مع حلول فصل الصيف وعودة موجات الحر القاسية، يصبح الطقس الحار جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. لكن تأثير الحرارة المرتفعة لا يقتصر على مجرد الشعور بالحر أو التعرق، بل يمتد إلى أعماق أجسامنا، مؤديًا إلى تغيرات فسيولوجية قد تحمل مخاطر صحية جدية.
كيف يتكيف الجسم مع درجات الحرارة المرتفعة؟ ولماذا تكون بعض الفئات أكثر عرضة للمضاعفات الصحية خلال موجات الحر؟ سنستعرض الإجابات بدقة، مستندين إلى دراسات علمية موثوقة وتحذيرات منظمات طبية عالمية، لنكشف أسرار تأثير الحرارة على صحتنا وسبل الوقاية الأمثل.
لا تفوّت قراءة: قلوب أطفالنا في خطر: كيف يفتك الإفراط في الشاشات بصحة الصغار؟
التوازن الحراري في الجسم: كيف يحافظ الإنسان على 37 درجة مئوية؟

يحافظ جسم الإنسان على درجة حرارة ثابتة نحو 37°م، لتعمل جميع الأنظمة الحيوية بكفاءة وبدون اختلال.
مع ارتفاع الحرارة المحيطة، يدخل الجسم حالة استنفار لتبديد الحرارة وحماية وظائفه الحيوية. يسعى الجسم إلى توسيع الأوعية الدموية السطحية لزيادة تصريف الحرارة، ويبدأ التعرق لتبريد الجسم عبر تبخر العرق.
ورغم فائدة هذه الاستجابات، فإنها تضع ضغطًا على القلب والدورة الدموية، وقد تؤدي لاختلال الأملاح والسوائل في الجسم.
وبالتالي، قد تظهر أعراض الإرهاق الحراري مثل الدوخة والإرهاق، مما يستدعي اتخاذ احتياطات للوقاية خلال موجات الحر.

لا تفوّت قراءة: متى يُعلَن الاعتراف بدولة فلسطين؟ فرنسا و14 دولة غربية تحسم موقفها
ارتفاع درجات الحرارة وتسريع عملية الشيخوخة: مخاطر صحية لكبار السن
تُعد الفئات العمرية المتقدمة أكثر عرضة لتأثيرات الحرارة، إذ تتراجع قدرتهم على تنظيم درجة الحرارة الداخلية مع التقدم في العمر.
ولا تقتصر المخاطر على الشعور بالانزعاج، بل تمتد لتؤثر مباشرة على صحة المسنين وتزيد احتمال الإصابة بمشكلات صحية خطيرة.
وفق دراسة نشرتها مجلة Nature بعنوان “Heat exposure and healthy ageing”، يزيد التعرض الطويل للحرارة من خطر الأمراض القلبية والكلوية واضطرابات الجهاز العصبي.
كما أشارت الدراسة إلى أن الحرارة قد تضعف الوظائف الإدراكية وترفع معدلات الوفيات المرتبطة بالحرارة، مما يستدعي اتخاذ تدابير وقائية عاجلة.
لا تفوّت قراءة: الكنوز الخفية لمصر..7 مواقع تراث عالمي لليونسكو يجب أن تراها
كيف تؤثر الحرارة المرتفعة على الجسم من الداخل؟

