بعد عامين من الدمار المتواصل، تتكشف اليوم الصورة القاتمة لحرب غزة التي أحرقت البشر والحجر وأعادت الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي إلى أكثر مراحله دموية.
حرب بدأت في السابع من أكتوبر عام 2023، واستمرت حتى الخامس من أكتوبر 2025، لتسجل 730 يومًا متواصلة من الدمار والقصف والتجويع، وسط عجز دولي عن وقف ما وصفه مراقبون بـ”الإبادة الجماعية الممنهجة”.
مع التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، تتجه الأنظار إلى الأثمان الباهظة التي دفعها الطرفان — من عشرات آلاف القتلى والجرحى إلى انهيار اقتصادي غير مسبوق في تاريخ المنطقة.
في هذا التقرير، نستعرض كم خسر الفلسطينيون والإسرائيليون فعلاً خلال حربٍ امتدت لعامين، حوّلت غزة إلى مدينة من الرماد، وأثقلت كاهل إسرائيل بتكاليف بشرية وعسكرية واقتصادية هائلة، وسط تساؤلات عن مستقبل ما بعد الحرب: من الرابح، ومن الخاسر الأكبر؟
لا تفوّت قراءة: علماء يكشفون عمر معبد الكرنك الحقيقي بدقة.. اكتشاف علمي يغير فهمنا للحضارة الفرعونية
كم بلغت الخسائر البشرية في حرب غزة بعد عامين من الدمار؟

منذ السابع من أكتوبر 2023، سجّلت حرب غزة حصيلة بشرية مروّعة، تجاوزت 67 ألف شهيد فلسطيني، وفقاً لبيانات وزارة الصحة في القطاع.
ويشكّل الأطفال دون الثامنة عشرة ثلث الضحايا تقريبا، في مشهد يعكس عمق المأساة الإنسانية التي عاشتها غزة طيلة عامين من القصف المستمر. كما فارق الحياة نحو ألف رضيع.
بينما تؤكد إسرائيل أنّ نحو 20 ألفاً من القتلى هم من المقاتلين، أي ما يقارب 30% من إجمالي الضحايا.
أما في الجانب الإسرائيلي، فقد بلغت الخسائر نحو 1665 قتيلاً من الإسرائيليين والأجانب بين أكتوبر 2023 وسبتمبر 2025، وفقاً لبيانات رسمية نقلتها وكالة رويترز.
كما أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 466 جندياً وإصابة 2951 آخرين منذ بدء عملياته البرية في غزة، وسط تصعيدٍ هو الأعنف منذ عقود.

كيف تأثر الاقتصاد الإسرائيلي بالحرب؟ أرقام تكشف خسائر رغم المرونة

رغم ما أظهره الاقتصاد الإسرائيلي من مرونة نسبية، إلا أنّ الحرب خلّفت خسائر ضخمة طالت قطاعات الزراعة والبناء والسياحة بشكل غير مسبوق.
وبحسب تقديرات بلومبرج، بلغت التكلفة العسكرية للحرب نحو 63 مليار دولار، شملت نفقات الذخيرة، والدفاع، ورواتب جنود الاحتياط.
وتقدّر بلومبرج أن حجم الاقتصاد البالغ 580 مليار دولار أصبح أصغر بنسبة 7% مما كان يمكن أن يكون عليه لولا الحرب.
وتوقّع بنك إسرائيل المركزي أن تصل نسبة الدين العام إلى 70% من الناتج المحلي في 2025 و71% في 2026، مع عجزٍ يقترب من 5%.
وكانت الحكومة قبل الحرب تتوقع عجزاً لا يتجاوز 0.9% فقط عام 2023، لكن الحرب دفعت النسبة إلى 4.1% بنهاية العام ذاته.
ووفق دراسة لمؤسسة “راند” الأمريكية، قد تخسر إسرائيل نحو 400 مليار دولار خلال العقد المقبل بسبب تراجع الاستثمارات والإنتاجية.
لا تفوّت قراءة: “أنا بطل أوليمبي وأتقاضى 1500 جنيه”.. المصارع المصري كيشو يوضح سبب انتقاله لتمثيل أمريكا
كيف انهار اقتصاد غزة تحت وطأة الحرب؟ أرقام تكشف دماراً غير مسبوق
في قطاع غزة، تجاوزت الخسائر الاقتصادية كل التقديرات، إذ تحوّل الاقتصاد المحلي إلى أنقاض شبه كاملة بعد عامين من القصف والحصار المتواصل.
فقد شهد اقتصاد غزة انهياراً شبه تام، ما انعكس على الاقتصاد الفلسطيني بأكمله، بحسب تقرير البنك الدولي الذي وصف الانكماش بأنه “الأكبر منذ جيل”.
تسبّب الدمار الواسع للبنية التحتية في شلّ جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية، مما أدى إلى توقف شبه كامل للحياة الاقتصادية في القطاع.
ووفق تحليل لمركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة، جرى تدمير أو تضرر نحو 193 ألف مبنى، في مشهد يجسّد حجم الكارثة غير المسبوقة.
وتكبد اقتصاد قطاع غزة خسائر فادحة خلال العامين الماضيين، قدرها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بنحو 70 مليار دولار، وهي فقط الخسائر المباشرة الأولية لـ15 قطاعا حيويا.
لا تفوّت قراءة: من هو عمر ياغي الفائز بجائزة نوبل 2025؟ من لاجئ فلسطيني في عمّان إلى رائد الكيمياء
هل صمد التعليم في غزة أمام نيران الحرب؟

