اضطهاد المحجبات في مصر: الحقيقة ورا مين بيضطهد مين
الصيف بيدخل علينا بالحر والرطوبة والزهق وحكايات اضطهاد المحجبات اللي مش عارفين يدخلوا الشواطيء أو النايت كلوب (النوادي الليلية). دايمًا في حكاية عن مكان بيرفض يدخل بنت علشان حجابها وبيتحجج بإن اختيارات المحجبات في اللبس مش بتتسق مع المنظر العام للمكان، زيّ ما يكون المكان له معايير معينة بتحدد مدى جودة الإنسان واتساقه مع مكان المفروض يكون عام ولكل الناس.
تقييم الإنسان ووضعه في خانة الجودة بناءًا على حاجات ظاهرية هو حاجة سطحية وسخيفة وماينفعش نعملها أصلًا.
نظرة متفحصة للواقع المصري واضطهاد المحجبات وغير المحجبات
منع دخول المحجبات بعض الأماكن، وإن كانت قليلة جدًا، هيفضل شيء مخزي وغير مقبول. لكن الحقيقة ان المحجبات بيتعرضوا للإضطهاد في كام كافيه و”نادي ليلي” وشاطيء أو اتنين، في حين إن غير المحجبات بيتعرضوا للاضطهاد في كل حتة من أول بيوتهم وأهاليهم لحد الشارع والشغل والمدرسة والجامعة والمترو.
في معظم طبقات وتراكيب المجتمع المصري، المحجبة بيتبصلها على أساس إنها واحدة محتشمة ومحترمة وأحسن من غير المحجبة، وإن اختياراتها مبنية على أساس عقائدي وروحي صحيح، في حين إن غير المحجبة بيتبصلها على أساس إنها واحدة مش كويسة ومتبرجة وبعيدة عن ربنا وبالتالي احتقارها كامرأة (لإن المرأة بيتم احتقارها من غير ما تعمل أي حاجة) بيضاف ليه احتقارها كغير محجبة. وفي الطبقات الاجتماعية دي اضطهاد غير المحجبات بيكون في كل مكان وكل وقت.
أما الطبقات الاجتماعية التانية اللي بتشوف المحجبات “بيئة وبلدي ومش متحررين ومتخلفين ودماغهم مقفولة” بتضطهدهم على الأساس الطبقي والعنصري ده.
لما نبص للواقع المصري من حيث الإحصائيات هنلاقي إن الطبقات الاجتماعية في المثال الأول هي اللي مسيطرة في مشهد الاضطهاد، لإنها بتمثل الجزء الأكبر من المجتمع المصري، لإننا كشعب عندنا ميول، بحكم التاريخ والأيديولوجيا والتأثير الخارجي والداخلي، للجانب العقائدي وفي الفترة الأخيرة، وبعد انتشار تأثير الإخوان المسلمين على المشهد الاجتماعي في مصر، اتحول الجزء الغالب من المصريين للمثال الأول اللي بيضطهد غير المحجبات.
فتاة الفيوم اللي كانت مهددة بالطرد من قريتها علشان قلعت الحجاب
شوفنا أخبار متداولة عن بنت تعرضت للعنف من أهل قريتها في الفيوم اللي بتعيش فيها لإنها قررت تقلع الحجاب، وطلعت البنت في فيديو بتستغيث فيه من الخطر اللي بتتعرضله وإنها مهددة بالطرد من المكان اللي اتربت فيه، رغم إنها ماعملتش أي حاجة غير إنها اختارت تقلع الحجاب.
هل معنى كده إن اضطهاد المحجبات موضوع ثانوي ومايستاهلش إننا نتكلم عنه؟
أكيد لأ طبعًا. بالعكس لازم نتكلم عن المشكلة دي وننقدها ونحللها وندرس الأسباب والحلول والدوافع. المشكلة الحقيقية هنا هي أزمة محسوبية اجتماعية على لبس المرأة. طبقتين المجتمع، اللي قولنا عليهم بيضطهدوا النساء، عندهم أزمة حرية شخصية وقصور في رؤية الإنسان بعيدًا عن اختيارات ثانوية زيّ اللبس.
المفروض مايكونش عندنا مشكلة نشوف بوركيني على الشاطيء، زيّ ما مايكونش عندنا مشكلة نشوف بيكيني، لإننا لما نشوف واحدة ست في أي مكان مش من المفروض يكون لبسها عامل في الحكم عليها كشخص كويس أو وحش. طيب أو شرير. متعلم أو جاهل. متعصب أو متسامح. كل دي أمور مهمة في شخصية الفرد اللي قدامك، بس لازم تعرف إن اختياراته في اللبس مش بتعكس غير معاني قليلة جدًا من الحاجات دي.
اعترافات مراهقة فلسفية
أنا كان عندي مشكلة في وقت ما مع الحجاب لإني كنت شايف إن الحجاب تسليع جنسي للمرأة أكتر من واحدة عريانة في مشهد جنسي على التلفزيون. كنت شايف إن المحجبة بتغطي جسمها لإنها بتعامل جسمها على أساس إنه أداة جنسية بحتة لازم تخفيها عن عيون الأخرين وشايفة إن كل الأخرين دول شايفينها كأداة جنسية مش إنسان له شخصية ورأي وميكانيزم في المجتمع، وبالتالي كنت شايف إن أقبح شكل من أشكال تسليع المرأة هو تسليعها لذاتها.
