ماذا يريد أردوغان بعد سقوط الأسد؟ خطط أنقرة للتوغل في سوريا
منذ بداية الثورة السورية في 2011، بدأت تركيا تلعب دورًا محوريًا في الأحداث، مستفيدة من جارتها المباشرة وحساسيتها التاريخية تجاه تطورات الوضع في سوريا.
لم تقتصر طموحات تركيا على دعم المعارضة السورية فحسب، بل توسعت إلى دعم فصائل مسلحة مختلفة في محاولة لتشكيل واقع سياسي يناسب مصالحها.
خلال السنوات الماضية، كان هدفها الرئيس هو الإطاحة بنظام بشار الأسد، خاصة في ظل النزاعات الداخلية العميقة التي زعزعت استقرار سوريا.
ومع كل عام من الصراع، تصاعدت المطامع التركية في الأراضي السورية، حيث سعت لتوسيع نفوذها عبر عمليات عسكرية في شمال سوريا، لتضمن لها موطئ قدم قوي في المنطقة.
الأسئلة المطروحة الآن حول ما بعد الأسد تظل بلا إجابة واضحة، لكن المؤكد أن تركيا ما زالت تطمح لتحقيق المزيد من المكاسب الاستراتيجية، مستفيدة من الفراغ السياسي الذي خلفه النزاع.
ما يثير التساؤلات الآن هو الحشد العسكري التركي على الحدود السورية، الذي يثير الكثير من الشكوك حول نوايا تركيا المستقبلية. هل هو تحضير للمرحلة المقبلة، أم أن هناك أطماعًا جديدة تسعى لتحقيقها؟
وإذا كانت الإجابة بالنفي، فكيف تفسر العلاقة المتشابكة بين هذا الحشد وبين الطموحات العثمانية التي قد تعيد رسم خريطة المنطقة؟
في الوقت الحالي، هناك الكثير من الأمور غير المحددة في سوريا… أعتقد أن تركيا ستكون لها السيطرة
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب
تاريخ العداء بين الأسد وأردوغان
عرفت العلاقات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد بالعداء الشديد منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011.
وصف أردوغان الأسد بـ “المجرم” بسبب قمعه الوحشي للاحتجاجات الشعبية.
بينما رد الأسد بتوجيه اتهامات قاسية لأردوغان، واصفًا إياه بـ “اللص التركي” بسبب التدخلات العسكرية التركية في سوريا واستيلائها على بعض الأراضي.
ومع تطورات الوضع الإقليمي والدولي، سعى أردوغان لإعادة العلاقات مع سوريا.
أهداف أردوغان السياسية والاقتصادية كانت تتعلق بوجود 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا، ومنع إقامة دولة كردية.
وأيضاً تحسين الوضع الاقتصادي التركي عبر فتح خطوط التجارة مع سوريا.
لماذا تحشد تركيا قواتها العسكرية على حدود سوريا؟
تركز تركيا حشد قواتها العسكرية على حدود سوريا لتعزيز أمنها القومي، خاصة بعد تصاعد تهديدات المجموعات الكردية المسلحة.
منذ عام 2016، نفذت تركيا عدة عمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وترى تركيا أن قوات قسد هي امتداد لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا من قبل أنقرة.
تسعى تركيا إلى تأمين حدودها ومنع أي تهديدات قد تأتي من المناطق التي تسيطر عليها قسد في شمال شرق سوريا.
تزايدت التقارير عن حشود عسكرية تركية شمال سوريا، مما يشير إلى استعدادات لتنفيذ عملية ضد المسلحين الأكراد.
لكن السؤال يبقى: هل تنفذ تركيا هذه العمليات بالفعل؟ وإذا حدث ذلك، فإلى أين ستصل حدود هذه العمليات؟ الإجابة ما تزال غامضة في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية.
هل شاركت تركيا في سقوط بشار الأسد؟
تعمق تركيا نفوذها في سوريا مع استمرار تمركز قواتها، مما يكشف عن تحول في استراتيجيتها العسكرية والسياسية.
وأكدت أنقرة استعدادها لتقديم دعم عسكري وتدريبي للإدارة السورية الجديدة، ما يفتح فصلًا جديدًا في العلاقات.
وأعلنت تركيا إعادة فتح سفارتها في دمشق، تعبيرًا عن رغبتها في إقامة علاقات طبيعية مع الحكومة السورية الجديدة.
