خفافيش، أوبئة، والكُره النامي تجاه دولة الصين؛ ايه اللي بيحصل فعليًا على أرض الواقع؟
مع وصول عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى أكثر من 400 ألف حالة والوفيات إلى قرابة 20 ألف، العالم وصل لدرجة غير مسبوقة من الذعر. مليارات الناس في العالم حاليًا مضطرين للبقاء في منازلهم سواء خوفًا من الإصابة أو بسبب حظر تجول أو حجر صحي مفروض من قِبَل الحكومات في أغلب الدول. وبسبب الغموض اللي بيحيط بالعالم كله في الوقت الحالي، بيذهب البعض للاعتقاد بإن العالم على وشك الانتهاء، لكن بالنظر للحقائق هنلاقي إن دي مش أول حادثة تواجه البشرية فيها مرض من صنف الكورونا، وغالبًا مش هتكون الأخيرة.
في عام 2003، تفشى مرض السارس أو (SARS-CoV) في حوالي 26 دولة حول العالم وكان وصل عدد الإصابات وقتها إلى 8000 حالة وكانت بدايته في مقاطعة جوانج دونج في جنوب الصين. وقتها أعلنت منظمة الصحة العالمية أيضًا إن المرض بيُعتبر جائحة أو وباء عالمي.
متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد، أو كما تُعرف بالسارس، هي حالة صحية بيتسبب فيها واحد من عائلة فيروس كورونا وهو بطبيعة الحال مرض معدي بيتم تناقله بين الأشخاص بسرعة. أعراض المرض -اللي كانت عادةً بتظهر بعد أسبوع من الإصابة بالفيروس- تمثلت في الحرارة المرتفعة والصداع مع وجود قشعريرة وآلام متعددة في العظام، أعراض كلها شبيهة بأعراض البرد وكمان فيروس كورونا المستجد أو كما يُطلق عليه كوفيد-19.
بيعتقد العلماء إن مرض السارس هو في الأصل فيروس انتقل للبني آدمين عن طريق حيوانٍ ما لم يتم تحديده حتى الآن ولو إن الافتراض المبدئي كان بيشير للخفافيش اللي من الممكن تكون نقلت العدوى لحيوان آخر زي قط الزباد (نوع من القطط اللي بيعيش في غابات دول آسيا ومنها الصين) ومنها انتقلت العدوى للإنسان. وزي مرض السارس بالظبط، بيُعتقد إن الفيروس المُسَبِّب لمرض كوفيد-19 بدأ عن طريق انتقاله من طائر الخفاش إلى نوع آخر من الحيوانات (من الجائز يكون حيوان البنغول) اللي نقل بدوره العدوى للإنسان.
كل الحقائق المتشابهة دي مابين المرضين لما توضع في إطار واحد بتطرح أسئلة كتير حول الأوبئة وأسبابها ومدي ارتباطها بالخفافيش، وعائلة فيروسات الكورونا، والأهم من هذا وذاك.. الصين.
وللإجابة على بعض الأسئلة دي، يجب علينا في البداية الإشارة إلى أن الفيروسات بصفة عامة بتكون خاصة جدًا للكائن المضيف بمعنى إن الفيروس اللي مضيفه الأصلي بيكون حيوان فعادةً الفيروس دا مابيقدرش يصيب خلية إنسانية. وعلى الرغم من ذلك، ولأن الفيروسات بتتميز بسرعة رهيبة في التطور والتحول، ساعات بيقدر الفيروس -اللي بتكون مهمته ووظيفته الطبيعية إصابة مضيف معين- إنه يعدّل سلوكه حتى يتكيف مع الآلية البيولوجية المختلفة لمضيف آخر وبالتالي بتتفتح معاها احتمالية استهداف الفيروس للمضيف الجديد وإمكانية إصابته بيه. وبناءً على الكلام دا، ففي بعض الأحيان بتقدر فيروسات حيوانية من إنها تعبر بقفزة بيولوجية إلى خلايا الإنسان اللي مفروض تكون في الأصل منيعة ضد هذا النوع من العدوى، بس علشان كل دا يحصل لازم الحيوان والإنسان دول يكون فيه ما بينهم تلامس أو احتكاك مباشر.