لم يقتصر الدمار في غزة على البنية الاقتصادية فقط، بل امتد ليضرب المدارس والجامعات في واحدة من أكبر الأزمات التعليمية في تاريخ القطاع.
فقد توقفت المؤسسات التعليمية عن العمل نحو عامين كاملين، لتسجّل غزة أطول فترة انقطاع عن التعليم في تاريخها الحديث.
ووفق مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، جرى تدمير أكثر من 90% من المدارس والجامعات جراء الغارات الجوية والقصف المستمر.
كما استخدمت إسرائيل الحرق والهدم المنهجي لإلحاق الضرر بهذه المنشآت التعليمية، مما جعل العودة إلى الدراسة شبه مستحيلة.
وأشارت المفوضية إلى أن أكثر من 658 ألف طفل حُرموا من التعليم منذ بدء الحرب، في مأساة تهدد مستقبل جيلٍ كامل.
كما استشهد 13,500 طالب، و830 معلماً وكادراً تربوياً، إضافة إلى 193 أكاديمياً وباحثاً جامعياً، لتفقد غزة أحد أهم أعمدة مستقبلها.
ويحذر الخبراء من أن هذا الانقطاع الطويل سيؤثر على إعادة بناء رأس المال البشري في غزة، ويعمّق آثار الدمار الاقتصادي والاجتماعي للسنوات المقبلة.
لا تفوّت قراءة: اكتشفي أسرار الشفاه اللامعة.. أفضل 8 براندات محلية لشراء Lip Gloss
هل يمكن لغزة أن تتعافى بعد انهيار نظامها الصحي والاقتصادي؟

تعرّض النظام الصحي في غزة لدمار واسع، إذ تؤكد منظمة الصحة العالمية أن 14 من أصل 36 مستشفى تعمل بشكل جزئي فقط.
وفي الوقت ذاته، تواجه مدينة غزة أزمة إنسانية خانقة، مع تفشي المجاعة بين السكان، حيث يعاني أكثر من 514 ألف شخص من الجوع الحاد.
ووفق نظام التصنيف المتكامل للأمن الغذائي، يعيش القطاع واحدة من أسوأ أزمات الجوع في تاريخه الحديث.
ولم يتوقف المشهد عند هذا الحد، فقد أدى النزوح الجماعي وتدهور البيئة الصحية إلى انتشار الأوبئة والأمراض المعدية.
وتشير التقارير إلى إصابة أكثر من 2.1 مليون شخص، من بينهم 71 ألف حالة كبد وبائي، في واحدة من أسوأ الأزمات الصحية في تاريخ القطاع.
وتُظهر الأرقام حجم الكارثة الإنسانية، مع مقتل 1,670 من الكوادر الطبية و140 من أفراد الدفاع المدني، ما شكّل ضربة قاصمة للمنظومة الإغاثية وأفقد غزة القدرة على الاستجابة للأزمات.
أما عن إعادة إعمار غزة، فتُقدَّر كلفتها بنحو 52 مليار دولار، بحسب مدير مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع.
لكن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في حجم التمويل المطلوب، بل في الزمن الطويل الذي تحتاجه عملية الإعمار وسط دمار البنية التحتية والاقتصاد.
ويُرجّح الخبراء أن يستغرق القطاع أعواماً قبل أن يبدأ بالتعافي الفعلي، في ظل غياب مقومات الاستقرار والتنمية.

