طماطم: بنت مالقتش فريق كرة قدم نسائي في قريتها فقررت تلعب مع فريق الصبيان
بدأ الموضوع بعم سعد اللي بيساعدنا في الشغل في المكتب، قال لي: “يا أستاذ أحمد، عندنا في البلد في بني سويف بنت اسمها طماطم بتلعب كرة حلو أوي، ومحتاجة فرصة”، ووضح عم سعد: “علشان مفيش فريق بنات في البلد، طماطم بتلعب مع فريق الصبيان.” أنا قلت لازم أروح أشوف الموضوع ده بنفسي.
خدنا عم سعد وروحنا البلد عندهم، قرية الحكامنة، في محافظة بني سويف. أول حاجة هتشوفها في البلد هي الغيطان الخضراء على مد البصر، وأطفال بأحجام مختلفة قالعين وبيحاربوا حرارة الصيف بالبلبطة في مياه الترعة وممرات المياه الضيقة المنتشرة في القرية زيّ شرايين وأوردة جسم كائن الحي.
المزارعين رجالة وستات، مطأطأين الرؤوس وشغالين في أراضيهم، والشوارع مليانة بأطفال سُمر بفعل الشمس السخنة، بتلمع عيون بعضهم بألوان خضراء عميقة زيّ ألوان الغيطان الممتدة حوالهيم. وعلى المصاطب رجالة وستات قاعدين بيشدوا الشيشة وبيحكوا، وبيبصوا بفضول لعربيتنا الغريبة اللي بتقتحم شوارعهم.
وسط البيوت دي في فسحة واسعة أرضيتها معمولة من نجيلة صناعية مهترئة ومخططة بلونين من الأخضر الفاتح والأخضر الغامق، وجوا في أولاد بأطوال مختلفة لابسين لبس كرة القدم اللي شوية منها أصفر وشوية منها أخضر. الأولاد دول كانوا واقفين صفين زيّ بيادق الشطرنج من غير أي حركة والكابتن “شريف سمير” أو “شيكو” بيوجه لهم تعليماته، بس لو بصيت لصفين البيادق اللي واقفين هتلاحظ إن واحد منهم مش ولد؛ دي بنت واقفة بلبس كرة القدم الصفراء، ماتقدرش تميزها وسط الأولاد بشعرها المربوط لورا ووقفتها العسكرية، لولا مسحة من أنوثة.
البنت اللي واقفة في تي شيرت أصفر دي هي فاطمة مصطفى، أو طماطم، اللي عندها 15 سنة، واللي قاومت، رغم صغر سنها، كل أحكام القرية وتقاليدها وخاصمت أهلها وعافرت لحد ماقدرت تقتحم صفوف نادي كرة القدم الوحيد في القرية علشان تبقى البنت الوحيدة وسط التجمع ده من الذكور. طماطم قدرت تثبت إنها، زيّ ما بيقول مدربها، “بموهبتها فرضت نفسها على بني سويف كلها مش القرية بس”، أو زيّ ما بيقول “يوسف سعيد” زميلها في الملعب: “في بنات كتير في البلاد اللي حوالينا بتلعب كرة، بس ماحدش يعرف يلعب زيّ طماطم.”
بيقول جمعة، زميل طماطم في الملعب: “في الأول كنا مضايقين إن في بنت داخلة تلعب معانا في الفريق، بس بعد شوية لقيناها واخدة الموضوع جد وبتلعب وبتحرفن جامد، وساعدتنا كتير في الماتشات ضد نوادي البلاد اللي حوالينا.”
وفي السياق ده، بيقول كابتن شريف: “كانت طماطم بتلعب في الشارع، ولما شوفتها لاحظت إن البنت فعلًا موهوبة. في الأول كانت رجلها ضعيفة وبتلعب بطريقة عشوائية، بس أول ما بدأت التدريبات لاحظت الفرق في مستواها بسرعة كبيرة.”
بيقول عم مصطفى، والد طماطم إن هو ماكنش عايز طماطم تلعب كرة، بس هي مارضيتش وكانت مُصرة تلعب كرة. وبيضيف عم مصطفى: “في الأول كنا سايبينها تلعب في الشارع وبعدين جات قالت لنا عايزة تلعب في النادي مع الولاد، بس احنا قولنا الكلام ده ماينفعش”، وبيوضح: “قعدتها في البيت وقلت لها مفيش لعب كرة تاني، بكت وخربت الدنيا واعتزلت البيت والناس”، وبيأكد: “صعبت عليا وقولت خليها تلعب كرة”.
بيوضح عم مصطفى: “أنا مش مرتاح للعبها مع الصبيان، وكمان لما بتسافر على مصر بتضايق وببقى قلقان، بس لما بمنعها من اللعب بتشيل في نفسها وبتزعل، ولما بشوفها زعلانة مابقدرش اتحمل.”
من سنة ونص اتعاقدت طماطم مع فريق ناشئات، في القاهرة، ورغم إنها كانت سعيدة جدًا وأملها كبير في النادي، إلا إنها اضطرت تسيب النادي وترجع قريتها مرة تانية، وبتقول: “كل النوادي استثمار، عايزين فلوس علشان يخلونا نلعب، واحنا مانقدرش ندفع الفلوس دي، فاضطريت أسيب النادي.”
بعد رجوع طماطم من القاهرة قضيت شوية وقت في حالة اكتئاب لحد ما قدمها خالها “حسام جابر” للكابتن شريف السيد، اللي لما شافها قرر يعمل حاجة عكس المتوقع ويضمها لفريق القرية اللي كله من الأولاد.
والخال حسام هو راجل ضخم الجثة، شعره أبيض، واقف وسط الغيط بجلابية رمادي وساند على عصاية خشبية لونها بني، وبيضرب بالعصاية جبيرة جبس أزرق في رجله الشمال وهو بيضحك: “اتجبسنا من لعب الكرة”، وبيوضح: “طماطم وارثة حب الكرة من خوالها. الكرة بتجري في دمنا”، وبيضيف: “بس هي بحق الله عدتنا، وبقت بتلعب أحسن مننا كلنا.”
بجلابية لونها زيتوني ومزركشة بقماش خشن ذهبي عند الرقبة، بتحكيلنا طماطم وهي قاعدة وسط غيط برسيم ووراها غيط سمسم، لإنها بتساعد والدها في شغل الزراعة: “نفسي أبقى لاعبة كرة كبيرة، وألعب في نادي مع بنات تانيين،” وبتضيف طماطم وهي بتضحك في خجل: “نفسي أبقى زيّ محمد صلاح.”
وبتضيف طماطم: “أبويا مرة رفض يخليني ألعب كرة وقعدني في البيت، زعلت وفقدت الأمل وحسيت إني خلاص مش هقدر أحقق حلمي، اتكسرت حسيت كل حاجة راحت.” وبتوضح: “أنا متفهمة خوفه عليا، ومانكرش إنه هو وأخوالي وكابتن شريف بيدعموني وبيشجعوني.”
في أخر اليوم واحنا ماشيين، قابلنا بنت جميلة بعيون خضراء، وعندها عشر سنين. جريت ورانا وقالت: “أنا اسمي مريم، وبحب ألعب كرة”. ومريم بتلعب مع كابتن شريف وبتشجعها طماطم على اللعب، وفي السياق ده بتقول مريم: “طماطم بتشجعني وأنا بشجعها، ولما بتجيب جون بقولها حلو يا طماطم.”