في قلب الشرق الأوسط، تمتد على ضفاف الذاكرة مدنٌ كانت يومًا نابضة بالحياة، تحوّلت بفعل الحرب إلى أطلالٍ تحمل بين جدرانها صدى الألم وصورًا من ماضٍ قريب.
سوريا، التي كانت تُعرف بأرض التاريخ والحضارة، تواجه اليوم سؤالا وجوديا يتردد في الأروقة الدولية: كم تبلغ تكلفة إعادة إعمار بلدٍ أنهكته الحرب منذ 2011؟
أكثر من عقدٍ من الدمار ترك خلفه مدنًا مهدّمة، وبنية تحتية منهارة، وملايين فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم.
ومع كل تقدير جديد لتكلفة الإعمار، تتكشف أرقامٌ فلكية تظهر عمق الجراح التي لحقت بالاقتصاد السوري، إذ تشير التقارير الأممية إلى أن إعادة بناء سوريا قد تتطلب مئات المليارات من الدولارات، لتعود فقط إلى ما كانت عليه قبل الحرب.
لكن المسألة لا تتعلق بالأموال وحدها، بل بإرادة الإعمار نفسها. فالتحديات السياسية، والعقوبات الاقتصادية، والانقسامات الميدانية تجعل من إعادة بناء سوريا مهمةً شبه مستحيلة في المدى القريب.
وبينما يعلّق السوريون آمالهم على مستقبلٍ أكثر استقرارًا، يبقى السؤال مطروحًا: من سيعيد رسم ملامح وطنٍ تحوّل إلى أنقاض، وكم سيكلف الحلم بأن تنهض سوريا من جديد؟
لا تفوّت قراءة: وجوه وقصص من الجونة 2025.. لقطات لا تنسى صنعت دفء المهرجان
كم ستكلف عودة سوريا إلى الحياة بعد أكثر من عقد من الحرب؟

قدّر البنك الدولي تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 216 مليار دولار، بعد أكثر من 13 عامًا من الصراع الذي دمّر الاقتصاد والبنية التحتية.
وبحسب تقرير “التقييم الكلي-المالي لسوريا” الصادر هذا العام، تمثل هذه التكلفة نحو عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لعام 2024 البالغ 21.4 مليار دولار.
هذا الفارق الهائل بين الناتج المحلي وتكلفة الإعمار يبرز حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد في رحلة العودة إلى الاستقرار والتنمية من جديد.
لا تفوّت قراءة: “رسالة إلى السلام” من قلب المتحف المصري الكبير.. ناير ناجي يوقظ التاريخ الفرعوني بالموسيقى
ما حجم الدمار الحقيقي في سوريا؟

أوضح البنك الدولي أن تكلفة إصلاح الأضرار في المباني والبنية التحتية تُقدّر بنحو 108 مليارات دولار، في أرقام تكشف عمق الأزمة الإنسانية والاقتصادية.
وتعدّ حلب وريف دمشق وحمص المحافظات الأكثر تضررًا، حيث بلغت قيمة الأضرار فيها 31 مليار دولار و22 مليار دولار و11 مليار دولار على التوالي.
ومع ذلك، شدّد التقرير على أن هذه التقديرات غير نهائية، إذ إن تقلّب الأوضاع الأمنية والسياسية قد يزيد من تكاليف إعادة الإعمار بشكلٍ كبير خلال السنوات المقبلة.
لا تفوّت قراءة: جمال الأمومة في أبهى صوره.. النجمات الحوامل يتألقن بإطلالات فريدة في المهرجانات
هل يبدأ طريق التعافي من البنك الدولي؟