لا تفوّت قراءة: موسم الرياض 2026/2025 يكشف عن مناطق جديدة مذهلة.. مغامرات وتجارب تفاعلية لا تُفوّت!
كيف غيّرت الحرب ملامح المجتمع في غزة؟

لم تقتصر الحرب على الدمار المادي فحسب، بل أحدثت زلزالًا اجتماعيًا أعاد تشكيل النسيج الإنساني داخل القطاع المنكوب.
فقد بلغ عدد الأرامل أكثر من 21,000 امرأة، كثيرات منهن فقدن المعيل الوحيد لأسرتهن في خضم القصف والنزوح المستمر.
وفي مشهد أكثر قسوة، تجاوز عدد الأطفال الأيتام 56,000 طفل، نشأ معظمهم وسط الفقد والخوف وانعدام الأمان.
تكشف هذه الأرقام عن جيلٍ كامل يعيش بين الركام، محروم من الرعاية النفسية والاجتماعية، في بيئة أنهكتها الحرب.
وبينما تتجه الأنظار إلى إعادة الإعمار المادي، تبقى إعادة ترميم الإنسان التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الغزّي في مرحلة ما بعد الحرب.
لا تفوّت قراءة: من “3 دقات” إلى “فاكر زمان”.. أجمل أغاني مهرجان الجونة السينمائي التي لا تُنسى
هل تقترب خسائر الجيش الإسرائيلي من نقطة الانهيار؟
على الجانب الآخر، تكبّد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية وميدانية غير مسبوقة منذ بدء الحرب على غزة.
فقد أعلن جيش الاحتلال مقتل 1,152 ضابطًا وجنديًا، أكثر من 40% منهم دون سن الحادية والعشرين، في حصيلة تعكس عمق النزيف البشري.
وفي تطور لافت، اعترفت وزارة الدفاع الإسرائيلية بأن نحو 80,000 جندي تلقوا علاجًا نفسيًا خلال الحرب، ما يشير إلى أزمة صامتة داخل المؤسسة العسكرية.
كما يعاني 26,000 جندي من اضطرابات نفسية حادة، بينما رفض ما بين 30% و40% من جنود الاحتياط الخدمة العسكرية بسبب الإرهاق العقلي والجسدي.
لا تفوّت قراءة: تارا عماد ضمن أفضل 500 شخصية مؤثرة في 2025.. 9 أعمال فنية تركت بصمة في قلوبنا
هل يواجه الجيش الإسرائيلي أخطر أزماته منذ تأسيسه؟
لم يقتصر تحدي الجيش الإسرائيلي على الاستنزاف الميداني، بل تصاعدت أزمة بنيته الداخلية لتتحول إلى تهديد استراتيجي طويل الأمد.
فقد كشفت التقارير عن نقص يتجاوز 12,000 جندي في صفوف الجيش، إلى جانب عجز بنيوي في الكوادر القيادية داخل القوات البرية.
وسجّل الجيش نقصًا في 300 ضابط ميداني، ما أدى إلى اضطراب هيكلي في وحدات القيادة والسيطرة خلال العمليات العسكرية المتواصلة.
ولتغطية هذا العجز، لجأ الجيش إلى تجنيد 5,000 امرأة في مهام قتالية خلال عام واحد، في سابقة هي الأولى من نوعها بهذا الحجم.
كما يسعى لتجنيد 700 يهودي من الخارج سنويًا، في محاولة لتعويض النقص المتزايد في القوى البشرية.
تتفاقم الأزمة مع تآكل الثقة بين المستويين العسكري والسياسي، حيث حذّر قادة بارزون من استحالة استمرار الحرب بهذا الشكل، كما قال غاي خازوت، مسؤول شعبة الدراسات العملياتية.