جبانة الحيوانات المقدسة في سقارة تكشف افتتان المصريين القدماء برفاقهم من القطط

Luxor, Egypt - July 26, 2016: A row of carved alabaster cats available as souvenirs in Luxor.

“أنت القطة العظيمة، سيدة الآلهة، وقاضي الكلمات، وسيدة العظماء والسادة، وحاكمة الدائرة المقدسة؛ أنت حقًا القطة العظيمة”. نقش من مقابر وادي الملوك كما ذكره السير ارنست افريد واليس في المجلد الأول من كتاب “أرباب المصريين”.

المصري القديم معروف بحبه الشديد وافتتانه بكل السنوريات زيّ الأسود والقطط، وعندنا آلاف وربما ملايين القطع الأثرية اللي بتمثل السنوريات، منها أكبر وأشهر تمثال مصري في العالم؛ أبو الهول بجسد أسد ورأس إنسان. وظهرت السنوريات في مجوهرات وأدوات المصري القديم بشكل واضح، وارتبطت كذلك بآلهة مصرية كتير زيّ الربة “سخميت” برأس لبوءة (أنثى الأسد) وجسد امرأة، والربة “باستت” برأس قطة وجسد امرأة، زيّ ما بيوضح المؤرخ المصري بسام الشماع.

يوضح الشماع إن القطط ظهرت في التاريخ المصري القديم كحيوان أليف وحيوان مقدس، وتم نقش مشاهد من حياة المصريين القدماء على جدران المعابد والقصور مع القطط كشريك ورفيق في الحياة اليومية سواء في البيوت أو ورحلات الصيد، وكمان في رحلة الموت والنعيم في الحياة الآخرة. وقام المصريين القدماء بتحنيط قططهم وصنعوا لها توابيت بديعة ومجوهرات من الذهب والمعادن النفيسة، وعملوا أول وأكبر مقبرة للحيوانات الأليفة في العالم؛ جبانة الحيوانات المقدسة في منطقة سقارة في الجيزة.

منطقة سقارة الأثرية هي واحدة من أهم المناطق اللي بتكشف لنا كل يوم عن كنوز وأسرار من مصر القديمة، ومن بداية العمل في المنطقة في 2018 تم الكشف عن آلاف القطع الأثرية، واللي ضمت عشرات من تماثيل القطط الخشبية والمومياوات واللي بتكشف أجزاء من الغموض المحيط بتاريخ القطط في مصر القديمة. وحنط المصري قططه الأليفة علشان ترافقه في الحياة الآخرة بسبب عشقه لها ولأغراض دينية وطقسية كمان، على حسب كلام الشماع.

بيقول الشماع: “كمجتمع زراعي احترم المصريين القدماء كل الحيوانات اللي شاركتهم الحياة، سواء الماشية اللي منحتهم الطعام أو الطيور اللي ساعدتهم في الزراعة، وربطوا حيوانات كتير بآلهتهم، ولكن مافيش أي حيوان في مصر القديمة نال نفس القدر من الافتتان والاحترام زيّ القطط”.

المصري القديم أول من استأنس القطط في العالم

انتشرت الفئران والعقارب والتعابين في مصر القديمة بشكل كبير نظرًا لكونهم مجتمع زراعي وسط صحراء شاسعة غربًا وشرقًا، وهددت الحيوانات دي حياة المصري القديم ومحاصيله، وبالتالي يُعتقد إن المصري القديم لاحظ إن القطط البرية بتصطاد وتتغذى على الحيوانات الضارة، وأدرك فائدتها لحياته فبدأ يسيب لها الطعام زيّ رؤوس السمك علشان يجذبها للبيوت والحقول ومخازن الحبوب.

ظروف حياة المصري القديم كانت مناسبة جدًا للقطط، مش بس علشان الطعام كان كتير سواء من قوارض وغيرها من الحيوانات الصغيرة أو الطعام اللي بيقدمه الإنسان، ولكن ساعدها كمان على تجنب المفترسات اللي أكبر منها، وبسبب العلاقة التكافلية والنفعية المتبادلة ما بين القطط والإنسان المصري، انتقلت أخيرًا للعيش داخل البيوت بإرادتها وبدأت تربي صغارها في أمان واستقرار البيت.

مع عيش القطط في بيوت المصريين القدماء بدأ نظامهم الغذائي يتغير بسبب تدخل الإنسان في توفيره، وبدأ المصري ينظم برامج التناسل الخاصة بالقطط علشان يبرز خصائص معينة في مقابل خصائص تانية في القطط البرية، وأظهرت نقوش القبور مشاهد اصطحابه لقططه الأليفة في رحلات الصيد في تعبير عن التعاون مع حيوان معروف بفخره الشديد وشخصيته المتفردة بشكل عنيد.

بيقول الشماع في السياق ده: “بدأ افتتان المصري القديم بالقطط كحيوانات مشاكسة ولعبية، ولكن عشقها بسبب ذكاءها وعاطفيتها كصديق ورفيق، وقدراتها المبهرة على الصيد”.

