غزة في أول أيام الهدنة بين حماس وإسرائيل: ركام مخلوط بفرحة وذكريات محطمة

TOPSHOT - Displaced Palestinians cheer as they return to Rafah in the southern Gaza Strip on January 19, 2025, hours after a ceasefire deal in the war between Israel and the Palestinian militant group Hamas was expected to be implemented. (Photo by Eyad BABA / AFP)

في صباحٍ ملبّد برائحة الرماد والأمل المتجدد، استيقظت غزة على أول أيام اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل.

المدينة التي عاشت 471 يوما من القصف والدمار، تستيقظ على مشهد جديد: شوارع مدمرة، وجوه متعبة، وقلوب تبحث عن طمأنينة وسط أنقاض الأحلام.

لكن، رغم كل شيء، ثمة شعور حذر ينبض في الأفق: هل هو السلام المنتظر أم مجرد هدنة مؤقتة؟

في الأحياء المدمرة، يروي الركام قصصاً لم تُكتب بعد. أُسر تفتش بين الأنقاض عن ذكريات ضاعت، وصغار يتسابقون لالتقاط ألعابهم المحطمة.

الحزن يسكن المكان، لكنه لا يخلو من بصيص أمل في أن تعود الحياة إلى طبيعتها، ولو ببطء.

غزة، التي لطالما اعتادت النهوض من تحت الرماد، تجسد اليوم مشهداً نادراً من الوجع الممتزج بالتمسك بالحياة.

الهدوء الذي يعمّ المدينة يبدو هشاً، وكأنه يختبر قوة الاتفاق ومدى صلابته.

أصوات الطائرات التي غابت تتيح للطيور المغردة فرصة للعودة، لكن عيون السكان لا تزال تراقب السماء بقلق. الأسئلة تملأ الأذهان: هل سيصمد الاتفاق؟ وهل يمكن لهذا الصمت أن يمحو آثار الأيام الماضية؟

هل يُعيد الهدوء نبض الحياة إلى شوارع المدينة الجريحة، أم سيبقى الألم شاهداً على معاناة عصية على النسيان؟

لا تفوّت قراءة: صفقة الأسرى بين حماس وإسرائيل: من هم القادة المفرج عنهم ولماذا تحفظت إسرائيل على آخرين؟

سيدة فلسطينية في رحلة عودتها بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار

ذكريات تطارد أحلام الغزيين: محاولات ترميم القلوب

“كان الدمار يفوق الوصف شوارع مليئة بالركام، جثث متناثرة، ولا شيء بقى قائمًا”

من سكان مخيم جباليا

مع بدء أول أيام الهدنة بين حماس وإسرائيل، بدأ أهالي غزة النازحون والمهجرون في لملمة ما تبقى من حياتهم، حاملين خيمهم وأمتعتهم للعودة إلى ديارهم.

رحلة العودة هذه ليست مجرد خطوات على الأرض، بل هي رحلة في عوالم الذكريات والمخاوف والآمال.

رحلة العودة بين الحطام

على طرقات مليئة بالركام، يسير العائدون بخطى مثقلة بالخوف والقلق، يحاولون الوصول إلى أماكن كانت يومًا منازلهم.

البعض يمشي على الأقدام، والبعض الآخر يجر أمتعته على عربات تجرها الحمير، في مشهد يعكس مرارة الحرب وعبء البقاء.

البحث عن الذكريات وسط الدمار

عند وصولهم، يجدون أنفسهم أمام مشاهد تفوق الوصف.

منهم من يكتشف أن بيته أصبح كومة من الركام، فيما يقف آخرون أمام ما كان يومًا جدرانًا تؤويهم ليجدوا عظامًا متناثرة لا يعرفون إن كانت تخص أحد أفراد عائلتهم أو جيرانهم.

وسط كل هذا الألم، يحاول العائدون البحث عن بقايا تذكرهم بحياتهم السابقة؛ صور، كتب، أو حتى ألعاب أطفالهم.

مشاهد كأنها من أفلام هوليوود

لا تخلو هذه العودة من مشاهد مأساوية تبدو وكأنها مأخوذة من أفلام هوليوود، حيث جثث الموتى ملقاة في العراء، ووجوه حزينة تبحث عن إجابات وسط فوضى الحرب.