وصرح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بدور تركيا في إقناع روسيا وإيران بعدم التدخل عسكريًا أثناء هجمات المعارضة.
وأشار فيدان إلى أن تركيا استطاعت تقليل الخسائر البشرية بشكل ملحوظ بفضل تفاهمات مع الأطراف الدولية.
وأكد فيدان أن أنقرة تتمتع بأكبر خبرة في التعامل مع هيئة تحرير الشام والقضية السورية بشكل عام.
هل هناك نفوذ لتركيا على تحرير الشام؟
قال سنان أولجن، الزميل في مركز كارنيغي أوروبا، إن نفوذ تركيا في سوريا يأتي عبر دعم الجيش الوطني السوري.
وأوضح أولجن أن الجماعات الوكيلة تسمح لتركيا بالتأثير في تطورات سوريا، لكنها لا تسيطر على هيئة تحرير الشام.
وتمتلك تركيا بعض المواقع العسكرية في إدلب، التي بقيت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام لسنوات طويلة.
وجود تركيا في إدلب يعني وجود “خط اتصال” مع هيئة تحرير الشام، ولكن التعاون ليس مباشر.
وأكد أولجن أن العلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام تقتصر على التعاون العسكري والميداني فقط، دون السيطرة.
وشدد أولجن على أن افتراض أن تركيا تسيطر على هيئة تحرير الشام يعد “خطأً كبيرًا” في التقدير.
لا تفوت قراءة: كواليس مثيرة تذاع لأول مرة: كيف هرب بشار الأسد من سوريا في 8 ديسمبر؟
ما الدور التركي في سوريا وعلاقته بالحلم العثماني؟
الدور التركي في سوريا يعكس جوانب من طموحات أنقرة الإقليمية، مع التركيز على ما يعتبر “الحلم العثماني”، الذي يثير الكثير من الجدل بشأن علاقته بالتدخلات التركية في المنطقة.
الباحث السعودي خالد الحربي وصف هذا التدخل كجزء من سعي تركيا لإحياء أمجاد السلطنة العثمانية، مشيرًا إلى أن تركيا كانت تسعى إلى استعادة نفوذها في البلاد العربية بعد استعمار دام لأكثر من 400 عام.
ووفقًا للحربي، فإن هذا السعي لتوسيع نفوذ تركيا في العالم العربي تكثف بشكل ملحوظ في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث تدخلت تركيا بشكل مباشر في أزمات عدة، بما في ذلك في سوريا وليبيا، خصوصًا بعد العام 2010.
من ناحية أخرى، يرى مدير مركز إسطنبول للفكر بكير أتاجان أن تركيا لا تنظر إلى سوريا فقط من منظور حلم عثماني، بل تعتبر نفسها الجارة الأقرب لسوريا ولديها مسؤولية تاريخية وسياسية تجاه ما يحدث هناك.
ويضيف أتاجان أن وجود تركيا في الساحة السورية لا يمكن التشكيك فيه، خاصة في ظل التدخلات الروسية والإيرانية التي أدت إلى تفاقم الوضع السوري، مما دفع تركيا إلى تبني دور أكثر فاعلية لحماية مصالح الشعب السوري.
ماذا عن أهداف تركيا في سوريا؟
أهداف تركيا في سوريا تتنوع بين الأمن الإقليمي واستعادة الاستقرار الداخلي، كما أوضح زميل مركز كارنيغي أوروبا للأبحاث، سنان أولجن.
أحد الأهداف الرئيسية لأنقرة هو تحقيق الاستقرار في سوريا بما يكفي للسماح بعودة اللاجئين السوريين بشكل آمن وطوعي، حيث تأمل تركيا في إعادة جزء من 3 ملايين لاجئ سوري يقيمون على أراضيها إلى وطنهم.
إضافة إلى ذلك، كانت تركيا تسعى إلى إزالة التهديد الكردي على حدودها الجنوبية، والذي تعتبره تهديدًا لأمنها القومي، خصوصًا في ظل انتشار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في المنطقة.
من خلال هذه الأهداف، تحاول تركيا الحفاظ على أمنها الداخلي ومواجهة التحديات الأمنية في منطقة الحدود.
وفي نفس الوقت تسعى لتحقيق تسوية دائمة للأزمة السورية بما يتماشى مع مصالحها الإقليمية.