عند التعرض لدرجات الحرارة العالية، تبدأ سلسلة من التغيرات الفسيولوجية تؤثر على كل وظائف الجسم الحيوية.
تمدد الأوعية الدموية يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم، ما يجبر القلب على العمل بجهد أكبر لضخ الدم بشكل كافٍ.
وفي الوقت نفسه، يفقد الجسم كميات كبيرة من السوائل والأملاح عبر العرق، ما يخل بتوازن المعادن الحيوية مثل الصوديوم والبوتاسيوم.
تظهر الأعراض أولًا على شكل طفح جلدي وتورم القدمين، وقد تتطور إلى دوخة، صداع، غثيان، وتقلصات عضلية مؤلمة.
في الحالات الشديدة، قد تصل التأثيرات إلى الإغماء أو ضربة الشمس، وهي حالات طارئة تهدد الحياة وتتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا.
وأظهرت دراسة نشرتها مجلة The Lancet Planetary Health عام 2021 أن التعرض المطول للحرارة يزيد من مخاطر ضربة الشمس والإجهاد الحراري والجفاف.
لا تفوّت قراءة: هل يمكن لتفاحة يوميا أن تُغنيك عن الطبيب حقا؟ اكتشف الحقيقة العلمية!
ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها على النوم والصحة النفسية

يرتبط ارتفاع الحرارة بتفاقم أمراض الجهاز التنفسي والقلب، خاصة لدى كبار السن والأطفال والأشخاص ذوي الحالات الصحية المزمنة.
كما يؤثر على الصحة النفسية والإنتاجية، حيث يزيد من اضطرابات النوم، التهيج، ويفاقم القلق والاكتئاب وفق منظمة الصحة العالمية.
تتأثر كذلك القدرة الإدراكية والأداء البدني، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية في الأعمال التي تتطلب جهدًا بدنيًا في الهواء الطلق.
تسلط هذه التأثيرات الضوء على الحاجة الملحة لتطوير استراتيجيات وقائية وتكيف فعّالة لحماية الفئات الأكثر عرضة لمخاطر ارتفاع درجات الحرارة.
لا تفوّت قراءة: هل تضع واقي الشمس بطريقة صحيحة؟ أخطاء شائعة قد تضر بشرتك دون أن تدري
أعراض الإنهاك الحراري وضربة الشمس: كيف تفرق بينهما؟

تشمل أعراض الإجهاد الحراري الدوخة، الغثيان، التعرق الغزير، الإرهاق العام، وتقلصات عضلية في الأطراف.
إذا لم يتم التبريد سريعًا، قد تتطور الحالة إلى ضربة شمس، وهي طارئة طبيًا مع حرارة جسم تتجاوز 40°م وجفاف الجلد.
قد يفقد المصاب بالضربة الشمس الوعي أو يعاني من نوبات تشنج، وقد تصل الحالة للوفاة إذا لم تُعالج فورًا.
الفرق الأساسي: الإنهاك الحراري يمكن علاجه بسرعة خلال نصف ساعة، أما ضربة الشمس فتتطلب إسعافًا عاجلًا لحماية حياة المصاب.

لا تفوّت قراءة: خرخرة القطط: كيف تفسرها وترد عليها بلغة الحب؟
الفئات الأكثر عرضة للخطر أثناء موجات الحر

لا يتأثر الجميع بنفس الدرجة، فالفئات الأكثر عرضة تشمل كبار السن والأطفال الرضع الذين تقل لديهم قدرة الجسم على تنظيم الحرارة.
كما يزداد الخطر لدى مرضى القلب، السكري، ومشكلات الجهاز العصبي مثل الزهايمر، بسبب ضعف استجابة الجسم للحرارة.
تتفاقم المخاطر أيضًا مع تناول بعض الأدوية مثل مدرات البول، مضادات الاكتئاب، وأدوية ضغط الدم، التي تقلل التعرق أو تسبب جفاف الجسم.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه المشردون وسكان الطوابق العليا خطرًا أكبر نتيجة التعرض المباشر لأشعة الشمس أو الحرارة المرتفعة داخل الأماكن المغلقة.
كيف تحمي نفسك من تأثير الحرارة المرتفعة؟

