الصور متفبكرة ولا لأ! مش مهم، المبتز هيفضل هو اللي غلطان
في أي حادثة بتسبب ضجة في الشارع المصري وبنلاقي صداها على السوشيال ميديا دايمًا بنلاحظ نقطتين في ردود فعل معظم الناس؛ الأولى هي إهمال المشكلة الأساسية والتمسك بفرعيات، والتانية هي التعامل بمبدأ الازدواجية.
في أي بوست عن حالة تحرش أو اغتصاب هتلاقي معظم الكومنتات بتتجادل مع بعضها في كل النقاط قليلة الأهمية اللي بتحيط بحادث الاعتداء. ناس بتناقش لبس الضحية وتصرفاتها وبتحلل إيه اللي ممكن الضحية كانت تعمله مختلف علشان اللي حصل مايحصلش.
جدليات بتركز على فرعيات، وبغض النظر عن مدى أهمية الفرعيات دي، فالجدليات دي بتتجاهل القضية الأساسية وهي إن في شخص منح نفسه الحق إنه يعتدي على شخص تاني، وإنه استغل حريته كفرد في إنه يؤذي شخص أخر. الموضوع كده بكل بساطة، وأي جدليات تانية حولين النقطة دي تعتبر نقاشات ثانوية ممكن نأجلها لوقت تاني أو نتجاهلها ومانفكرش فيها أصلًا.
أما الطريقة اللي الناس بتوصم بيها بعض، ويوجهوا كل قوتهم في تحقير الشخص اللي قدامهم علشان تصرف معين لا يتفق مع مجموعة مبادئهم، فبيوضح أهم تاني نقطة وهي مبدأ الإزدواجية؛ معظم الناس بتتصرف في حياتها ضد صرح المبادئ اللي بتقدسه في الكومنتات وبتوصم الأخرين من خلاله.
رغم إن في ناس كتير في المجتمع بيفضلوا في كل أزمة أخلاقية ينادوا بمجموعة مبادئ نابعة من صرح أخلاقي شديد المثالية إلا إن الواقع بيقول إن نسبة التحرش في المجتمع المصري تعدت الـ 99.3% من نساء البلد. ونسبة تعاطي المخدرات في مصر ضعف النسبة العالمية، بنسبة 10% من المصريين بيتعاطوا مخدرات، على حسب كلام غادة الوالي، وزيرة التضامن الاجتماعي.
من غير أي نية في الحكم على الناس بسبب تعاطي المخدرات، لإن الظروف اللي بتدفع الناس لتعاطي المخدرات كتير وجزء مهم جدًا من الواقع المحيط بيهم. لكن في تناقض واضح ما بين الصرح الأخلاقي المثالي اللي الشارع بيدعيه على الضحايا، وما بين الواقع الأخلاقي اللي الناس عايشاه بعيدًا عن عيون الأخرين.
الصور متفبكرة ولا مش متفبركة؟ علشان بس نعرف هندعم الضحية ولا لأ!
آخر حادثة رأي عام شغلت المجتمع المصري كانت ابتزاز شابين لبنت بصور عارية أدت لانتحار المراهقة اللي عندها 17 سنة، بنت صغيرة لسه في مرحلة التشتت الطبيعي للنضج. حادثة شنيعة بكل المقاييس، وكلنا كمجتمع شريك فيها، بداية من المبتزين للأهل والمجتمع اللي دفعوها للانتحار باستخدام كل أساليب الضغط والتحقير والتهديد، وكله باستخدام مبدأ الشرف، اللي هو جزء من صرح المبادئ المثالية الهشة والمزيفة اللي بيلتف حوليها الجميع.
لولا السوشيال ميديا وروادها من الأجيال الجديدة، اللي بقت بتركز بقوة على هفوات المجتمع المركبة واللي بتسبب مصايب شنيعة زيّ حادثة البنت دي، ماكناش عرفنا حاجة عن الحادثة. لإن الواقع بيقول إن الحوادث دي كتير جدًا ومنتشرة من زمان وجزء من مجتمعنا.
