التعميم: كيف يجعلنا أسرى لكوننا ضحايا ونغض البصر عن الآخر؟
قضية تثار من حين لآخر، تسبب مؤخرًا مسلسل في إعادتها إلى السطح مرة أخرى، وهي أزمة الأبوة والبنوة، وهذه الأزمة التي لا نصل إلى حسم فيها، باتت تدفع الناس إلى تعليقات لا تهدف إلا سوى الوصول إلى جانب بعينه، أو منطقة أمان تبعًا لفكرة أو تيار منتمين إليه، حتى إذا لجأنا للتعميم لإثبات وجهة نظرنا، ولكن لأن الأمر ربما يحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك، وقد يحتاج إلى تحليل الخطاب العام وتفكيكه مرة أخرى، دون البحث عن ما يجب أن ننتمي إليه بناءً على محبتنا أو كرهنا.
أفخاخ التعميم
يقع البعض في فخ التعميم المطلق، والذي بدوره يجعلنا ضحايا، ويجعل الطرف الآخر جاني، وهذا يريحنا للغاية، ولكن لأن الأمر معقد يلزم علينا المحاولة للتفكير بشكلٍ مختلف، وهذا ما انتباني لحظة قراءة ما دونته الناشطة والكاتبة النسوية “غدير أحمد” وباحثة في دراسات المرأة والنوع الاجتماعي، دونت تعليقها على الأمر بأن ” كل الرجال مثل هذا الأب” وهذا فخ لتعميم أن كل الآباء بالضرورة سيئة، عند الوصول إلى سن معين كما أشارت “غدير” بناءً على تجربة في سياق مراكز معنفات، كل هذا يرجع إلى تعميم التجربة على أنها المعيار الوحيد، وليس التجربة الفردية فقط، بل التجربة الجماعية لدائرةٍ ما، ولكن الأزمة أكثر تعقيدًا من ذلك.
ولن يكون مفيدًا لقضية النسوية نفسها، أن تحصر الأزمة في الجندر، لأن كما هو الحال مع وجود آباء سيئين فالأمر نفسه مع الأمهات، ومهمة المجتمعات المدنية هي مساعدة الضحايا على النجاة دون جذبهم إلى منطقة تقع بين أزمة الرجل والمرأة.
لأن إذا وجهت المشكلة وتم اختزالها أنها في الرجل فقط، فلن يكن هناك حلول، لإنه ببساطة سيظل الرجل موجودًا كما المرأة، وستظل نسبة السوء متراوحة بين الجنسين، لذا، يجب تفكيك هذا عبر توجيه فكرة النشاط النسوي إلى أزمة الأب المهمل أو المتنمر، أو المساحة التي تفرضها السُلطة الأبوية للأب أو الزوج على المرأة، وقتها يمكن ألا نقع في فخ مثل التي وقعت فيها “غدير” والكثيرات والكثيرون، ونقع فيه نحن أيضًا كل لحظة، وربما منبع هذا الفخ، التجارب الشخصية المريرة التي مررنا بها.
إسقاط التجارب الشخصية
في كل لحظة نسقط التجارب الشخصية على أفكارنا، لنرى الآخر مذنب، ونرى أن “كله يشبه بعضه”، وهذا لا يقتصر على الأبوة والأمومة والبنوة، بل أيضًا في علاقاتنا العاطفية، فكل الرجالة خائنون بالنسبة للأنثى التي تعرضت لتجربة مماثلة، والعكس صحيح بالنسبة للرجل، ولكن إذا وضعنا هذه الأشياء في سياقها الاجتماعي والطبقي، والزمني قد نجد أسبابًا أخرى غير كوننا ضحايا، لما نعاني منه، ووقتها قد نرى الآخر نفسه ضحية لشيء مر به، أو صدفة جعلته في طبقة أثرت على تفكيره ومستقبله، كل هذا ليس بالسهل بالتأكيد، ولكن على الأقل يستحق محاولة للنظر بشكلٍ آخر دون حصر الأمور في قطبية مع أو ضد، فنحن في الآخر أبناء لتجربتنا وزمننا كما آباءنا وأمهاتنا ومن نختار أن نكمل حياتنا معهم، كل هذا يجب النظر إليه بشكلٍ موضوعي ولو لمرة واحدة دون الوقوع في فخ التعميم.
آخر كلمة ماتفوتوش قراءة: شعبان الدلو .. قصة صاحب الصورة التي حرقت قلوبنا في خيام مستشفى الأقصى