لبنان بلا رئيس منذ 27 شهرا: كيف ينتخب الرئيس في الجمهورية اللبنانية؟
لبنان يقف مجددًا على مفترق طرق سياسي حاسم، مع جلسة البرلمان الـ13 المقرر انعقادها الخميس 9 يناير 2025 لاختيار رئيس جديد للجمهورية.
بعد أكثر من عامين من الفراغ الرئاسي، تزداد الأنظار ترقبًا لمعرفة ما إذا كان الحل المنتظر سيأتي أخيرًا.
منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر 2022، يعيش لبنان حالة فراغ رئاسي مستمرة، مما يزيد من تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
وفي ظل أزمات سياسية واقتصادية خانقة، يتنافس أبرز المرشحين على عبور هذا الامتحان الوطني الصعب.
لكن التحديات أمامهم ليست أقل من ضخامة التطلعات: توافق داخلي هش، واستحقاقات إقليمية ودولية معقدة.
من هم المرشحون الأبرز؟ وما هي العقبات التي قد تحول دون تحقيق الاختراق المنشود؟
من يدير لبنان منذ 2022؟
منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر 2022، يعاني لبنان من فراغ رئاسي مستمر (27 شهرا بلا رئيس).
وفقًا للدستور اللبناني، تقع السلطة التنفيذية في غياب رئيس الجمهورية على عاتق رئيس الحكومة ومجلس الوزراء.
ومع ذلك، فإن الحكومة المؤقتة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي تتمتع بصلاحيات محدودة، مما يعيق قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الملفات السياسية والاقتصادية.
هذه الوضعية جعلت البلاد في مأزق حقيقي، حيث تظل الحكومة غير قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية العميقة أو التوصل إلى حلول سياسية شاملة.
الشروط والآلية: كيف ينتخب رئيس لبنان؟
تتم عملية انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان وفقًا للإجراءات الدستورية المقررة.
يبدأ البرلمان عادة في انتخاب الرئيس قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي بشهر على الأقل أو شهرين على الأكثر.
وفي حال لم يدعُ رئيس الجمهورية البرلمان لهذه الجلسة، يُلزَم أعضاء البرلمان بالاجتماع في اليوم العاشر الذي يسبق نهاية ولاية الرئيس.
تستمر مدة ولاية الرئيس اللبناني 6 سنوات، ولا يمكن إعادة انتخابه إلا بعد مرور ست سنوات من انتهاء ولايته.
إذا لم يجرى انتخاب رئيس جديد قبل انتهاء المهلة الدستورية، يتولى مجلس الوزراء صلاحيات الرئيس حتى يجرى انتخاب رئيس جديد.
آلية انتخاب رئيس لبنان داخل البرلمان
بعد دعوة رئيس مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد، تبدأ العملية الانتخابية تحت شرط أساسي وهو أن ينعقد المجلس النيابي بنصاب الثلثين على الأقل، أي 86 نائبًا أو أكثر.
عند بدء الجلسة، يفتح رئيس البرلمان الجلسة ويطلب مباشرة بدء عملية الاقتراع.
يجرى التصويت عبر الصندوق، حيث يحق لكل نائب أن يصوت لأي مرشح لبناني، سواء كان قد أعلن ترشحه أو لا، ومن أي طائفة كانت.
في الدورة الأولى من التصويت، يفوز المرشح الذي يحصل على غالبية الثلثين من الأصوات، أي 86 صوتًا أو أكثر.
وإذا لم يتمكن أي مرشح من الحصول على هذا العدد من الأصوات، يتم الانتقال إلى دورة اقتراع ثانية، حيث يفوز في هذه الدورة من يحصل على الغالبية المطلقة، أي 65 صوتًا أو أكثر.
تستمر هذه العملية في حال عدم التوصل إلى انتخاب رئيس حتى يحصل أحد المرشحين على 65 صوتًا.
ويجرى تحديد موعد جديد للجلسات اللاحقة، مع استمرار نفس الآلية في التصويت.
أزمات كبرى في وجه الرئيس
لبنان يواجه مجموعة من الأزمات الكبرى التي تتطلب من الرئيس المنتظر اتخاذ قرارات حاسمة.