كل خطوة تقودهم إلى سؤال جديد: هل يمكن ترميم ما كُسر؟ وهل تعود الذكريات المنطفئة لتضيء حياتهم مجددًا؟

الأمل وسط الألم

رغم كل شيء، يحاول أهالي غزة التمسك ببصيص من الأمل.

إنهم يعلمون أن الطريق طويل لإعادة بناء ما تهدم، ليس فقط المباني، بل القلوب أيضًا.

ومع ذلك، فإن قوة إرادتهم وإصرارهم على البقاء تجعلهم يحاولون تحويل الألم إلى بداية جديدة.

بين الركام والذكريات: غزة تستعيد أنفاسها

في قلب غزة، حيث ما تزال رائحة البارود تعبق في الهواء، لم يبقَ من الذكريات سوى شارع مثقل بالأنقاض والركام.

الجدران التي كانت شاهدة على أصوات الضحكات وأسرار العائلات أصبحت اليوم شقوقًا صامتة تروي حكايات عن حياة كانت هنا.

من سيعيد دفء البيوت؟ من سيعيد كتابة ما كان منقوشًا على الجدران، ويملأ هذه المساحات الخاوية بأصوات الحياة من جديد؟

وفقًا للخبراء في علم النفس، فإن سكان غزة يواجهون صدمات نفسية متواصلة، ليست مجرد صدمة واحدة عابرة.

هذه الصدمات تبدأ بسلسلة من الأحداث اليومية المؤلمة: القصف المتكرر، مشاهد أجساد الموتى، المصابين، وأحيانًا مواجهة واقع مرير مثل بتر أطراف الأحبة.

كل هذه المشاهد تدفع السكان إلى حالة تُعرف باسم “كرب ما بعد الصدمة”، وهو اضطراب نفسي يعقب التعرض لمواقف تفوق قدرة التحمل البشري.

لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ سكان غزة يعانون من تراكمات نفسية صامتة، فهم لا يملكون حتى رفاهية الانهيار.

الخبطات المتتالية التي تتلقاها أرواحهم تجعلهم عاجزين عن التعبير عن آلامهم، وكأنهم يعيشون تحت ثقل صامت لا يفارقهم.

ومع ذلك، يبرز درس عظيم تعلمه العالم من غزة: درس في الصمود.

رغم كل هذا الألم، تبقى غزة رمزًا للقوة والتشبث بالأمل. لا شيء يضاهي رؤية صاحب الأرض يعود إلى أرضه، متحديًا كل محاولات محو هويته وذكرياته.

وبين الركام، تستمر الحياة، وتبقى غزة شاهدة على أن الألم يمكن أن يتحول إلى قوة لا تقهر.

خسائر الحرب في غزة وتحديات الإعمار: أرقام تعكس حجم المأساة

بعد سنوات طويلة من المعاناة والحروب المتكررة، بدأت الأرقام التقديرية تكشف حجم الكارثة التي تعيشها غزة، مؤكدة على ضخامة التحديات التي تواجه مرحلة الإعمار المقبلة.

الخسائر البشرية

الحرب الأخيرة أسفرت عن أكثر من 46 ألف شهيد و110 آلاف جريح، وفق التقديرات الأولية.

أرقامٌ تحمل في طياتها قصص الألم والفقدان لكل بيت في غزة، وتؤكد أن آثار الحرب تجاوزت الدمار المادي لتصل إلى عمق النسيج الاجتماعي.

الأضرار المادية

وفقًا لتحليل مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة، تعرض حوالي 69% من المباني في غزة لأضرار متفاوتة.

هذه النسبة تعني أن البنية التحتية للمدينة بأكملها تحتاج إلى إعادة بناء شاملة، مما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية كبرى لإعادة الحياة إلى هذا القطاع المنكوب.

الركام وتكلفة الإزالة

بحسب بيانات “بلومبرج”، تبلغ كمية الركام الناتجة عن الدمار حوالي 42 مليون طن، وهو ما يعادل خطًا متواصلًا من الشاحنات يمتد من غزة إلى آخر نقطة في أميركا، أو من نيويورك إلى سنغافورة.

