عن النساء الذكوريات: هل هي حرب النساء ضد النساء؟
في البداية، نقدر نعرّف الذكورية على إنها مجموعة من السلوكيات والأفكار اللي من خلالها بيقدر الرجالة يسيطروا على النساء في أي مجتمع.
المنطقة العربية بتشهد صحوة نسوية شديدة النشاط، أثبتت وجودها بقوة وعِند مبهرين على الساحة الثقافية والاجتماعية للشعوب العربية. ويمكن واحدة من أكتر مظاهر النشاط النسوي ظهورًا على الساحة هي نشاط النسويات على مواقع السوشيال ميديا، واللي بتناقش قضايا النساء، ضحايا الذكورية، في محاولة لتغيير الرأي العام وهز ثوابته الأبوية. لكن هنلاحظ إن كتير من التعليقات على البوستات اللي من النوعية دي هي لنساء بتهاجم النسويات والنسويين بقوة وبتعتبرهم مُخرِبات ومُفسِدات، بسبب نشاطهم في تغيير الصورة النمطية للست في الثقافة الذكورية.
نقدر نشوف مثال واضح جدًا للنساء اللي بتهاجم النسوية في ردود الأفعال على خبر جلوس النساء على كرسي القضاء في مصر لأول مرة في التاريخ، وهنلاحظ إن تعليقات النساء فيها جزء شايف إن ده خبر وحش جدًا وانهيار لمبادئ المجتمع، ودي تعليقات ما نقدرش نتجاهلها.
التعليق اللي فوق ده من واحدة ست بتقول إنها لو دخلت محكمة ولقت القاضي ست، مش هتقبل بحكمها ولا هتقتنع به، حتى لو كان في صفها. وده فيه تصغير وتحقير للنساء وقدرتهم على الحكم على الأمور بمنطقية، زيّ ما يكونوا أقل درجة من الإنسان الطبيعي القادر على وضع الأمور في نصابها بمنطقية.
وهنا، البنت بتقول إن الستات اللي بيبقوا شاطرين في مهنتهم قليلين، وبتفوض أمرها لله “عليه العوض” وهي بتتوقع فساد المحاكم بسبب جلوس النساء على كرسي القضاء. النوع ده من التعليقات مزعج للي بيتشغلوا في القضايا النسوية في المنطقة العربية، لإن خطورته بتيجي من تهديد إرادة النسوية من الداخل، واللي بتعتمد في صراعها ضد الذكورية على تضامن النساء (أصحاب الحق) مع بعض في مواجهة مجتمع اتعشقت فيه الأفكار الكارهة للنساء.
والنوع ده من النساء هو اللي بنقول عليه “النساء الذكوريات”، وهتلاقيهم بيهاجموا ضحايا التحرش ويبرروه باللبس مثلًا، وإن النساء هما السبب في أي جريمة ذكورية بتقع عليهم، وهما اللي بيهاجموا الدعوة لحرية النساء وبيعتبروها انحلال أخلاقي. وكتبت منة بارح مقال عن مفهوم النساء الذكوريات، اللي بيناقش نوع من النساء اللي بينتفعوا من الذكورية وبالتالي بيشجعوها، وبيحسوا بالتهديد من النسوية اللي شايفين إنها جاية تاخد منهم امتيازاتهم داخل المجتمع الذكوري، وده نوع مختلف من النساء الذكوريات تقدروا تعرفوا عنه أكتر من هنا.
بسبب ردود فعل النساء الذكوريات دول على القضايا النسوية في المنطقة العربية، بينشط الهجوم الشديد من النسويين والنسويات عليهم وبيتهموهم بكراهية النساء، وهو هجوم مفهوم نظرًا لخطورة انحياز النساء نفسهم للثقافة اللي بتمارس عليهم العنف، وكون الانحياز ده عنده القدرة على تدمير النشاط النسوي من الداخل. يبقى الأولوية للصراع النسوي هي قتل الآفة الداخلية الخطيرة دي، صح؟ لأ، غلط.
هل تكره النساء حقًا النساء؟
في كتابه “تاريخ العصامية والجربعة“، بيقول محمد نعيم إن هجرة العمالة المصرية بالألاف للدول العربية اللي فيها بترول خلال فترة التمانينات كان له أثر كبير على المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي للمصريين.
الجزء الأكبر من المهاجرين المصريين لدول الخليج كان من صعيد مصر، وكشاب من الصعيد عاش كل طفولته وجزء كبير من بداية شبابه هناك، أقدر أنقل، من وجهة نظر شخصية، واقع هجرة رجالة الصعيد بالألاف للدول دي وترك أرضهم وعائلاتهم متخبطة في مجتمع ذكوري بلا ذكور.
خلال نشأتي في صعيد مصر، كان جزء كبير من الأسر الموجودة حواليا بتتكون من نساء بالكامل، نظرًا لهجرة كل رجالهم للخليج، وأول حاجة تقدر تلاحظها على نساء الأسر دول هو كونهم إناث بالجسد ولكن ذكور بالفكر والتصرف، وعندهم نفس توجهات المجتمع الذكوري في ممارسة العنف ضد النساء، ولكن بشكل أقسى.
في غياب ذكر الأسرة، بتتحول مبادئ الشرف والعفة لسيف على رقاب الأسر دي، وهتلاقي العنف الذكوري بيتمارس من نساء على نساء بشكل أفظع وأشد من العادي، لدرجة إن النساء في الصعيد هما اللي بيدفعوا وبيشجعوا على قتل النساء في جرايم الشرف. كشاهد للوقائع دي، كنت مؤمن بشدة إن النساء تكره النساء، وإنهم أسوء عدو للنسوية، ولكن دي مش الحقيقة.