يعاني اللبنانيون من تجميد أرصدة المدخرين في البنوك وفقدان العملة الوطنية أكثر من 90% من قيمتها.
هذه التحديات الاقتصادية ترافقها تبعات الحرب بين حزب الله وإسرائيل التي خلفت دمارًا كبيرًا في لبنان، ما يضع تعزيز وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين الذين شردتهم الحرب على رأس أولويات الحكومة المقبلة.
كما يعتبر ملف اللاجئين السوريين في لبنان أحد القضايا الحساسة، حيث يسعى لبنان إلى تسهيل عودتهم إلى وطنهم.
كيف تجرى عملية انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان؟
تعد الانتخابات الرئاسية في لبنان محطة مفصلية في المشهد السياسي، إذ يعتمد اختيار رئيس الجمهورية على نظام المحاصصة الطائفية الذي يوزع المناصب السيادية بين مختلف الطوائف.
ويخصص هذا المنصب للمسيحيين الموارنة، ما يعكس أهمية هذه الانتخابات في صياغة التوازنات السياسية والطائفية.
في ظل هذا النظام، تصبح العملية الانتخابية أكثر تعقيدًا، حيث تسعى الأطراف السياسية إلى تحقيق توافق يعكس تنوع المشهد السياسي والطائفي.
ومع ذلك، تزداد التحديات بسبب الانقسامات العميقة بين القوى اللبنانية، مما يجعل التوصل إلى إجماع على شخصية الرئيس الجديد أمرًا صعب المنال.
كيفية توزيع المناصب السياسية العليا في لبنان
أصبحت العملية أكثر تعقيدًا نتيجة للتركيبة السياسية المعقدة التي يعتمد عليها لبنان، والتي تقوم على نظام المحاصصة الطائفية المتفق عليه.
وفقًا لهذا النظام، يجرى توزيع المناصب السياسية العليا بين الطوائف المختلفة.
يجب أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيًا مارونيًا، في حين أن رئيس الوزراء يجب أن يكون من الطائفة السنية، ورئيس البرلمان من الطائفة الشيعية.
هذه التوازنات الطائفية تُضيف بعدًا آخر للتحديات التي يواجهها لبنان في اختيار رئيس جديد، مما يجعل التوافق السياسي أمرًا بالغ الصعوبة وسط الانقسامات الحادة بين القوى السياسية.
تحديات اقتصادية تنتظر رئيس لبنان الجديد
يواجه الرئيس المقبل في لبنان مهمة شاقة في ظل أزمة اقتصادية تعد من بين الأسوأ عالميًا.
أضحى الاقتصاد اللبناني على حافة الانهيار بسبب أزمة الميديونية التي زادت الأزمة السياسية وجائحة كورونا من حدتها.
ويصل حجم الدين العام أكثر من 150 بالمائة من الناتج الإجمالي، ليكون بذلك من أعلى معدلات المديوينة في العالم.
تجاوزت نسبة الفقر 44% من السكان في العام 2022، بينما شهدت الليرة اللبنانية انهيارًا غير مسبوق، مما أثّر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين وزاد من الأعباء المعيشية.
أفاد البنك الدولي بأن معدل الفقر في لبنان ارتفع 3 أضعاف خلال عقد ليشمل واحدا من كل 3 لبنانيين.
بلغ معدل التضخم السنوي في لبنان 221.3% مقابل 171.2% في العام 2022.
ووصل إجمالي الدين العام في لبنان إلى 90 مليار دولار، ويقدر الاحتياطي من العملات الأجنبية بـ20 مليار دولار.
وشهدت نسبة الارتفاع في أسعار المواد الغذائية في لبنان 336% خلال العام 2024.
وبلغت نسبة الارتفاع في أسعار المياه والكهرباء والغاز 11.6%. وتقدر نسبة البطالة في لبنان حوالي 40%.
إضافة إلى ذلك، يعاني لبنان من شلل في المؤسسات الحكومية وتراجع في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصحة والتعليم.
ويعد استعادة الثقة المحلية والدولية بمؤسسات الدولة من أبرز التحديات التي سيواجهها الرئيس الجديد.