تكلفة نقل هذا الركام وحدها تُقدر بـ700 مليون دولار، بينما تحتاج عملية إزالة الأنقاض إلى 10 أشهر على الأقل بميزانية تصل إلى 1.2 مليار دولار.

التحديات الاقتصادية

اقتصاد غزة، الذي كان يعاني بالفعل قبل الحرب، أصبح في وضع كارثي.

وفقًا لتقرير أممي، فإن تعافي اقتصاد القطاع يحتاج إلى 350 عامًا ليعود إلى حالته المتعثرة قبل الحرب.

أما تكلفة إعادة الإعمار فتُقدر بما يتراوح بين 40 و80 مليار دولار، وهو رقم يعكس حجم التحديات الاقتصادية والإنسانية أمام غزة.

أعلن الدفاع المدني في غزة أن البحث يجري الآن عن جثامين نحو عشرة آلاف فلسطيني لا يزالون تحت الأنقاض.

وأظهرت بيانات فلسطينية ودولية أن الحرب في غزة دمرت أكثر من 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة و823 مسجداً وثلاث كنائس.

كما أظهر تقرير مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن العديد من المستشفيات تهدمت أثناء العدوان حيث لم تعد تعمل سوى 17 من أصل 36.

ووفقا للتقرير فإن إعادة بناء المنازل قد تستمر حتى عام 2040، فيما تتخوف الدول المانحة من إعادة إعمار غزة المهددة كل فترة بحرب مدمرة.

الأمل رغم التحديات

غزة اليوم تقف أمام اختبار صعب: كيف يمكن أن تُعيد بناء ما دمرته الحرب؟ كيف يمكن أن تُعيد الحياة والروح لسكانها؟

التحديات كبيرة، لكنها ليست مستحيلة. فالقطاع الذي واجه الحصار والحروب المتكررة أثبت أنه قادر على الصمود، وما يحتاجه الآن هو دعم دولي حقيقي ليعود إلى الحياة، ليس فقط بالبناء، بل بإعمار القلوب والجروح التي تركتها الحرب.

لا تفوّت قراءة: لولا مصر ما تحققت الهدنة: كيف ساهمت القاهرة في وقف إطلاق النار في غزة؟

ماذا قال الأسرى المحررين ضمن صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل؟

مع اليوم الأول لاتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، امتزجت لحظات العودة إلى المنازل المدمرة بلحظات أخرى ملأتها مشاعر الفرح والحزن معا، حين جرى بالأمس تحرير مجموعة من الأسرى الفلسطينيين ضمن صفقة التبادل.

شهادات هؤلاء الأسرى كشفت عن مرارة السنين التي قضوها خلف القضبان وظروف الاعتقال القاسية التي واجهوها.

حنان معلواني: دموع الحرية ومرارة الفراق

الأسيرة المحررة حنان معلواني ضمن أسرى مفرج عنهم في اتفاق وقف إطلاق النار

حنان معلواني، الأسيرة الفلسطينية البالغة من العمر 24 عامًا، لم تستطع كبح دموعها لحظة الإفراج عنها ضمن صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل.

وعلى الرغم من فرحتها بالتحرر، كان الحزن واضحًا في كلماتها، خاصة عندما تحدثت عن زميلاتها الأسيرات اللواتي تركتهن خلف القضبان الإسرائيلية.

وقالت حنان بتأثر شديد: “كنت لا أرى في السجن سوى الزنزانة، اليوم أنا مستغربة جدًا من هذه الجموع التي تستقبلنا. شعوري لا يوصف”.

دموعها كانت شاهدة على ثقل اللحظات التي عاشتها داخل الزنزانة، وعلى تعقيد تفاصيل يوم الإفراج.

وأضافت وهي تبكي: “كان اليوم صعبًا للغاية، تم تعقيد كل شيء من قبل السلطات الإسرائيلية”.

وأوضحت أن عملية الإفراج اتسمت بالغموض، قائلة: “حتى اللحظة الأخيرة لم نُبلغ بالإفراج، أُحضر طعام الفطور ومن ثم الغداء وأُخبرنا أنه لا يوجد أي إفراجات”.