ازاي اتحولت النساء للإيد الباطشة للمجتمع الذكوري؟
النساء دول هما نتيجة أو byproduct للمجتمع الذكوري، والمجتمع ده بيحط الست في موقع الحافظ gatekeeper، فالست هي المسئولة عن حفظ شرف وعفة الأسرة من خلال حفظ قواعد الذكورية الصارمة داخل البيت، ولإن الشرف في مصر والمنطقة العربية ككل موضوع حساس جدًا وخطير وقادر على تهديد وجود الأسرة ككل، بقى الدور اللي اختصت به النساء دور حاسم في الوجود الأسري، وده بيفسر إن النساء هم المُشجع الأول والأعند في جرائم الشرف.
نساء بتمارس العنف الذكوري اللي اتمارس عليها وكسرها على بناتها والنساء التانية، ولكن عن طيب خاطر، هما فاكرين إنهم كده بيحفظوا الروابط الاجتماعية اللي بتمثل الصمغ اللي بيخلي المجتمع مُتماسك، وشايفين إنه من غير الحدود الذكورية والعنف الممارس منها ضد النساء، المجتمع هيوقع في فوضى عنيفة. هما كمان بيكونوا فاكرين إن العنف الذكوري اللي بيمارسوه على النساء ده في صالح النساء، ولازم يتم زرعه فيهم علشان يحافظوا على شرفهم وشرف الأسرة.
من وجهة نظري، في داخل مجتمع شديد الذكورية زيّ المجتمع الصعيدي، غياب ذكر الأسرة معناه إن الأسرة عُرضة للانتهاك من باقي ذكور المجتمع، لإن أي خروج عن قواعد الذكورية في غياب الذكر هيكون أكثر عُرضة للعقاب والتهويل. الفكرة هنا إنه لو غاب ذكر الأسرة، بتتحول كل ذكور المجتمع للصوص بتحاول تسرق شرفه، وفي نفس الوقت بيتحولوا لحامي شرف المجتمع وجلاد يعاقب على أي سقطة في مفاهيم الشرف دي.
النساء اللي اتسابوا في المجتمعات دي بدون ذكور تقاوم عصبية المجتمع، بيتحولوا غصب عنهم للإيد الباطشة للمجتمع الذكوري. وعلشان كده، النساء مش بيكرهوا النساء، لكن بيتحركوا بدوافع مجتمعية قديمة قدم الإنسان المصري نفسه، ومتجذرة في عقليته وتركيبته الاجتماعية.
نعمل إيه في النساء الذكوريات اللي بيهددوا منظومة النسوية في مصر؟
زيّ ما قلنا، النساء دول هما نتيجة أو byproduct للي تم ممارسته عليهم من عنف ذكوري، وبيكونوا مُتوجهين بدوافع مجتمعية لممارسة نفس العنف عن طيب خاطر وغصب.
النساء دول مش عدو للنسوية ولا آفة داخلية لازم إننا نجمّع كل أسلحتنا علشان نحاربها، ولكن هما ضحايا للذكورية اتحولوا تحت الضغط الأبوي لمُعنِفات ومُمارِسات وحافظات Gatekeepers للمفاهيم الذكورية داخل المجتمع. غير إن الحقايق دي ماتنفيش خطورتهم كمقاومات للتقدم النسوي داخل المنطقة.
طيب والحل إيه معاهم؟ نشر الوعي، التعليم، التثقيف بالقضية النسوية
محاولة إعادة صياغة العقليات الذكورية المُعنَفة للنساء دول هي الحل اللي لازم الحركة النسوية داخل المنطقة العربية تشتغل عليه، لإن تضامن النساء معًا هو أقوى سلاح في حيازة الحركة ككل، ووجود نساء ذكوريات هيهدد الحركة بالكامل.
بالتالي، لازم نشتغل على نشر الوعي النسوي للنساء دول ومحاولة تغيير أفكارهم من خلال زيادة مستوى الوعي والتعليم والتثقيف بخصوص التأثير الهدام للفكر الذكوري على النساء والمجتمع ككل، وعن خطورة تبنيهم أفكار ذكورية. والأهم من كده هو تعليم النساء دول المعنى الحقيقي لكلمة “نسوية”، لإن معظم النساء دول بيتعرضوا للبروباجندا الذكورية اللي بتقولهم إن النسوية هي مفاهيم مُتطرفة ومُنحلة بتحاول تسرق شرفهم وتحولهم لمموسات وخادمات جنسيات للرجال، وبتقنعهم كالعادة إن الذكورية بتحمي المجتمع وبتحمي نساءه.
من كام يوم، أختي اللي ماخرجتش من أسيوط غير مرات قليلة في حياتها، قالتلي: “أنا عايزة أسأل على حاجة بس مكسوفة، فهسألك أنت.. يعني إيه فيمينست “نسوية””. أختي، زيّ نساء صعيديات ذكوريات كتير، تم توجيه بروباجندا ذكورية صلبة ناحيتهم وأقنعتهم إن مجرد السؤال عن كلمة نسوية هو تعدي لحدود الأدب.
حربنا كنسويين ونسويات مش مع النساء دول، لكن مع المجتمعات الذكورية اللي جندت النساء دول من خلال ممارسة العنف والتجهيل والتحقير عليهم وعلى كل النساء داخل المنطقة.