لمعالجة هذه الأزمات، سيكون على الرئيس اتخاذ قرارات جريئة لإطلاق إصلاحات اقتصادية وهيكلية، والعمل على جذب الدعم المالي من المؤسسات الدولية، ووضع خطط مستدامة للنهوض بالاقتصاد.
لا تفوّت قراءة: ما هي التعديلات في المناهج الدراسية التي أثارت الجدل في سوريا؟
الفراغ المؤسسي والسياسي: تحدٍ مزدوج للرئيس اللبناني المقبل
يضاف إلى التحديات الاقتصادية التي تواجه لبنان فراغ مؤسساتي في قطاعات حيوية كالقضاء، التعليم، والصحة، مما يزيد من هشاشة الدولة.
تعزيز هذه المؤسسات وإعادة هيكلتها ستكون من الأولويات الملحّة للرئيس الجديد، خاصة مع تآكل ثقة المواطنين في النظام السياسي.
على الصعيد السياسي، يواجه الرئيس المنتظر مهمة صعبة في إدارة الانقسامات بين الأحزاب اللبنانية المتنافسة، التي تعيق التوافق على رؤية مشتركة للإصلاح.
التجاذبات السياسية المستمرة تعمّق الأزمات وتعرقل أي جهود لتحقيق استقرار فعلي.
إقليميًا ودوليًا، يقع لبنان في قلب تحديات جيوسياسية معقدة، أبرزها تأثيرات الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل.
هذا الواقع يتطلب من الرئيس القادم حنكة دبلوماسية استثنائية للموازنة بين علاقات لبنان مع القوى الإقليمية والدولية، بما يضمن حماية مصالح البلاد واستعادة دورها الفاعل في المنطقة.
من هو الرئيس المحتمل لرئاسة لبنان؟
تضم قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية في لبنان مجموعة من الأسماء البارزة التي تمثل تيارات سياسية متنوعة.
المرشح الأقرب لرئاسة لبنان: جوزيف عون
من بين هؤلاء، “جوزيف عون”، قائد الجيش اللبناني البالغ من العمر 61 عامًا، والذي يحمل إجازة في العلوم السياسية.
يعد جوزيف عون، المرشح الأكثر ترجيحا، وسيحظى بدعم المعارضة أيضا.
ويرجع ذلك في المقام الأول إلى رغبة حزب الله الجديدة في التوصل إلى تسوية. سابقا، كانت تدعم حزب الله سليمان فرنجية، حليف الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، للفوز بالمنصب.
ومع ذلك، أشار زعيم حزب الله الجديد، نعيم قاسم، الآن إلى أن الحزب يمكنه أيضاً أن يوافق على مرشح آخر تقبله أطياف متعددة من الشعب.
تتبنى كتلة “اللقاء الديمقراطي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط ترشيحه.
المرشح الرئاسي في لبنان: سمير جعجع
كما يتصدر القائمة سمير جعجع، رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية، الذي يعد أكبر المرشحين سنًا (73 عامًا).
جعجع درس الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت ويمثل الخط السياسي المسيحي المتشدد في لبنان.
المرشح الرئاسي في لبنان: جهاز أزعور
أيضًا، يبرز جهاد أزعور، وزير المالية السابق، الذي يعد أصغر المرشحين سناً (58 عامًا).
حصل أزعور على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد الأمريكية وينظر إليه كأحد الشخصيات الاقتصادية المتنورة التي قد تقود لبنان نحو الإصلاحات المالية.
وأعلنت قوى المعارضة و”التيار الوطني الحر” توافقها على اسمه، ويتولى منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي.
المرشح الرئاسي في لبنان: سليمان فرنجية
وأخيرًا، يأتي سليمان فرنجية، وزير الداخلية الأسبق وزعيم تيار المردة، الذي يبلغ من العمر 60 عامًا.
ويحظى ترشيحه للرئاسة بدعم من الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل).
وهو شخصية مثيرة للجدل نظرًا لعدم امتلاكه أي شهادات علمية أو دراسية، إلا أنه يعتبر من الشخصيات السياسية المؤثرة في لبنان وله قاعدة دعم كبيرة في بعض المناطق.