المثير في الأمر إن تم اكتشاف فيروس من عائلة كورونا بيصيب نوع نادر من الخفافيش بتقطن دولة الصين وبيُطلق عليها خفافيش حدوة الحصان بسبب شكلها، أعراض المرض اللي بيتسبب فيه هذا الفيروس تكاد تكون مطابقة لأعراض مرض كوفيد-19؛ الشيء اللي بيطرح سؤال هام جدًا وهو كيف لمرض بينتشر في مجتمع ليلي منعزل وغير مختلط بالحياة البشرية على الإطلاق زي مجتمع الخفافيش إنه يجتاح عالم الإنسان فَيَصِل في غضون شهور بسيطة ل196 دولة؟
الإجابة بسيطة – الإنسان. تدمير البيئة الطبيعية، والصيد، وغيرهم من النشاطات البشرية اللي بتضع الجنس البشري في مهب الريح وبتخليه عُرضة للخطر بدخوله نطاق الحيوانات البرية، زي طائر الخفاش.
الصين تحديدًا عندهم عدد من الأسواق اللي بيُطلق عليها “الأسواق الرطبة” واللي بيشير إليها أغلب العلماء على إنها كانت البداية في نشر مرض السارس وكذلك فيروس كورونا المستجد. الأسواق دي “لا تتسم بأي نوع من أنواع الضبط أو الرقابة الحكومية، وهي مزيج من أسواق الحيوانات الحية مع تجارة غير شرعية للحيوانات البرية”، وفقًا لمجتمع حماية الحياة البرية.
في هكذا أسواق، بتلاقي ممرات ضيقة مزدحمة بالباعة اللي بيعرضوا سلعهم من قطع لحوم وأجزاء ناضجة من حيوانات زي الكلاب والدجاج والخنازير والثعابين وحيوان البنغول والخفافيش وقط الزباد والغرير. في بيئة زي دي، يقدر فيروس من الفيروسات المنتشرة بين الخفافيش إنه يعدي قط الزباد أو البنغول واللي بدوره هيوفرله قفزة أكبر لمضيف بشري.
بعد مرور فاجعة السارس في أوائل العقد الماضي، قررت الصين فرض حظر مؤقت على الأسواق من هذا النوع وعلى مجال إنتاج الحيوانات البرية للاستهلاك الآدمي؛ ولكن في أغسطس من عام 2003 وبعد إعلان منظمة الصحة العالمية احتواء وباء السارس، رفعت الحكومة الصينية الحظر ورجعت الأسواق الرطبة كما كانت قبل ظهور المرض.
ومع بداية العام الحالي، قررت الحكومة الصينية -في تكرار لسيناريو 2003- فرض حظر على سوق هوانان السمكي بمدينة ووهان واللي بيعتقد أغلب العلماء إنه كان بؤرة انتشار فيروس كورونا، وأتبعت الحكومة القرار بمنع مؤقت لجميع الأسواق البرية. وبعد شهر واحد، ومع تفاقم الموقف وتزايد حدة الوباء، أصبح قرار الحظر نهائي. بالإضافة إلى ذلك، كل المزارع اللي بتربي الحيوانات البرية وبتصدرها للأسواق دي تم إغلاقها وفرض حجر صحي عليها. مجال إنتاج لحوم الحيوانات البرية كله بالتالي توقف تمامًا وبشكل يبدو نهائي.
بس إيه هي مشكلة الخفافيش بالتحديد؟ من الإيبولا لأمراض الكورونا المتعددة، ليه الحيوان دا بالذات بينقل أكثر الفيروسات والأجسام المُمْرِضة خطورة؟
الخفافيش هي الحيوانات الثديية الوحيدة اللي بتمتلك القدرة على الطيران، الأمر اللي بيسمحلها تنتشر بأعداد كبيرة في المجتمعات المختلفة وعلى مساحات شاسعة من الأرض، ودا طبعًا بيخليها عُرضة لالتقاط أمراض كتير جدًا ومن جميع الأنواع. وعلاوةً على ذلك، فإن الخفاش علشان يطير، الموضوع بيتطلب منه بذل كمية ضخمة من الطاقة، ودا بالتبعية بيخلّي حرارة جسمه الداخلية تصل لدرجات محمومة.
