في قلب دارفور الملتهبة، تتصدر مدينة الفاشر حرب السودان المشهد الإنساني الأكثر قسوة، بعدما تحولت عاصمة شمال دارفور إلى ساحة مفتوحة للدمار والنزوح.
وثّقت صور الأقمار الصناعية مشاهد مروعة لجثث محترقة وأحياء مهدمة، عقب سيطرة قوات الدعم السريع على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني.
ترددت عبر الإعلام ومنصات التواصل عبارات مثل “الفاشر بلون الدم” و“أنقذوا الفاشر”، لتلخص حجم الكارثة التي عاشتها مدينة الفاشر حرب السودان بعد شهور طويلة من الحصار والمعارك.
ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة و”اليونيسف”، نزح نحو 600 ألف شخص من المدينة والمناطق المحيطة، نصفهم من الأطفال، فيما ما يزال 260 ألف مدني، بينهم 130 ألف طفل، محاصرين بلا غذاء أو دواء منذ أكثر من 16 شهرًا.
وبين ركام الحرب وصرخات النزوح، تعود الأنظار إلى تاريخ مدينة الفاشر العريق، تلك التي كانت يومًا مناراتٍ للحضارة والسلطنة والعطاء.
لا تفوّت قراءة: ذات مساءٍ في بيت بسيط بالقاهرة.. همست الأم لعبد الوهاب بـ”البوسة في العين تفرق” فصارت أغنية خالدة
الفاشر.. مدينة ضاربة في التاريخ وموقع استراتيجي للإغاثات الإنسانية

تعرف الفاشر بأنها عاصمة ولاية شمال دارفور وواحدة من أقدم المدن السودانية، اشتهرت عبر القرون بلقب “فاشر السلطان”.
وكانت مركزًا سياسيًا وثقافيًا هامًا في عهد سلطنة الفور، التي امتدت سلطتها عبر مناطق واسعة من غرب السودان.
تقع الفاشر شمال دارفور على بعد 800 كيلومتر من الخرطوم و 195 كيلومترًا من نيالا، موقعها جعلها بوابة العبور نحو الإقليم، ومركزا إداريًا حيويًا للمنظمات الدولية وعمليات الإغاثة.


تشغل مدينة الفاشر نحو 57% من إجمالي مساحة إقليم دارفور، وتُعد حلقة وصل استراتيجية تربط السودان بكل من تشاد ومصر وليبيا عبر شبكة طرق واتصالات حيوية.
يبلغ عدد سكانها نحو 1.5 مليون نسمة، بينهم ما يقارب 260 ألف نازح ومحاصر داخل المدينة في ظل ظروف إنسانية قاسية.
عرفت الفاشر تاريخيًا كمركز تجاري رئيسي لتبادل السلع بين غرب السودان ودول الجوار، ما جعلها هدفًا محوريًا في الصراع الدائر.

لا تفوّت قراءة: أماكن سياحية منسية لم تسمع عنها من قبل.. اكتشف سحر مصر المخفي في 8 وجهات مذهلة
أصل تسمية مدينة الفاشر.. بين الروايات والأسطورة

تروى عدة قصص حول اسم المدينة، إحداها تشير إلى أن “الفاشر” تعني مجلس السلطان، بينما تقول أخرى إن الاسم مأخوذ من اسم ثور أسطوري يدعى “فاشر” اكتشف نبع ماء في المنطقة.
وهكذا ارتبطت مدينة الفاشر حرب السودان بتاريخٍ يمتزج فيه الواقع بالأسطورة والروح الشعبية العريقة.
لا تفوّت قراءة: من واحات الصحراء إلى ضفاف النيل.. اكتشف أجمل فنادق البوتيك في مصر
إرث مقدس.. حين كانت الفاشر تكسو الكعبة
كانت الفاشر في أوج مجدها مركزًا دينيًا وتاريخيًا مرموقًا، خلال عهد سلطنة الفور أنشأ السلطان علي دينار مصنعًا لصناعة كسوة الكعبة المشرفة، واستمر في إرسالها إلى مكة سنويًا قرابة عشرين عامًا.
كما عرف السلطان بتمويله لحفر آبار علي وتجديد مسجد ذو الحليفة بالمدينة المنورة، ما جعل اسم الفاشر مقترنًا بالعطاء الديني والإنساني.
لا تفوّت قراءة: “رسالة إلى السلام” من قلب المتحف المصري الكبير.. ناير ناجي يوقظ التاريخ الفرعوني بالموسيقى
مدينة الفاشر.. اقتصاد نابض بين الزراعة والتجارة

اعتمدت المدينة على زراعة الدخن والفول والسمسم، وتربية المواشي والإبل، ما جعلها مركزًا اقتصاديًا مزدهرًا.
كما تضم ثلاثة أسواق كبرى هي: السوق الكبير، سوق أم دفسو، وسوق المواشي، التي كانت تعج بالحركة قبل اندلاع الحرب.
واليوم، يذكّر الدمار الذي أصاب تلك الأسواق بمدى الخسائر التي لحقت باقتصاد مدينة الفاشر حرب السودان نتيجة الحرب المستمرة.

لا تفوّت قراءة: دليلك الزائر للمتحف المصري الكبير.. تجربة لا مثيل لها بين الكنوز التاريخية وأفضل التجارب الترفيهية
مدينة فاشر.. من التراث الإنساني إلى رماد الحرب
كانت الفاشر مركزًا للثقافة والتعليم في دارفور، وتضم قصر السلطان علي دينار الذي تحول إلى متحف يعرض تاريخ السلطنة ومقتنياتها الأثرية.
وقد اختارت بعثة يوناميد المدينة مقرًا رئيسيًا لها عام 2008، ما ساهم في تطوير بنيتها التحتية وتعزيز مكانتها الدولية.
أدرجت اليونسكو قصر السلطان ومتحفه ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي عام 2023، تقديرًا لقيمته التاريخية والثقافية.

قصر السلطان بناه أحد أشهر وأعظم السلاطين الذين حكموا الإقليم – بل ربما أعظم سلاطين السودان – وهو السلطان علي دينار.
لكنّ الحرب لم تستثنِ هذا الرمز، إذ تضرر القصر جراء القصف الأخير، لتصبح مدينة الفاشر حرب السودان شاهدًا على تدمير ذاكرة حضارية عمرها قرون.
ناهيك عن مسجد الفاشر العتيق هو أول مسجد ومركز للنشاط الديني تم تشييده في دارفور.

لا تفوّت قراءة: أين تجد ألذ الأطباق بعد زيارة المتحف المصري الكبير؟ مطاعم لا تفوّتها
الفاشر.. ثروات ومعادن وذاكرة مقاومة!

تميزت الفاشر بثروات طبيعية ضخمة يضم الإقليم نحو 20% من الثروة الحيوانية في السودان، إضافة إلى احتياطات كبيرة من المعادن مثل الحديد والرصاص والكروم والنحاس والألومنيوم والنيكل واليورانيوم.
سكانها ينتمون إلى قبائل الفور والزغاوة والمساليت، وهي القبائل التي لعبت دورًا محوريًا في مقاومة الاستعمار والنزاعات اللاحقة.

كانت الفاشر مدينة المجد والسلطة وكسوة الكعبة، واليوم غدت مدينة للأنين والرماد، لكن رغم الألم، ما يزال فيها ما يذكر العالم بأن مدينة الفاشر ليست مجرد ساحة قتال، بل رمزٌ لتاريخٍ طويل من الصمود والكرامة.