تبدأ الوقاية من الإجهاد الحراري باتباع إجراءات بسيطة وفعّالة تحمي الجسم من مخاطر الحرارة الشديدة.
احرص على البقاء في أماكن مظللة أو مكيفة، خاصة بين الساعة 11 صباحًا و3 عصرًا، حيث تكون أشعة الشمس في أقصى قوتها.
اشرب كميات كافية من المياه وتجنب المشروبات الكحولية، وارتدِ ملابس فضفاضة وخفيفة تسمح بمرور الهواء.
استخدم كريم واقٍ من الشمس بمعامل حماية مرتفع وارتدِ قبعة عند الخروج، وتهوية المنازل مع إغلاق النوافذ والستائر خلال النهار.
تجنب ممارسة الرياضة أو أي مجهود بدني أثناء الحرارة، وإذا اضطررت للسفر، احمل زجاجة ماء دائمًا لضمان الترطيب المستمر.
لا تفوّت قراءة: كيف تستبدل رخصتك الأجنبية برخصة قيادة سعودية وفق إجراءات 2025؟
الإسعافات الأولية عند الاشتباه بضربة شمس أو إرهاق حراري

إذا ظهرت علامات الإنهاك الحراري، انقل المصاب فورًا إلى مكان بارد وساعده على الاستلقاء مع رفع قدميه قليلًا.
قدم له كميات كافية من المياه أو مشروبات إعادة الترطيب لتجنب الجفاف وتعويض السوائل المفقودة.
علاوة على ذلك، قم بتبريد جسمه باستخدام الماء البارد أو كمادات على الرقبة وتحت الإبطين لتخفيض درجة الحرارة بسرعة.
إذا لم تتحسن الحالة خلال نصف ساعة، أو ظهرت علامات ضربة الشمس مثل فقدان الوعي أو توقف التعرق، اتصل بالإسعاف فورًا لأنها حالة طبية حرجة.
لا تفوّت قراءة: مهرجان القلعة 2025: 18 حفلة مذهلة خلال 9 ليالي وأسعار تذاكر تنافسية
هل يمكن أن تؤدي موجات الحر إلى الوفاة؟

الجواب: نعم. صيف 2022 في إنجلترا سجّل 2985 حالة وفاة زائدة نتيجة درجات حرارة وصلت إلى 40.3°م.
ترتبط هذه الوفيات غالبًا بأزمات قلبية أو سكتات دماغية نتيجة الضغط الكبير على الدورة الدموية والجهاز العصبي.
الارتفاع في عدد الوفيات غالبًا يحدث في بداية الموسم الحار، حين لم تتأقلم الأجسام بعد على الحرارة المرتفعة.
أظهرت الدراسات أن تأثير الحرارة يبدأ بمجرد تجاوز 25 إلى 26°م، وأن معظم الحالات الخطيرة تحدث خلال أول 24 ساعة من موجة الحر.
لا تفوّت قراءة: أصوات من الأرض المحتلة.. أغانٍ فلسطينية تحكي الحنين والصمود لأهل غزة
هل تزيد بعض الأدوية من مخاطر الحر الشديد؟
نعم، لكن هيئة NHS تؤكد ضرورة الاستمرار في تناول الأدوية المعتادة مع التركيز على البقاء باردًا ومترطبًا.
فعلى سبيل المثال، مدرات البول، المعروفة أحيانًا بـ”حبوب الماء”، تزيد فقدان الجسم للسوائل، مما يرفع خطر الجفاف واختلال المعادن الحيوية، خاصة في الحر الشديد.
كما أن أدوية خفض ضغط الدم قد تتفاعل مع توسع الأوعية الدموية الناتج عن الحرارة، مما يسبب انخفاضًا خطيرًا في ضغط الدم.
بالإضافة إلى ذلك، بعض أدوية الصرع وباركنسون تمنع التعرق، فتحد من قدرة الجسم على تبريد نفسه بشكل طبيعي.
وأخيرًا، أدوية مثل الليثيوم أو الستاتينات قد ترتفع تركيزاتها في الدم إذا فقد الجسم كميات كبيرة من السوائل، مما يزيد من مخاطر حدوث مضاعفات صحية.