حنان، التي اختبرت ألوانًا من القهر خلال فترة أسرها، خرجت إلى عالم مليء بالتحديات والآمال في الوقت نفسه.

وبينما كانت تحتضن عائلتها بعد سنوات من الفراق، لم تفارقها فكرة زميلاتها الأسيرات اللواتي ما زلن يعانين خلف القضبان.

رغد عمرو: تنكيل وظروف قاسية قبل الإفراج

رغد عمرو، الأسيرة الفلسطينية التي تبلغ من العمر 23 عامًا، كشفت عن معاناة مريرة داخل السجون الإسرائيلية، خاصة في الساعات الأخيرة قبيل الإفراج عنها.

تحدثت عن سلسلة من الانتهاكات التي تعرضت لها، حيث قالت: “تعرضنا للتنكيل والضرب والإهانات. كانت لحظات الساعات الأخيرة صعبة للغاية، خاصة في التعامل معنا في تلك اللحظات التي تسبق الإفراج”.

وأوضحت رغد أنه في تلك اللحظات الحرجة، كان يتم جر الأسيرات من شعورهن، مما يعكس أسلوبًا قاسيًا في التعامل معهن في لحظات الانتظار.

لكنها لم تكن الوحيدة التي عانت، فالأسرى والأسيرات الفلسطينيون جميعهم يعيشون تحت ظروف غير إنسانية داخل السجون الإسرائيلية.

لكن، في المقابل، كان المشهد مختلفًا بالنسبة للثلاث أسيرات اللاتي تم الإفراج عنهن في ذات الصفقة، حيث كانت حالتهن الصحية جيدة.

ارتدين ملابس نظيفة، وهو ما أشار إلى أن حماس قد اهتمت برعايتهن في فترة ما قبل الإفراج.

والأكثر تميزًا، منحت حماس الأسيرات هدايا تذكارية بمناسبة خروجهن من السجن، وهو ما أعطى لحظة الإفراج طابعًا مميزًا وإنسانيًا.

نداء صلاح: العذاب بلا رحمة

كشفت الأسيرة الفلسطينية المحررة نداء صلاح عن تفاصيل مروعة حول الانتهاكات التي تعرضت لها هي وزميلاتها من الأسيرات في السجون الإسرائيلية.

تحدثت نداء عن أساليب التعذيب التي تعرضن لها طوال فترة أسرهن، مؤكدة أن معاناتهن لم تتوقف حتى أثناء عملية نقلهن من السجون إلى الضفة الغربية.

وقالت نداء بصوت مرتعش: “تعرضنا للتنكيل بشكل مستمر، حتى أثناء نقلي من السجن، تعرضنا لأساليب قاسية ومهينة. لم يكن هناك احترام لأي مبدأ إنساني”.

وأوضحت أن الجنود الإسرائيليين لم يكتفوا بإهانتهن فقط، بل قاموا أيضًا بضربهن أثناء إطلاق سراحهن، في محاولة للتقليل من كرامتهن وعرقلة لحظات الحرية.

أشارت نداء إلى أن الانتهاكات لم تقتصر على التعذيب الجسدي، بل شملت أيضًا التهديدات المستمرة بالقتل والترهيب النفسي، مما جعل الأسرى يواجهون تحديات نفسية خطيرة.

وأضافت: “كنا نعيش في رعب دائم، حيث كان الجنود الإسرائيليون يتعاملون معنا كما لو كنا مجرد أشياء بلا قيمة”.

ورغم كل هذه الانتهاكات، أكدت نداء أن الأسيرات الفلسطينيات بقين صامدات، مؤمنات بالقضية الفلسطينية وبالحرية التي طالما حلموا بها. ورغم الأذى الذي تعرضن له، بقيت آمالهن في الحرية والعدالة حية، إلى أن تم الإفراج عنهن في إطار صفقة التبادل.

لا تفوّت قراءة: كواليس مشاجرة طالبات مدرسة “كابيتال” الدولية بالتجمع: كسر بالأنف وألفاظ نابية

تعليقات
Loading...