المرشح الرئاسي في لبنان: إبراهيم كنعان
إبراهيم كنعان هو شخصية سياسية بارزة في لبنان، تولى أمانة سر “تكتل التغيير والإصلاح” و”لبنان القوي”، وكان من أبرز الوجوه العونية.
كان له دور رئيسي مع شريكه “القواتي” ملحم رياشي في صياغة “اتفاق معراب” الذي مهّد الطريق أمام العماد ميشال عون للوصول إلى قصر بعبدا عام 2016.
وشغل منصب رئيس لجنة المال والموازنة منذ عام 2019.
وفي عام 2024، وبعد خلافات مع جبران باسيل، قدم كنعان استقالته من “التيار الوطني الحر” وانضم إلى عدد من النواب الذين ابتعدوا عن الحزب.
وطرح اسمه مرشحًا للرئاسة في عام 2023، وهو اليوم من بين الأسماء الجدية المطروحة، دون أن تظهر أي كتلة نيابية تحفظًا على اسمه باستثناء “التيار الوطني الحر”.
المرشح الرئاسي في لبنان: زياد بارود
دخل الحياة السياسية اللبنانية من خلال توليه وزارة الداخلية عام 2008 في حكومة فؤاد السنيورة، حيث كان شخصية وسطية تجمع بين الرئيس ميشال سليمان ورئيس “التيار الوطني الحر” آنذاك، العماد ميشال عون.
واستمر في موقعه حتى عام 2011 في حكومة الرئيس سعد الحريري.
وحافظ بارود على علاقاته الجيدة مع مختلف الأطراف السياسية.
واتجه بارود نحو العمل القانوني والأكاديمي، حيث كان له دور بارز في إنتاج قانون انتخاب يعتمد على النسبية للمرة الأولى في لبنان.
وفي 2018، ترشح على لائحة “التيار الوطني الحر” في كسروان لكنه لم يوفق، وعزف عن الترشح في 2022 بسبب تحالفات لم يقتنع بها.
المرشح الرئاسي في لبنان: سمير عساف
سمير عساف هو مصرفي لبناني دخل السباق الرئاسي بعد أن اصطحبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت عقب انفجار مرفأ بيروت في 2020.
ورغم أن عساف يحظى بدعم فرنسي كبير بفضل علاقاته الدولية الواسعة، إلا أن اسمه لا يتداول بجدية بين أغلب الكتل النيابية.
ورفض عساف تولي مناصب مثل حاكمية مصرف لبنان أو وزارة المال، مؤكدًا أنه يمكنه خدمة لبنان بشكل أفضل من دون مسؤوليات رسمية.
المرشح الرئاسي في لبنان: فريد الياس الخازن
فريد الخازن هو نائب وسفير سابق لدى الفاتيكان، فاز بمقعد نيابي عن كسروان ضمن لائحة “التيار الوطني الحر” قبل أن يصبح سفيرًا في الخارج.
وشغل أيضًا منصب رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت وله عدة مؤلفات في الفكر السياسي.
شخص ذو تاريخ طويل في التحالفات السياسية، حيث استقال من حكومة عمر كرامي في 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري، وكان قريبًا من “القوات” والكتائب في 2005 و2009.
ومع انتخابات 2018، انتقل ليصبح جزءًا من “فريق 8 آذار” وقام بوساطة بين “حزب الله” وبكركي. لكنه اليوم يعتبر خارج حسابات قوى المعارضة وكذلك “التيار الوطني الحر”.
المرشح الرئاسي في لبنان: نعمة إفرام
هو رجل أعمال من آل إفرام، نجل الوزير والنائب الراحل جورج إفرام.
وترشح لرئاسة الجمهورية ببرنامج واضح بعد دخوله الندوة البرلمانية في 2018.
وتحالف في البداية مع “التيار الوطني الحر” لكنه انسحب من التكتل عام 2019 وأصبح معارضًا للرئيس ميشال عون.
وعاد إلى البرلمان في 2022 بعد ترأسه لائحة تحالف مع الكتائب وناشطين في الحراك المدني، ويعتبر قريبًا من المجموعة السيادية في لبنان، ولكنه يحتفظ بموقف وسطي.