لما نلاقي إن في ضحية، هي مجرد مراهقة عندها 17 سنة تقرر تنهي حياتها قبل ما تبتدي علشان خايفة من أهلها ومجتمعها، ونشوف المبتز الحقير ممكن يسبب إيه لضحيته باستخدام كام صورة تدفع المجتمع إنه يؤذي الضحية لدرجة دفعها لقرار بالقسوة دي، يبقى أكيد المجتمع ساعد المبتز وأصبح السلاح اللي بيستخدمه ضد الضحية. لازم نحاكم المبتز لإنه بدأ الجريمة، ونحاكم المجتمع لإنه كان السلاح اللي قتل الضحية.
والأسوأ إن الرأي العام، رغم إنه كان متعاطف مع الضحية بعد انتشار الخبر، إلا إن كانت في تفصيلة مش بتفارق أي خبر أو أي تصريح بيتعاطف مع الضحية، وهي إن الصورة مش حقيقية “متفبركة”. وده شيء خطير جدًا، لإننا لما نربط التعاطف مع الضحية بتفصيلة زيّ دي معناها إننا هنخسر تعاطفنا في لحظة لو التفصيلة دي ثبت إنها على النقيض.
وسواء كانت الصور حقيقية ولا متفبركة، ده مش مهم خالص في القضية، لإن قضيتنا هي المبتز ومصيبة خسارة روح لسه بتقول يا هادي وبتبدأ حياتها. النقطتين دول لوحدهم أكتر من كافيين للتعاطف مع الضحية والتركيز على جريمة المبتز والنتائج الكارثية اللي حصلت نتيجة فعله الإجرامي، ونركز على جريمة المجتمع ومشاركته في مقتل مراهقة.
وجود صور عارية لبنت عندها 17 سنة مع شخص بيذلها بيها، لا يدل على أي شيء في شخصية البنت غير إنها بنت صغيرة، ماعندهاش خبرة في الحياة وعايشة واقع مرعب ما بين مبتز عايز يذلها ويحولها لغرض جنسي يملكه، وما بين أهل متعاونين مع مجتمع مابيرحمش، مجتمع لازم كله يتحاكم النهارده بتهمة دفع مراهقة للانتحار.
يا سيدي الفاضل، اللي لازم نركز عليه في القضية دي هو الأطراف اللي شاركت في جريمة دفع البنت للانتحار، أما أي تفاصيل تانية ماتهمناش، علشان بكل بساطة أي تفاصيل تانية تمثل فرعيات في أزمة أكبر بكتير من فرعياتها وتفاصيلها الصغيرة.
ولما تفضل تربط دعمك وتعاطفك مع الضحية بكون الصور متفبركة أو لأ هتتحول لطرف من الأطراف اللي شاركت في الجريمة، لإنك مازلت بتستخدم نفس السلاح اللي المجرمين استخدموه علشان يقتلوا البنت، والسلاح ده هو مبدأ “الشرف”.
الشرف هو تفصيلة ثانوية لما تكون القضية الرئيسية هي دفع مراهقة للانتحار. لو فكرنا بالطريقة دي وركزنا على الكل والأساس من غير ما يشغلونا بالفرعيات هنقدر نحل مشاكل كتير، وهنعرف نحمي ضحايا مستقبليين كتير. والأهم إننا هنعرف كمجتمع نحط نفسنا في قفص الاتهام ونحقق في جريمتنا بكل شفافية ووضوح، ونعرف إيه العقاب اللي نستاهله ككل، وإيه الخلل الاجتماعي اللي حولنا كشعب لسلاح وجلاد ضد الضحايا.
آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: وكيلة مدرسة تنشر فيديو رقص لها دعمًا لمعلمة المنصورة في أزمتها