القطط كرفيق وحيوان أليف في مصر القديمة

بيقول الشماع إن القطط بتظهر في نقوش مقابر الدولة الحديثة مع عائلات من المصريين القدماء، ومعظم النقوش بيظهر رحلات الصيد، ولكن الغريب في معظم النقوش إن المصريين في المشاهد دي بيظهروا لابسيين أفضل ملابس ومجوهرات، واللي علماء الآثار بيفسروه إنها ماكانتش رحلات بغرض الصيد فعلًا، ولكن بغرض الترفيه عن نفسهم وعن قططهم، خاصًة إن القطط بتظهر وهي بتلعب ووبتصطاد الطيور، وده اللي بيخلي علماء الآثار يعتقدوا إن النقوش دي بتعبر عن تبجيل القطط كحيوان بيحمي العائلة بتاعته وبيوفر عناية الآلهة وصانع النظام في مقابل الفوضى.

وبيضيف: “أهم نقش هو اللي موجود في مقبرة نيب أمون على الضفة الشرقية من الأقصر واللي بتظهر فيه قطة بتصطاد طيور، ولكن الأهم من ده هي عينها اللي عليها طلاء ذهبي لامع مش موجود في أي مكان في المقبرة غير ده، ورغم إن الطلاء اللامع ده بيستخدم في تزيين الآثار المعدنية ومالاحظناهوش أبدًا على نقش حجري، ولكنه بيخلي عين القطة تلمع زيّ ما تكون لسه عايشة، وبيفسر علماء المصريات الطلاء اللامع على عين القطة إنه بيزود طبيعة القطة الإلهية والمستمدة من رع إله الشمس، علشان تحمي سكان المقبرة في العالم ده والعالم الآخر”.

ويقول الشماع: “ظهرت القطة باستت في نقوش كتير تحمل سكين وتقتل الأفعى أبيب أو أبوفيس، وهو الرب الشرير اللي كان بيهدد رع رب الشمس، فكانت القطة بتدافع عن رع والشمس في رحلتهم في العالم الآخر خلال ظلمة الليل”.

واحد من المشاهد المنقوشة على مقابر الدولة الحديثة واللي بيوصفها الشماع بإنها “الأكثر شاعرية” هو مشهد القطة اللي قاعدة تحت كرسي صاحبة البيت، وبتوفر لها الحماية والصداقة، بالذات إنها مرتبطة بواحدة من أهم وأقوى الربات في مصر “باستت”.

تسمية القطط في مصر القديمة

يقول الشماع إن المصريين مافرقوش ما بين القطط البرية والقطط المستأنسة، وكانت كل القطط عندهم اسمها “مياو” في تشابه مع صوت مواء القطة، ولكن في استثناءات طبعًا زيّ القطة اللي اسمها “نيد جيم” ومعناه sweetie أو “الحبيبة“، واللي ترجع لعصر رمسيس التالت. وكان منتشر جدًا تلقيب البنات الصغيرة بكلمة “ميوت” ومعناها القطة الصغيرة”. وكانت القطط مهمة جدًا في تفسير الأحلام عند المصريين، فكان رؤية قط في المنام يعتبر فال خير وزيادة في الرزق والمحاصيل.

التغيرات اللي حصلت في القطط بعد استئناسها في مصر القديمة

يوضح الشماع: “كان في نوعين من القطط البرية في مصر القديمة؛ قطة الغابة البرية The jungle cat، والقطة البرية الأفريقية African wildcat، قطة الغابة كانت طباعها أهدأ من القطة الأفريقية وعلشان كده كان استئناسها أسهل وأسرع، واندمج نسل القطتين علشان يشكل القط البلدي اللي موجود في شوارع مصر لحد النهارده”. مع استئناس القطط، أتغيرت أشكالها فبقيت ألوانها أكتر وأزهى بسبب عدم حاجتها للتخفي، وأجسامها بقيت أصغر وعضلاتها أقل بسبب توفر الطعام وقلة نشاطها، وزادت قدرتها على التواصل مع الإنسان سواء التواصل الجسدي والعاطفي أو زيادة احتمالها للتواجد حواليهم.

في أدلة جينية بتقول إن كل القطط اللي في العالم جات بشكل مباشر من القطط المصرية، لإن المصريين هم أول من استئنسها في العالم وقدموا القط المستأنس domesticated cat للعالم كله، ولقى علماء الحفريات قطة تم دفنها مع صاحبها في بلدة “مستجدة” قرب أسيوط قبل 6000 سنة، يعني من عصور ما قبل التاريخ، زيّ ما بيقول دكتور بسام الشماع.

كان زوار مصر القديمة بيفتنوا بالعلاقة بين الإنسان والقطط وعلشان كده كان الزوار بياخدوا معاهم القطط لبلادهم، وكان اخراج قط من أرض مصر يعتبر جريمة، ورغم ده كان في صناعة مزدهرة لتربية القطط وتهريبها بره مصر، وكان الجيش المصري بيطلع حملات علشان يمنع مهام تهريب القطط المخطوفة خارج حدود مصر. ولكن رغم حرص المصري القديم على حماية قطط أرض مصر من الخاطفين والمهربين إلا إن عملية إنتشار القطط المصرية المستئنسة نجحت في توصيل الحيوان الجميل ده للعالم كله.