أنا كنت غلطان وأرائي كانت متحيزة ضد الاختيارات المبنية على أساس روحي وعقائدي وده كان نتيجة لأفكاري الفلسفية النقدية للعقيدة والروحانيات واللي للأسف اتشكلت نتيجة قراءة الدين في صورته الاجتماعية اللي بتطلع نتيجة النزاعات الجمعية القائمة على المحسوبية والتعالي من بعض الأفراد على بعض باسم الدين.
ماكنتش ببص للدين كجوهر وكحاجة إنسانية أساسية في سبيل النجاة من فك الأزمة الوجودية اللي الإنسان عايشها من أول ما اتوجد على الأرض.
إن الواحدة تلبس حجاب أو تقلعه، أو إنها تلبس بيكيني أو بوركيني، مايفرقش معانا كمجتمع طالما قائم على أساس اختيار فردي حر وخالي من أي ضغوط خارجية.
ازاي نحرر المرأة من فروض وضغوط المجتمع على لبسها؟
ممكن نبدأ نبطل محسوبية وتهافت سخيف وأحكام مسبقة على الأخرين وعلى اختيارات لبسهم.
لما نبطل نبص للمرأة علي انها شرف العيلة كرامة الوطن ونبدأ نبصلها علي انها فرد مستقل في المجتمع ومن حقها تختار كل حاجة تخصها من غير محسوبيات المجتمع عليها، ساعتها بس نقدر نقول ان اختيارات المرأة في ملبسها وحياتها ككل هتكون حرة تمامًا من أي ضغوط خارجية.
النسوية المصرية ما بين تحرير المرأة واستعبادها في صور جديدة
المجتمع المصري واخد مجموعة من الأفكار الإسلامية وبيحاول يطبقها من خلال رؤيته الذاتية ومع وصول الحركة النسوية ومثالياتها ومحاولات إثبات نفسها في وسط الجدلية الاجتماعية-الدينية، اتكونت موجات فكرية متناقضة من تلاقي العوامل السابق ذكرها.
من الأفكار المتناقضة اللي طلعت نتيجة تلاقي مثاليات النسوية مع الجدلية الدينية في مصر كانت مشكلة تصادم المحجبات مع غير المحجبات واللي شكلت كل الجدليات والعواصف النسوية اللي بتحصل في مصر كل شوية.
حكم المحجبات علي غير المحجبات والعكس
المأساة الحقيقية في نظرة غير المحجبات للمحجبات على إنهم “بيئة وبلدي ومنظرهم بالبوركيني على الشاطيء مش منظر جمالي وإنهم بيسوئوا سمعتنا”. وكمية الصور اللي بتتداول على السوشيال ميديا لبنات من الستينات والسبعينات في الجامعة لابسين لبس قصير على إنه الوقت اللي مصر كانت فيه متحررة.
يقابل كده رأي المحجبات في غير المحجبات واللي شايفينهم بنات صيع وأخلاقهم بايظة وبيشربوا وبيعملوا حاجات عيب وحرام.
الست اللي بتمارس المحسوبية على ست تانية على أساس اختياراتهم في اللبس بتعمل أسوأ حاجة ممكن تحصل في قضية تحرير المرأة من قيود المجتمع اللي بتخنقها.
حكمك على الاختيارات الحرة والشخصية للنساء بيوقع كل الستات ومن ضمنهم أنتي في قيود اجتماعية زيّ القيود اللي أنتي عمالة تصيحي وتقولي خرجونا منها. أنتي بتشجعي المجتمع اللي بيضطهدك على إنه يضطهد ستات تانية وبتديله كل الأدوات اللي ممكن يستخدمها علشان يضطهدهم.
ازاي الست تلبس صح وماتلبسش غلط؟
مفيش حاجة اسمها لبس صح ولبس غلط، اللبس هو عبارة عن تعبير شخصي عن المحتوى الفني الداخلي للفرد ولو كان في حاجة نقدر نحكم عليها في لبس الشخص هتبقى ذوقه الفني وذوقه في الفاشون، غير كده مفيش أي أحكام نقدر نستشفها من اللبس.
اتأكدي من تحررك المطلق من أي ضغوط خارجية أو أي صور ذاتية مبنية على توقعات المجتمع ليكي كفرد مؤنث فيه، وبعدين اعتنقي أفكارك الخاصة واختياراتك الشخصية بقوة وحاربي علشانها بس ماتنسيش إن دي هتفضل معركة ثانوية في مقابل حربك كامرأة ضد الاضطهاد الاجتماعي للنساء ككل بغض النظر عن اختياراتهم في اللبس أو طبقاتهم الاجتماعية.
لإنه وبكل أمانة حرب النساء في مصر محتاجة كل امرأة من كل موقع وكل طبقة اجتماعية تقف معانا كلنا علشان ننتصر في حربنا ضد السيادة الأبوية والاضطهاد اللي متوجه ناحية كل النساء بغض النظر عن طبقاتهم الاجتماعية ومستوياتهم التعليمية وانتمائاتهم الفلسفية والعرقية والفكرية والدينية. كل النساء في مصر مضطهدات والوضع مش مستحمل إن الستات تضطهد وتمارس محسوبية على بعض خالص.