“لما بيطيروا، بتصل درجة حرارة أجسامهم لذروتها ودا بيشبه الحمى إلى حدٍ ما”، أوضح أندرو كانينجهام، أستاذ علم أوبئة الحياة البرية في جمعية علم الحيوان بمدينة لندن، في لقاء مع شبكة سي إن إن. وأكمل: “الموضوع بيحصل على الأقل مرتين يوميًا مع الخفافيش – عند الذهاب لاصطياد الأكل وعند العودة من الرحلة؛ وبالتالي فإن الفيروسات والأجسام اللي تطورت بين مجتمع الخفافيش تأقلمت على احتمال درجات الحرارة المحمومة في أجسامهم”.
الحمى أو الحرارة المرتفعة هي واحدة من الآليات الدفاعية الأولية اللي بيستخدمها الجسم ضد أي فيروس، ولأن فيروسات الخفافيش تطورت عبر الزمن وأصبحت بتحتمل درجات الحرارة المرتفعة بشدة، فردود أفعال أجسامنا وفطرتها الدفاعية لا تملك أدنى فكرة مسبقة عن كيفية محاربتها.
بس في موقف كهذا، لا نستطيع وضع اللوم على الخفافيش. بيأكد العلماء إن لما فيروس معين بيقدر يعمل القفزة البيولوجية دي من حيوان لإنسان، دا بيكون دايمًا نتيجة لنشاطات الإنسان مش العكس. لما بيتم اصطياد الخفاش ووضعه في قفص في انتظار الدبح، فبطبيعة الحال بيسيطر عليه التوتر اللي بيضعف جهازه المناعي وبيحطه في موقف ضعف في مواجهة الأمراض والفيروسات وبيصعب عليه في الحالة دي التغلب على الأجسام دي.
“دا بيسمح للعدوى إنها تنتشر وكمان تُفرَز في أشكال مختلفة – تتناثر بمعنى أدق. ممكن تفكر فيها كأن إنسان في وضعية نفسية سيئة ومتوتر في نفس الوقت اللي عنده فيه فيروس قرحة البرد، اللي هيحصل ببساطة هو إن هيصيبه قرحة البرد. دا معناه إن الفيروس حقق وظيفته وتم تأكيد حمضه النووي وزرعه داخل خلايا الجسم المضيف، بنسميها عملية ’تعبير الفيروس‘، ودا بيحصل في الخفافيش زي البني آدمين”، تابع كانينجهام.
عملية التعبير دي هي اللي بينتج عنها بعد كده ظهور أعراض المرض، اللي بطبيعة الحال بيسمح للفيروس ينتشر في بيئة الخفاش الخارجية، ويلاقي طريقة يقفز بيها لخلية بيولوجية مختلفة.
وزي ما حصل مع السارس في 2003، من المتوقع إن هذا الانفجار للوباء المدمر المدعي كوفيد-19 يتم احتواؤه آجلًا أم عاجلًا. ولكن لو حاولنا نلقي نظرة مستقبلية لعصر ما بعد الكورونا، هنلاقي إننا -كعرق بشري- في حاجة ماسة إلى التوقف للحظة ومراجعة حساباتنا وتأثيرنا على البيئة اللي حوالينا وتأثيرها علينا. في ضوء الأزمة الحالية، احنا حقيقي بنأمل إن الحكومات والمصالح الكبرى تدرك حقيقة الأمر وإن احنا لو ما أخدناش خطوات جدية لمحاولة التخلي عن طرق معيشتنا غير المجدية وغير المستدامة، فالعالم كما نراه ونحبه بنظامه وخيراته مش هيقدر يتحمل أو يتغلب على تبعات ونتائج أفعالنا.
احنا محتاجين وقفة ضد أسواق الإتجار في الحيوانات البرية ولحومها في كل أنحاء العالم والضغط على الحكومات من أجل وقف هذه الصناعة بالكامل. احنا في أشد الحاجة لحماية الحياة البرية وتحسين عاداتنا واتجاهاتنا للحفاظ على البيئة.