شجرة الكريسماس عند الفراعنة: كيف احتفل المصريون القدماء برأس السنة الجديدة؟

في فجر التاريخ، لم يكن الفراعنة مجرد بناة للأهرامات، بل كانوا أيضًا مبتكرين لاحتفالات دينية واجتماعية تواكب تقاويمهم الفلكية وحركات النجوم، مثل احتفال رأس السنة الجديدة.

لم تكن بداية السنة بالنسبة لهم مجرد يوم عادي في التقويم، بل كانت لحظة فريدة تمثل تجديد الحياة والأمل.

بدأ المصريون القدماء الاحتفال برأس السنة من خلال طقوس دينية مهيبة، تجسد ارتباطهم العميق بالأرض والمياه، حيث ارتبطت احتفالاتهم بموسم فيضان النيل، الذي كان يعيد الحياة والخصوبة للأراضي.

لكن مع مرور الزمن، تحولت هذه التقاليد لتصبح جزءًا من ثقافات وأديان أخرى.

بينما كانت معظم الشعوب تحيي رؤوس سنواتها الخاصة، تطورت بعض العادات التي امتزجت مع أعياد دينية جديدة، كان أبرزها الاحتفال بعيد الميلاد.

وفي العصر الحديث، أصبحت شجرة عيد الميلاد رمزًا عالميًا للفرح، وتحولت إلى جزء أساسي من احتفالات رأس السنة.

شجرة الكريسماس التي نعرفها اليوم لم تكن مجرد شجرة، بل كانت تمثل تجسيدًا للأمل والنور في قلوب الناس.

ولكن، كيف نشأت فكرة تزيين الشجرة، وما الذي يميزها في ثقافات مختلفة؟ هل كانت هناك جذور قديمة لهذه التقاليد التي وصلت إلينا في شكلها الحديث؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال رحلة عبر الزمن.

دعونا نستكشف معًا كيف تطور هذا التقليد القديم إلى رمز احتفالي عالمي يتجاوز الحدود والثقافات، ويحمل في طياته قصصًا وحكايات عن الأمل والتجديد.

لا تفوّت قراءة: أجمل حفلات رأس السنة الجديدة 2025 في الدول العربية: أين تذهب للاحتفال؟

الفراعنة أول من عرف عيد رأس السنة قبل 7 آلاف عام

ذكر عالم آثار مصري أن “الفراعنة” هم أول من عرفوا الاحتفال بـ “عيد الميلاد” قبل أكثر من 7 آلاف عام، أي قبل ما يزيد على 5 آلاف عام من ميلاد المسيح.

هذا الاحتفال، بحسب قوله، انتقل إلى الحضارات الأخرى في العالم وأوروبا عبر البحر المتوسط.

وأوضح عبدالرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية بوزارة الآثار، أن أقدم تقويم عرفته البشرية كان “التقويم المصري القديم”، والذي عرف باسم “التقويم التحوتي المقدس”.

هذا التقويم بدأ العمل به في العام الأول لحكم الملك “أثوتيس”، ابن الملك مينا، في عام 5557 قبل الميلاد.

وأضاف ريحان أن بداية “العام التحوتي”، أو ما يعرف بـ “عيد رأس السنة”، كانت توافق التاسع من يوليو في التقويم الميلادي الحالي.

وبذلك، بدأ المصريون الاحتفال بهذا اليوم قبل 7523 سنة، ليكون بذلك “أول عيد عرفته البشرية”.

لا تفوّت قراءة: أفضل 8 أماكن مذهلة للاحتفال بعطلة رأس السنة: أين ستقضيها؟

رأس السنة الميلادية عند القدماء المصريين

في قلب التاريخ المصري القديم، كان المصريون يحتفلون برأس السنة بطريقة فريدة ومبهجة عرفت بـ”عيد إبت رنبت”، أي رأس السنة المصرية القديمة.

كان هذا العيد لحظة مفصلية في حياة المصريين، حيث يمثل بداية جديدة، ليس فقط للعام، ولكن للطبيعة والخصب، التي كانت محورية في حياتهم.

ويكتسب الاحتفال برأس السنة الجديدة طابعًا خاصًا، حيث كان يوافق الشهر الثاني من فيضان نهر النيل، ذلك الحدث الطبيعي الذي كان يحمل في طياته الحياة الجديدة للأرض.

وكان المصريون القدماء ينتظرون هذا الشهر بكل شغف، استعدادًا لاستقبال مهرجان رأس السنة، الذي كان يحمل معاني عميقة.

بدأ الاحتفال برأس السنة الجديدة بتجهيزات ضخمة، حيث كان يشمل موكبًا عظيمًا يخرج من معبد الكرنك، متجهًا إلى معبد الأقصر، في مشهد رائع يشبه الاحتفالات الملكية.

