كيف جعلت منا الأحداث الحالية قراء وسياسيين من الدرجة الأولى؟

في خضم الأحداث التي يشهدها ويعيشها العالم من حرب إبادة ممنهجة على قطاع غزة منذ أكثر من شهر، أصبح الحديث الأول والشاغل الأساسي هو القضية الفلسطينية وتباعاتها وما ورائها، لا يصوت يعلوا فوقها ولا حديث يطغى على حديثها، وإذا أخطئنا وتحدثنا في موضوع آخر لن نطل ونرجع لمرجوعنا الأصلي.. فكيف هذا وكيف تحولنا الأحداث بشكل عام لقراء وساسة لم يكن لديهم المستوى الأدنى من الوعي قبلها؟

كيف تجعل منا الأحداث قراء من الدرجة الأولى؟

ذلك الحدث وغيره من الأحداث التي تظهر فجأة على الساحة وتشغل جزء كبير من حياتنا، تحولنا وبدون قصد لقراء وسياسيين، وتنشأنا على عادات لم يعتاد عليها بعض الناس، عادات غيرت من شكل اهتمامتهم اليومية الطبيعية، فأصبحت تسمع الأحاديث والمناقشات في كل مكان على القهاوي والأرصفة في الشوارع وفي الجامعات والعمل.

حتى وإذا أردت شراء شيء من البقالة على سبيل المثال وكنت تتحدث مع شخص بجانبك عن الأوضاع تفاجيء بصاحب البقالة يرد عليك بإجابات وأدلة قرأ عنها في صحفية على الانترنت، أو سمعها في نشرة الأخبار أو سمعها من شخص آخر جرى حديث معه خلال مكالمة كان أساسها اتفاق على موعد ولكن تحول الحوار “قرأت هذا الخبر؟” “سمعت عن آخر ما قاله فلان؟” وتنتقل بعدها لشراء تذكرة مترو فتفاجيء أن معظم الأحاديث عن ما يحدث الآن.

البداية كانت من وإلى القهوة

ولو نظرنا لبداية الأحاديث الجانبية والحوارات المتنقلة سنجد على سبيل المثال القهاوي البلدية في حد ذاتها والمصرية على وجه الخصوص، على مدار تاريخها كانت ملجأ للساسة والمناضلين أيام الاحتلال الأجنبي على أرض مصر، فكانت تخرج منها الأحاديث والمواضيع والقرارات والمنشورات.

ولكن في عصر السوشيال ميديا، تحولت المواضيع فأصبح مصدرها من السوشيال ميديا والصفحات الالكترونية ومن ثم انتقلت لأحاديثنا في البيوت والشوارع، وحتى الأسواق الشعبية فإذا كنت من مرتاتديها بكثرة ستسمع مناقشات دائرة بينهم وجهًا لوجه وكلاً منهم يملك حجته وآراءه ووجهة نظره عن الأوضاع.

ليست مرتبطة بالحروب وحدها

ولعل التلك الحالة التي نعيشها ونغوص فيها ليست فقط مرتبطة بالحروب أو الصراعات، ولكن في أي حدث يأثر علينا بشكل أو بآخر كالأزمات الصحية، فعلى سبيل المثال فيروس كورونا الوباء الذي أجتاح العالم لحوالي ثلاث سنوات، وخلف العديد من الضحايا والخسائر المادية والنفسية لم يمر على العالم مرور الكرام.

بل حولهم رغمًا عنهم لقراء في مجال الصحة والوقاية أولًا كيف نحمي أنفسنا، ما هي الاحتياطات التي يجب اتباعها ما الأطعمة التي تقوي المناعة، كيفية تطهير المنازل لحد وصل إلى تحضير دراسات وكتب في الوصفات التي قرأنا عنها، وأصبح كله لديه العلم والمعرفة ويسأل الآخر عن أنسب طريقة ونتبادل الخبرات.

كذلك بالنسبة للأحداث السياسية مثل وضعنا الحالي وخاصة بما كان لا يملك القدر الكافي من المعرفة من الأجيال الجديدة، أو حتى من الأجيال التي لم تكن مهتمة في مرحلة ما من حياتها بمعرفة ما يحدث في العالم الخارجي، ومكتفية بمجتمعها الصغير المنغلق، فبدأو في قراءة التاريخ والبحث لمعرفة ماذا يحدث ولماذا كل هذا، حتى عند قراءة حدث أو تم سؤالهم يكونوا على قادرين على الرد ويكون لديهم قدر من التفاعل أيضًا مع المحيطين.

الأحداث الهامة على مدار التاريخ امتلكت ومازالت قوة ورهبة في تغييرنا وتغيير ما أعتدنا عليه ولو لفترة قصيرة، تغير في نمط الحياة أو الاهتمامات أو حتى الأفكار، وعلى رأسهم أن الأحداث تجبرنا أن نتحول لساسة يتحدثون ولديهم وجهات نظر حتى ولو كانت بشكل سطحي أو كما يقولون “على ضيق”.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: إبادة في غزة وغزو للعراق: تصريحات متشابهة والغرض واحد

تعليقات
Loading...