يكون العشاء الأخير ليهم هما الاتنين، بالأكلة المفضلة للبطل كمان وهي “المسقعة” وحطت سم في الأكل.. علشان يموتوا هما الاتنين وتنتهي المعاناة.
الحب
غير قصص الحب التقليدية، الحبّيبة وقصصهم في أفلام خان كانوا بشكل مختلف، في زمن كان فيه معظم القصص تقريبًا هي هي وتقدر كمشاهد تتوقع القصة هتمشي ازاي، وتطلع صح، خان قدم قصص وشخصيات مختلفة، من “منى” في “زوجة رجل مهم”، لـ”نوال” في “موعد على العشاء”. وشوفنا الأحلام والآمال والمشاعر، والتحوّل في القصص دي، اللي مش دايمًا بتكون نهايتها حالمة ورومانسية وجميلة؛ “منى” اللي اتحولت أحلامها كبنت عايزة تحس بنفسها وإنها متجوزة ظابط مهم وكانت طايرة زيّ الفراشة لإنها عايزة تخلص من الكابوس ده. وفي تفصيلة صغيرة عبر بيها خان، والجمهور أخد باله منها وأتكلم عنها بعد سنين؛ في حلق كانت لابساه ميرفت أمين “منى” في أول الفيلم، حلق على شكل فراشة طايرة بيعبر عن شخصيتها وأحلامها قبل ما تتجوز.. واللي في أخر الفيلم أتحول لحلق بقيود، زيّ القيود اللي حطها جوزها على حياتها بالظبط.
الواقعية مش بس معناها كآبة، والقصة اللي فاتت مش معناها تجسيد خان للحب بكآبة، علشان لو بصينا على “نجوى ويحيى” في فيلم “شقة مصر الجديدة”، هنلاقي الأحلام اللي بندوّر عليها، ونسافر علشان نلاقيها، ونلاقي في رحلتنا دي الحب بالصدفة وبطريقة بسيطة وعفوية. وبنشوف نجوى بتدوّر على الحب بمعناه القديم الحالم، في جواب من مدرسّة الموسيقى بتاعتها “تهاني” اللي بتنصحها تفضل ورا الحب، حتى لو ده بالنسبة للناس الواقعيين ممكن يبقى “هيافة”.
المرأة
هنا ممكن نستشهد بجملة صغيرة في مشهد من فيلم “ضربة شمس”، لما نورا قال لنور الشريف وهي راكبة وراه على الموتسيكل “أشمس.. أنا نفسي أركب جنبك، مش وراك”، وهنا هي مش قصدها طموحاتها في إنهم يجيبوا عربية بدل الموتسيكل، هنا خان حط رسالة بسيطة بتدل هو شايف الست ازاي، هو شايف إن الست جنب الراجل، مش وراه، الست متساوية بيه وبتسنده، مش تابعة أو متأخرة عنه.
المرايات
دي ليها قصة لوحدها.. الناس مؤخرًا ابتدت تتكلم عنها أكتر، وعن أسلوب خان في توصيف المرايات علشان تخدم القصة والرسالة اللي عايز يوصلها، وعلشان تعكس مشاعر الشخصية وأفكارها، بمجرد ما تشوف الصور هتحس باللي خان عايز يوصله بطريقة غير مباشرة؛ بدل ما يقوله له بكلام على لسان الشخصية، فيفقد معناه، هيخلّي الإحساس نفسه يوصل لك على طول.
الريف والعاصمة
مش بالصورة التقليدية بتاعة الإنسان اللي بيسيب الريف أو القرية ويروح العاصمة، علشان فرص أكتر، شغل، علاقات. محمد خان عكس المعادلة دي، وصوّر لنا في “خرج ولم يعد” الشخصية اللي بتهرب من زحمة العاصمة -وفي الخلفية أغنية زحمة يا دنيا زحمة في أحسن توظيف لها- وبيروح للريف، ويكتشف نفسه ويعرف هو عايز إيه، ويلاقي كمان الحب، ويتعرف على الناس اللي حاسس إنه عايز يكمل معاهم حياته، ويلاقي نفسه من الأخر.