Festivals in Ancient Egypt | Ancient Egyptian Festivals | Egypt Tours Portal

موكب تماثيل الآلهة: إعلان بداية السنة

كان يتضمن هذا الموكب تماثيل الآلهة، أبرزها تمثال “آمون” إله الخلق، و”موت” إلهة الأمومة، و”خونسو” إله القمر.

وكان هذا الموكب يعد حدثًا دينيًا عظيمًا، يعكس مدى أهمية الآلهة في حياة المصريين وتقديرهم لها.

يمتد الاحتفال برأس السنة على مسافة تفوق الكيلومترين، حيث كان يجرى نقل التماثيل المقدسة عبر الشوارع والأماكن المقدسة، مترافقًا مع طقوس دينية وروحية.

ويشمل هذا الاحتفال تمثال “آمون” حيث كان بمثابة إعلان لبداية العام الجديد في حياة المصريين، وهو ما جعلهم يشعرون بارتباط وثيق بين دينهم وطبيعتهم.

هذه الاحتفالات تمثل جزءًا من تاريخ مصر العظيم، وهي تشير إلى أن الاحتفال برأس السنة لم يكن مجرد تقليد زمني، بل كان رمزًا لتجديد الحياة والبدايات الجديدة.

وفي الوقت الذي نعيش فيه اليوم، قد تتجلى بعض تفاصيل هذا الاحتفال القديم في موكب الأقصر المعروف باسم “موكب طريق الكباش”، الذي أعيد عرضه منذ عامين في مشهد مهيب.

وبذلك، يظل عيد “إبت رنبت” شاهدًا على عظمة الفراعنة وحضارتهم التي أبدعت في خلق طقوس دينية مميزة تتناغم مع الطبيعة، وكانت بداية كل عام لديهم بمثابة تجديد للأمل والتفاؤل.

تهاني المصريين القدماء في رأس السنة: سنة خضراء

كان الاحتفال برأس السنة في مصر القديمة مفعمًا بالرمزية والاحتفالات الفاخرة، التي أضفت طابعًا خاصًا على المناسبة.

كان المصريون القدماء يتبادلون التهاني بعبارة “سنة خضراء”، وهي عبارة تعبر عن الأمل في حياة جديدة ومزدهرة.

وكانت الشجرة الخضراء رمزا لهذا التجدد، وهو ما يعكس ارتباطهم العميق بالطبيعة واعتبارها جزءًا من دورة الحياة.

تزامنًا مع هذا الاحتفال، أضافت الملكة كليوباترا لمسة من الفخامة بابتكار “كرنفال الزهور”، الذي أصبح أحد أبرز مظاهر العيد.

وهذا الكرنفال كان يتضمن تزيين الأماكن بالزهور، ويعتبر اليوم رمزًا للإبداع المصري القديم في تنظيم المهرجانات الشعبية.

وارتبط هذا الكرنفال بعيد رأس السنة، خاصة عندما تزامن مع جلوس الملكة على العرش، ليضيف بعدًا ملكيًا للمناسبة.

أكلات يتناولها القدماء المصريون في رأس السنة

المأكولات كانت جزءًا أساسيًا من الاحتفال، حيث تناول المصريون القدماء البط، الإوز، والأسماك المجففة بكميات وفيرة خلال الأعياد.

وكانت المشاهد التوثيقية التي زينت جدران معبد “دندرة” تبرز هذا الجانب المميز من الاحتفالات.

وقد أظهرت هذه الجداريات المصريين وهم يتناولون الطعام والشراب في احتفالية تعكس حجم السعادة والفرح بهذه المناسبة.

ومع مرور الوقت، أصبح هذا العيد ذا طابع دنيوي في فترة الدولة الحديثة.

تحول الاحتفال من عيد ديني إلى عيد شعبي، مما يعكس تطور التقاليد واندماجها في الثقافة المصرية على مر العصور.

آراء علماء مصريات من ألمانيا وفرنسا واليونان: كيف احتفل المصريون القدماء برأس السنة؟

عالم المصريات الألماني شوت سيجفريد كان قد رصد وجود تفاصيل للاحتفالات المصرية القديمة بعشرات الأعياد على جدران معابد مدينة هابو.

كان المصريون يخرجون تمثال “حتحور” ربة السعادة في رأس السنة لمنح الحياة لعام جديد، وفقًا لكريستيان دي روش.

بحسب عالمة المصريات الفرنسية، في معبد دندرة، كان المصريون يحتفلون برأس السنة بموكب ديني يحمل تمثال “باي” طائر برأس امرأة.

تمثال “باي” كان يوضع داخل ناووس زجاجي ويجوب به الكهنة المعبد وسط أجواء من البهجة.

في تلك الأوقات، كانت الاحتفالات برأس السنة تستمر لعدة أيام وليال، حيث تتخللها مختلف الطقوس الاجتماعية مثل حفلات الخطبة والزواج.