تل بسطة وعبادة الربة القطة باستت

بيقول الشماع إن تل بسطة كان اسمه قديمًا “بير باستت” ومعناه بيت الربة باستت، وكان أهم مركز لعبادة الربة القطة، وعلشان كده هو أكتر مكان لقينا فيه مومياوات وأثريات قطط.

وبيقول هيروديتس بعد زيارته تل بسطة سنة 450 قبل الميلاد، إن معبد الإلهة باستت ماكانش الأكبر ولا الأفخم، ولكن وصفة بإنه الأجمل، ووصف المهرجان اللي بيقام كل سنة للإلهة باستت في تل باسطة بإنه كان عظيم وبييجي له الحجاج بالآلاف من كل مكان في مصر، علشان يصلوا لباستت ويحتفلوا بها بالشراب والرقص والغناء.

القطط في الميثولوجيا المصرية القديمة

بيقول الشماع: “حيوانات كتير من محيط المصري القديم تم ربطها بشكل مباشر بالآلهة بتاعته زيّ البقر والتماسيح وأبو منجل والصقور وغيرها، وكذلك كانت القطط”، وبيضيف الشماع إن علماء المصريات اختلفوا حول السؤال؛ هل المصريين قاموا بعبادة الحيوان ذات نفسه ولا كان مجرد رمز للإله .

وبيضيف الشماع: “أي شخص في مصر القديمة كان يقدم على إيذاء قطة يعتبر مذنب وبيتم عقابه فورًا بالإعدام سواء قتل قطة متعمد أو عن طريق الخطأ”.

وحتى في عصر سيطرة الرومان على مصر كان الجندي الروماني اللي يقتل قطة مش هيحميه من الإعدام لا حكومته المحتلة ولا الخوف الشديد اللي نشرته في قلوب المصريين، والعقوبات الشديدة دي انتشرت في عصر الدولة الحديثة أكتر حيث شعبية عبادة باستت المتزايدة.

تحنيط القطط ما بين الحب والعنف

بيقول بسام الشماع: “معظم القطط اللي وجدناها محنطة تم قتلها بالعمد علشان تتقدم المومياء الخاصة بها كنوع من النذر votive للربة باستت”، وكان في صناعة مزدهرة في مصر القديمة في تربية القطط من أجل قتلها وتحنيطها كنذر في طقوس الصلاة لباستت.

كان الكهنة بيقتلوا القطة بخنقها أو كسر رقبتها، وبعض القطط اللي أتقدمت نذر كان عمرها أقل من خمس شهور، ورغم إن الفعل العنيف ده يناقض حب وافتتان المصري القديم بالقطط، إلا إن علماء المصريات كانوا بيفسروا ده بإن المصري كان يعتقد إن قتل القطة هيوصلها للجنة في العالم الآخر أو يرسلها مع الميت لحمايته ومرافقته في رحلة الموت وفي الآخرة.

بيقول الشماع: “لما كانت قطة البيت تموت كان المصريين بيحزنوا جدًا وبيحلقوا حواجبهم ويفضلوا في حالة حداد على حيوانهم الأليف لحد ما تنمو حواجبهم مرة تانية، وكانوا بيحنطوا القطة ويلفوها بالكتان، ويغطوا جسمها بزيت السيدار والتوابل ذات الراوئح الجميلة، ويعملوا لها جنازة ودفن لائق”.

حب القطط هزم المصريين

من القصص اللي بتظهر حب وافتتان المصري القديم بالقطط هي القصة اللي ذكرها المؤرخ الاغريقي بوليانوس في القرن الثاني الميلادي واللي حكى فيها إن الجيش الفارسي بقيادة قمبيز استغل حب المصريين للقطط في معركة البلوزيوم اللي تمت بالقرب من مدينة البلوزيوم في سيناء (تل الفرما حاليًا)، فقبض الفرس على عدد ضخم من القطط وأطلقوها في ساحة المعركة، فلما شاف الجنود المصريين القطط مرعوبة في ساحة الحرب اضطروا يستسلموا علشان يحموها.

بصدد الحكاية دي بيقول المؤرخ المصري محمد محيي: “دي مجرد خرافة، وتأليف الخرافات والجهل بتاريخ مصر هو سمة عامة لمؤرخي العالم القديم الذين اعتمدوا على التراث الشفهي وأقاويل المخرفين”.

وحتى لو كانت مجرد خرافة ملهاش أي صلة بالحقيقة إلا إنها تظل خرافة وليدة حقيقة العلاقة القوية بين المصري القديم والقطط، ودليل على ارتباط المصري القديم وافتتانه العظيم بالحيوان الجميل ده.

أخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: ذكرى دخول العائلة المقدسة مصر وأيقونات الرحلة في الفن القبطي

تعليقات
Loading...