حكاية الأفندي والعامل.. البيروقراطية والجدال الذي لا ينتهي
في مرة من المرات أثناء الأحاديث الجانبية التي اعتدت أن أدخل فيها مع الوالد، حكى لي عن موقف من المواقف العديدة التي تعرض لها أثناء محاولاته للحصول على وظيفة في مرحلة شبابه، وبعد محاولات، استطاع أن يحصل على واسطة للعمل في إحدى المصالح، ولكن سأله المسؤول في البداية عن المنصب الذي يريد أن يصبح فيه فقال له بمعنى رمزي وليس حرفي “أكيد طبعًا عايز أبقى أفندي” والمفاجأة كانت عندما وصل إلى المقر ولم يجد أي إنتاجية لأنه ببساطة ” المكان كله 10 أفندية ومفيش غير 2 عمال”.
فلك أن تتخيل أنه بهذا الكم من عدد المرؤوسين والـ”الأفندية” كيف سيصل بهم الوضع لأن يصبحوا نموذج حي لـ”مدام عفاف القاطنة في الدور الرابع ولا ترضى بديلًا عنه” وبالتالي يصبحوا نموذجًا للـ”بيروقراطية الجميلة”؟
البيروقراطية: بين الأفندية والعمال
إذا لم يكن لديك الفهم الشامل لمعنى البيروقراطية فقانون باركنسون يفسر سبب المعضلة الأساسية التي أسندها إلى عاملين أساسيين، أولهما حسب تفسيره ما أطلق عليه قانون “مضاعفة المساعدين” أي تعيين مساعدين أو أكثر للمديرين يرفعون التقارير إليهم ولا ينافسون المديرين أنفسهم، وثاني عامل هو أن الموظفين الإداريين البيروقراطيين يخلقون مهامًا إضافية لغيرهم من الموظفين الإداريين.
ولكن التركيز سيكون على العامل الأول لأنه أقرب للقصة التي ذكرتها، وتشبه أيضَا المثال الذي ذكره باركنسون عندما قال أن عدد السفن في البحرية البريطانية انخفض في فترة بداية من 1914 واستمرت نحو أكثر من عشر سنوات، وترافق ذلك مع انخفاض في عدد العمال والضباط في البحرية الملكية، ورغم ذلك ظل عدد الموظفين الإداريين الذين يتمسكون بحرفية الإجراءات الروتينية يتضخم بنسبة تقارب 6% لا علاقة لها بحجم العمل، فبرغم انخفاض حجم العمل وتقلص عدد الموظفين المطلوب إدارة شؤونهم، كانت الإدارة حريصة على أن تتوسع.
ونتيجة ذلك حسب ما رأى أنه إذا زاد عدد الموظفين والمسؤولين الإداريين فإن الشركة سيكون نهايتها السقوط أو بمعنى آخر “الفشل” الآن أو بعد فترة من الزمن، لأن هذا سيعني تعاظم البيروقراطية وتدني الإنتاجية بسبب تركيز الموظفين في الشؤون الإدارية وليس في الإنتاج، لأن الأوامر أصبحت تطلق ولا يوجد من يقدر على تنفيذها بل فقط سببت عبئًا على الموظفيين، بدلًا من أن يأتي من يخفف الأعباء اليومية عليهم.
هذا المثال “الأفندية والعمال” جزء من دائرة كبيرة وعوامل أخرى تقطع تحت إطار الـ”البيروقراطية”، وشيء عالمي لم يحدث فقط مع صاحب النظرية وإنما يحدث يوميًا وتجده في مواقف مختلفة في حياتك اليومية، وربما هذه القصة التي تعرضت لها كانت جزء من دوامة ونظام اتفق البعض على فشله والبعض الآخر على نجاحه، ولكن الأكيد أن البيروقراطية بشكل أو بآخر سواء بكثرة الأفندية وقلة العمال قد خلقت أيضَا نموذجًا من “مدام عفاف”.
آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: رصاصة أنعشت مسيرته: ماذا بعد عودة ترامب للبيت الأبيض؟