تناقضات السلام: لماذا توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار في لبنان وترفضه في غزة؟
توالت التصريحات بشأن قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، حيث وافقت إسرائيل مبدئيًا على المقترح الأمريكي.
وفي الوقت ذاته، ينتظر الجميع تصويت “الكابينت” (المجلس الأمني المصغر) لمراجعة القرار.
وفي هذا السياق، أكد وزراء في الحكومة الإسرائيلية أن هناك أسبابًا “سرية ومعقدة” دفعت لاختيار هذا الاتفاق رغم عيوبه الظاهرة.
وتعتبر هذه الأسباب جزءًا من استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى استقرار المنطقة.
وهنا يبقى السؤال: لماذا توافق إسرائيل على اتفاق في لبنان بينما ترفضه في غزة؟ فما الذي يميز الوضعين؟ الجواب يكمن في اختلاف الأهداف العسكرية والسياسية في كل من الحالتين.
فيما يخص شروط الاقتراح، فإن النقاش يدور حول مطالب متعددة تتعلق بالأمن الإقليمي، خصوصًا فيما يتعلق بتقوية القوات اللبنانية وتقليص دور حزب الله.
لماذا تريد إسرائيل وقف إطلاق النار في لبنان؟
يبدو أن نتنياهو وشركاءه في الائتلاف اليميني المتطرف على استعداد للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في الشمال، استنادا إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701.
تواجه إسرائيل ضغوطًا أمريكية شديدة لإبرام صفقة وقف إطلاق النار في لبنان.
هدد المبعوث الأمريكي بالانسحاب من الوساطة في حال رفضت إسرائيل الاستجابة إيجابيًا للمقترح.
وفي هذا السياق، أوضح بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية لصحيفة “إسرائيل اليوم” أن هناك “أسبابًا معقدة وسرية” تدفع إسرائيل لقبول الاتفاق رغم العيوب التي قد يتضمنها.
من جانب آخر، أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى أن الحاجة لإراحة قوات الاحتياط على جبهتي لبنان وغزة هي من بين الأسباب الرئيسية التي تدفع إسرائيل نحو الاتفاق.
هذا الاتفاق سيتيح لها الفصل بين الجبهتين وإبقاء حماس وحيدة في مواجهة عسكرية.
وقد أعرب الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن دعمه لذلك بعد أن وعد الناخبين الأميركيين من أصل لبناني قبل الانتخابات بأنه سيجلب السلام إلى وطنهم.
لماذا ترفض إسرائيل تهدئة الحرب في غزة؟
وعن سبب رفض إسرائيل طرح مقترح وقف إطلاق النار حاليا في غزة، يرجع إلى رغبة أقصى اليمين الإسرائيلي في بناء المستوطنات في القطاع، وخاصة في جزئه الشمالي.
ترفض إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة، رغم سيطرتها وقضائها شبه الكامل على قيادات حماس، ورغم حاجتها الملحة لاستعادة حوالي 100 محتجز إسرائيلي.
وبحسب “نيويورك تايمز”، يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أكثر حسمًا في تدمير “حماس” بالكامل مقارنة بـ “حزب الله”، وهو ما يعكس أولوياته العسكرية.
خسائر غزة ولبنان وإسرائيل الاقتصادية
أعلن البنك الدولي أن الصراع في لبنان تسبب في انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.6% هذا العام، مما يعمق الانكماش الاقتصادي في البلاد.
وبذلك، تجاوز الانكماش 34% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
كما قدرت تكلفة الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية بحوالي 8.5 مليار دولار.
أما في إسرائيل، فقد بلغ تكلفة توسيع الحرب على الجبهة اللبنانية فقط خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين نحو 9 مليارات دولار.
وفي قطاع غزة، قدّر المكتب الإعلامي الحكومي الخسائر المالية المباشرة الأولية بحوالي 33 مليار دولار، في ظل الوضع الإنساني والاقتصادي المتدهور هناك.
ماذا عن بنود اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان؟
يتضمن مقترح وقف إطلاق النار في لبنان ثلاث مراحل رئيسية.
تشمل المرحلة الأولى هدنة تليها خطوات انسحاب: يقوم حزب الله بسحب قواته إلى شمال نهر الليطاني، فيما تنسحب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان.
تتضمن المرحلة الثانية مفاوضات إسرائيلية لبنانية تهدف إلى ترسيم المناطق الحدودية المتنازع عليها.
وتشمل مسودة المقترح فترة انتقالية تمتد إلى 60 يومًا، تُنسحب خلالها القوات الإسرائيلية من الجنوب، مع انتشار الجيش اللبناني على الحدود، فيما يتحرك حزب الله إلى شمال النهر.
أما المرحلة الثالثة، فتتعلق بتولي هيئة دولية بقيادة الولايات المتحدة مسؤولية مراقبة وقف إطلاق النار.
ويشمل الاتفاق ضمانات من واشنطن لإسرائيل، تتضمن دعمًا في مواجهة التهديدات الفورية من لبنان.
وذلك إضافة إلى اتخاذ إجراءات لمنع إعادة تمركز حزب الله قرب الحدود أو تهريب أسلحة ثقيلة.
ماذا عن ردود الفعل على المقترح؟
يأتي المقترح لوقف إطلاق النار في لبنان وسط معارضة قوية من وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير.
فقد اعتبر بن غفير أن هذا الاتفاق يمثل “خطأ كبيرًا” ويُعد تفويتًا لفرصة تاريخية لاجتثاث حزب الله نهائيًا.
وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن إسرائيل تشعر بقلق كبير خاصة أن الهدنة السابقة التي تمت في حرب عام 2006 فشلت في تحقيق أهدافها، حيث لم تنجح في إبعاد “حزب الله” عن الحدود الجنوبية لإسرائيل.
أما في لبنان، فقد أكد وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم، الذي ينتمي إلى حزب الله، أن الأجواء حول المقترح إيجابية.
وأضاف وزير العمل اللبناني أن “الأمور بخواتيمها”، مما يعكس الحذر والترقب في التعامل مع هذه التطورات.
إسرائيل تسعى لتحويل حزب الله إلى حزب سياسي
يرى نديم الجميل، عضو مجلس النواب اللبناني عن حزب الكتائب، أن “حزب الله العسكري انتهى”.
وأكد الجميل على أنه أصبح ضعيفًا ميدانيًا لدرجة أنه لم يعد قادرًا على حماية القرى الجنوبية.
وأضاف أن الحزب قد يبقى موجودًا على المستوى السياسي، ولكنه يجب أن يقتصر على العمل السياسي فقط.
في المقابل، صرح وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام أن هناك اتفاقًا بين الولايات المتحدة وإيران لتحويل حزب الله من حزب عسكري إلى حزب سياسي، في خطوة قد تغير من طبيعة دوره في لبنان.
هذه التصريحات تشير إلى تحول محتمل في دور حزب الله في لبنان، مع ضغط دولي ومحلي لدمج الحزب في الساحة السياسية بدلًا من الاستمرار كقوة مسلحة.
آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: غضب عربي متصاعد: كيف رد العرب على المجازر الإسرائيلية في غزة؟