قال جان كريستوف كاريه، مدير قسم الشرق الأوسط في البنك الدولي، إن التحديات المقبلة هائلة، لكن البنك مستعد للعمل مع الشعب السوري والمجتمع الدولي لدعم جهود الإعمار.
وأشار إلى أن الالتزام الجماعي والعمل المنسّق يمثلان أساسًا لنجاح عملية إعادة البناء، مؤكدًا أن برامج الدعم الشاملة والمنظّمة ضرورية لدفع سوريا نحو التعافي والتنمية المستدامة.
وهكذا، يبدو أن الطريق أمام سوريا طويل ومعقّد، لكنه ليس مستحيلاً إذا ما توحّدت الجهود وتوفّرت الإرادة لإحياء ما دمّرته الحرب.
لا تفوّت قراءة: إطلالات ملكية على السجادة الحمراء: أبرز مجوهرات النجمات في مهرجان الجونة السينمائي 2025
كيف أثّرت الحرب على الاقتصاد السوري؟

تعرّض الاقتصاد السوري لدمار واسع نتيجة الحرب المستمرة منذ نحو 14 عامًا، ما تسبب في انهيار البنية التحتية ونزوح مئات الآلاف من السكان.
ووفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في يوليو، انكمش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بأكثر من 50% منذ عام 2010، في تراجع تاريخي غير مسبوق.
كما هبط دخل الفرد القومي الإجمالي إلى نحو 830 دولارًا فقط في عام 2024، وهو مستوى أقل بكثير من الحد الدولي للدول منخفضة الدخل، ما يعكس عمق الأزمة الاقتصادية.
لا تفوّت قراءة: لأول مرة في التاريخ.. 7 منتخبات عربية حجزت مقاعدها في كأس العالم 2026
هل بدأ الاقتصاد السوري بالتعافي؟

توقّع البنك الدولي أن يحقق الاقتصاد السوري نموًا طفيفًا بنسبة 1% فقط هذا العام، بعد انكماشه بنسبة 1.5% في عام 2024، وسط استمرار التحديات الأمنية ونقص السيولة.
وأشار التقرير إلى أن عدة دول بدأت تكثّف دعمها المالي لسوريا، مع تركيز متزايد على إعادة بناء الاقتصاد الوطني وتمهيد الطريق نحو التعافي المستدام.
ورغم أن المؤشرات الإيجابية لا تزال محدودة، فإنها تمثل بصيص أمل لاقتصادٍ أنهكته الحرب ويسعى ببطء لاستعادة عافيته.
لا تفوّت قراءة: من واحات الصحراء إلى ضفاف النيل.. اكتشف أجمل فنادق البوتيك في مصر
من يدعم سوريا في رحلة الإعمار؟
أعلنت المملكة العربية السعودية وقطر، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عن تقديم دعم مالي بقيمة 89 مليون دولار لسوريا الشهر الماضي.
ويأتي هذا الدعم بعد أن سدّد البلدان ديون سوريا للبنك الدولي البالغة 15.5 مليون دولار في مايو الماضي، في خطوة تهدف إلى تمكين دمشق من الحصول على منح إعادة الإعمار.
وبهذا التنسيق الدولي، تتجدد بوادر الأمل في استعادة الاستقرار الاقتصادي، وفتح الطريق أمام سوريا للعودة إلى التنمية تدريجيًا بعد سنواتٍ من الدمار.
لا تفوّت قراءة: قبل الشراء: أيهما أنسب لك؟ مقارنة بين شاومي 17 برو ماكس وآيفون 17 برو ماكس
هل تمهّد المساعدات الدولية الطريق لإعمار سوريا؟

في يونيو الماضي، خصّص البنك الدولي مبلغ 146 مليون دولار لدعم جهود إعادة تأهيل شبكة الكهرباء في سوريا.
وقال يسر برنية، وزير المالية السورية، إن الوقت قد حان لتوحيد الجهود الدولية لمساعدة سوريا على استعادة بنيتها التحتية.
وفي الوقت ذاته، تأمل الحكومة في تخفيف العقوبات الاقتصادية، بينما تسعى إلى استقطاب الاستثمارات الخارجية لدعم التنمية.