زواج الفصلية: عندما تكون المرأة العراقية فدية لعشيرتها

نعطيكم نساءنا حتى لا تقتلوا رجالنا.. زواج “الفصلية” أو زواج “الدية”، زواج بتستخدم فيه المرأة كوسيلة وقربان لوقف حقن الدماء، عرف عشائري لسه موجود في العراق، ومن أبرز الممارسات العشائرية بيرجع للمجتمعات البدوية، بيستخدموه الأهل لحل الخصومات والنزاعات، زيّ قضايا الثأر أو في حالة عجزهم عن تسديد مبلغ مالي، بيطلب فيه الخصم “نساء العشيرة” كتعويض على الضرر وشرط لحل الخصوم.

عندما تكون المرأة فدية لعشيرتها

بيختلف تحديد قيمة البنت أو الست حسب مدى الجرم اللي وقع على المتضرر، وحسب سنها ومقدار “جمالها”، لكن في العموم قيمة الفتاة بتتراوح ما بين ألف لألفين دولار، ولو كانت “بِكر” بتختلف القيمة عن الأرامل والمطلقات، وبتنقسم نساء الفصلية لمجموعتين، يطلق على الأولى “القدمة”، أما المجموعة التانية بتسمى “التالي” أو “المؤخرات“، وممكن استبدال المجموعة دي ببدل مالي أو مادي على عكس المجموعة الأولى، اللي بيوجب منحها كتعويض أساسي غير قابل للاستبدال.

قوانين حبر على ورق

في بداية ظهور المفهوم، استخدموه كنوع لتقريب العشائر من بعض، ولكن مع المشاكل اللي نتجت عن اتساع القاعدة البدوية، تم تضمين زواج الفصلية كواحد من أحكام القضاء اللي بتحل الخصومات العشائرية، وده نتيجة لقوة العشائر، فامكانتش بتلجأ للدولة لحل الخصوم، وبمرور الوقت بقى هو القانون والاتفاق وبموجبه بقت زوجته شرعًا وقانونًا.

فضلت القبائل العراقية بتحتكم للعرف ده سنين طويلة، خصوصًا في جنوب العراق، ولكن الدولة سنّت قوانين وتشريعات صارمة لتجريمه في خمسينيات القرن الماضي، وبقت الرقابة مشددة على عرف الفصلية، واعتبروه جريمة بيعاقب عليها القانون العراقي وفق المادة 9 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188، اللي بتنص على “معاقبة من يُكرِه شخصًا، ذكرًا كان أم أنثى، على الزواج بلا رضا منه، أو منعه من الزواج بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة، إذا كان المكره أو المعارض أقارب من الدرجة الأولى. أما إذا كان المعارض أو المكره من غير الدرجة الأولى فتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات أو الحبس لمدة لا تقلّ عن ثلاث سنوات، باعتبار أن عقد الزواج وقع بالإكراه”.

وبعد ما نسبه بدأت تقل، رجع تاني بعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003، نتيجة ضعف تطبيق القانون العراقي وانتشار الجماعات المسلحة، وتسييس القضاء وفقد الثقة فيهم، فعجزت الحكومة على الفصل بين البدو، فرجعوا للاحتكام للعرف العشائري من تاني لفض النزاعات، وبيقول حقوقيين عراقيين إن القانون العراقي أصبح عاجز عن وقف الممارسات أو التدخل فيها في ظلّ الانفلات الأمني اللي بتعيشه البلاد، وبقت القوانين مجرد حبر على ورق.

خصوصًا إن الباحث القانوني علاء البياتي، بيقول إن القانون بيعاقب مقترفي الزواج القسري والفصلية، ولكن تنفيذه بيتوقف على مفهوم الزواج المدني دون الشرعي، لإن معظم حالات الزواج الفصلي بتتم عند الكاتب الشرعي، ومش بتتم أرشفتها ضمن سجل الأحوال المدنية، بجانب إن معظم المتزوجات فصليًا بيتجنبوا اللجوء للمحاكم خوفًا من القبيلة.

انتهاكات لا توصف بحق النساء

كان نصيب كريمة أن تتزوّج من شقيق الشاب الذي قُتل على يدي شباب عشيرتها، والذي كان يعاملها بقسوة وكلما اشتكت لأبيها كان يكتفي بالرد “احتملي، فأنتِ فصلية”

نساء العشائر قليلي الحيلة بيعجزوا عن رفض الزواج، وغالبًا ما بيتعرضوا لانتهاكات على كل المستويات باعتبارهم مجرد ثمن أو دية وقربان، حسب كلام الباحثين، وفي الغالب بتتجرد من جميع حقوقها وبتتعرض لمعاملة مهينة واضطهاد، وبيعيشوا نساء الفصلية في مرتبة أدنى من الزوجة العادية، ومش بيتقبلها المجتمع اللي اتزرعت فيه غصب، ومش بتمتلك أي حقوق من اللي كفلها الشرع والدين.

وبتقول الباحثة الاجتماعية سجى خالد، إن في حال طلبت الطلاق بتدخل في دوامة تانية هي وأطفالها، واللي في الغالب بتتسب لها في أمراض نفسية؛ منها الفصام والصدمة الاجتماعية، وأحيانًا بتوصل للانتحار.

إحصائيات بتبين حجم المشكلة

مصادر رسمية لوكالة الأنباء الفرنسية، بتقول إن 14 امرأة أقدموا على الانتحار في محافظة ميسان خلال سنتين، وحاولت 184 سيدة قتل نفسهم، وحسب دراسات أجريت في البصرة سنة 2017، في 62 امرأة حاولت الانتحار بإضرام النار في جسمها.

لماذا؟

في 2015، قدمت إحدى عشائر محافظة البصرة الجنوبية “50 امرأة فصلية”، بهدف إنهاء نزاعًا مسلحًا

من فجر التاريخ، اتميزت العراق بتعدد القوميات والأعراق والأديان، وإن لها مسالك خاصة في التعامل كمجتمعات، لدرجة إن كتير من المؤرخين وصفوا العراق بإنها عبارة عن شعوب متعددة ومش شعب واحد، ولعبت المجتمعات المتعددة دور كبير في تاريخ العراق، وفي الـ 100 سنة الأخيرة من حكم الدولة العثمانية، كان للعشائر الدور الأكبر في تسيير الحياة العامة، واكتسبت قوة لدرجة إن عشائر البصرة حاليًا لوحدها، بتملك سلاح بيعادل فرقتين عسكريتين، بحسب اللي قائد شرطة البصرة الفريق رشيد فليح.

وبصورة عامة، المرأة بتعيش درجة أدنى في الحياة العشائرية، وبتعيش تابعة للرجل تبعية كاملة، ومش بتاخد الحقوق اللي كفلها لها الشرع والقانون، وبيعتبروها ملكية الرجل أكتر من كونها كيان مستقل، وده اللي بيفسر لنا سبب استخدامها “دية” أو “فصيلة” في النزاعات، واللي بيفسر لنا سبب قوة العشائر.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: فتاة السليمانية: حادثة تحرش واعتداء جماعي تهز العراق

تعليقات
Loading...