وأشار المؤرخ اليوناني هيرودوت إلى أن أعياد مدينة بوباسطة شهدت قدوم مئات الآلاف من الزوار والحجاج.

متى بدأ تقليد شجرة الكريسماس؟

في مصر القديمة، عبد المصريون الإله رع، الذي كان يجرى تصويره برأس صقر ويرتدي الشمس كرمز في تاجه.

وكان المصريون يرون في الانقلاب الشمسي بداية تعافي رع من مرضه. لهذا السبب، كانوا ينصبون نخيلاً أخضر في بيوتهم كرمز لانتصار الحياة على الموت.

شجرة الكريسماس: عودة أوزوريس إلى الحياة بعد الموت

شجرة الكريسماس، التي تُعد اليوم رمزًا عالميًا لاحتفالات عيد الميلاد، لها جذور مصرية قديمة تعود إلى عصور الفراعنة.

كان يعتقد المصريون القدماء في فكرة الحياة المتجددة التي تنبعث بعد الموت، وقد تجسدت هذه الفكرة في شجرة خضراء.

الاحتفال بشجرة الكريسماس يعود جذوره إلى احتفال المصريين القدماء بما يُعرف بـ”قيامة أوزوريس”، حيث كان يُحتفل بعودة أوزوريس إلى الحياة بعد موته.

وقد جرى تمثيل هذا الحدث المقدس من خلال زراعة شجرة كبيرة في الميادين العامة، حيث كان الكهنة يزرعونها كرمز لاستمرار الحياة في عالم ما بعد الموت.

هذه الشجرة، التي كانت تعرف بـ “شجرة الحياة”، كانت تمثل تجدد الحياة وعودة الروح إلى العالم الفاني، وهي نفس الرمزية التي يحملها شجر الكريسماس في العصر الحديث.

يوضح العالم جيمس هنري في كتابه “فجر الضمير” أن هذه الشجرة كانت تمثل “أوزوريس”، وهي رمز للبعث والحياة الجديدة.

تقليد شجرة الكريسماس: إشارة إلى تجدد الحياة في كل عام

وكانت الشجرة تُرفع وتُزرع في محفل كبير، في إشارة إلى تجدد الحياة في كل عام، وهو ما يعكس الاحتفال الدوري بهذه المناسبة الهامة في الثقافة المصرية القديمة.

من جانب آخر، أضاف الباحث ويليام نظير في كتابه “العادات المصرية بين الأمس واليوم”، أن المصريين القدماء كانوا يؤمنون أن المعبود “أوزوريس” هو مصدر الحياة والطاقة التي تمدهم بالقوت.

وفي الأساطير المصرية، كان “أوزوريس” هو الإله الذي يمثل القوة المبدعة، وكان يُرمز له بسنابل الحبوب التي تنبت من جسده، مما يعكس ارتباطه المباشر بالحياة والخصوبة.

وفي كل عام، كان المصريون يقيمون احتفالًا كبيرًا حول شجرة تُزرع وتُزين بالحلي، تمامًا كما نفعل اليوم مع شجرة الكريسماس.

هذه العادات المصرية القديمة، التي تمثل رمز الحياة والتجدد، شكلت الأساس لما نعرفه الآن بشجرة عيد الميلاد، حيث استمر هذا التقليد عبر الأزمان ليصبح جزءًا من الاحتفالات الحديثة.

كيف انتقلت احتفالات المصريين القدماء إلى أوروبا؟

انتقلت عادة الاحتفال بشجرة الحياة الخضراء من مصر القديمة إلى مناطق مختلفة من العالم.

بدأ الأمر في مصر حيث كانت الشجرة تمثل البعث والحياة المتجددة، ثم انتقلت إلى سوريا ومن هناك إلى بابل.

عبرت هذه العادة البحر الأبيض المتوسط لتظهر في الاحتفالات الرومانية، حيث كانت تُزين الأشجار وتُقدم كرمز للحياة والخصوبة.

ومع مرور الوقت، تطور هذا التقليد ليصل إلى الاحتفالات المسيحية حيث أصبحت شجرة الكريسماس رمزًا لعيد ميلاد المسيح.

شجرة الميلاد، التي يتميز بعضها بالخضرة الدائمة مثل شجر السرو والصنوبر، أصبحت جزءًا من الاحتفالات في جميع أنحاء العالم.

بهذا الشكل، قدم المصريون القدماء للعالم فكرة شجرة الميلاد، التي ما زالت تزين منازل الملايين في كل عام، كرمز للتجدد والحياة المستمرة.

لا تفوّت قراءة: هل خرج النبي موسى من مصر؟ جدل مستمر بين علماء الآثار ورجال الدين والمفكرين

تعليقات
Loading...