لم يكن أحد يتخيّل أن بيجامة كاستور مصرية بسيطة، تُباع في محلات عمر أفندي وصيدناوي، ستتحول إلى سلاح نفسي ذكي استخدمه الرئيس أنور السادات لهزّ غرور الجيش الإسرائيلي بعد نصر أكتوبر 1973.
في مشهد أثار دهشة العالم، خرج الأسرى الإسرائيليون من المعسكرات المصرية وهم يرتدون البيجامات الكستور، في صورة رمزية حملت رسالة انتصار وهيمنة لا تُخطئها العين.
فلماذا أصرّ السادات على هذا الزيّ تحديدًا؟ وما السرّ وراء هذا القرار الذي بدا بسيطًا في شكله، لكنه حمل في طيّاته واحدة من أعمق رسائل حرب أكتوبر المجيدة؟
قصة غير معروفة للكثيرين نرويها لكم في ذكرى النصر، لتكتشفوا كيف تحوّلت قطعة قماش إلى صفعة ناعمة على وجه الغطرسة الإسرائيلية.

لا تفوّت قراءة: حولن الألم إلى أمل.. 6 سيدات ملهمات تركن بصمة وردية في قلوب محاربات سرطان الثدي
البيجامات الكستور.. من مصانع المحلة إلى ميادين المجد في نصر أكتوبر

في ستينيات القرن الماضي، ازدهرت الصناعات الوطنية المصرية، خصوصًا صناعة القطن والنسيج، وكانت المحلة الكبرى القلب النابض لإنتاج القماش المصري المميز.
تميّز عمّال المحلة بمهارتهم في غزل الكتان والحرير، بينما أبدع الدمايطة في صناعة الأثاث، فغزت المنتجات المصرية الأسواق والشاشات معًا.
وشاهد الجمهور نجوم الزمن الجميل في الأفلام المصرية وهم يرتدون البيجامات والجلاليب الكستور، مثل عماد حمدي في أم العروسة وحسين رياض في بابا أمين.
وسط هذا الازدهار الصناعي والفني، ولدت البيجامة الكستور كرمز للبساطة المصرية، تُباع في صيدناوي وعمر أفندي، وتُصرف أحيانًا عبر بطاقات التموين مع الزيت والسكر والشاي.
وهكذا، خرجت البيجامة الكستور من نسيج المصانع إلى ذاكرة الوطن، لتُكتب لاحقًا في صفحات نصر أكتوبر كرمز خفي من رموز الكبرياء المصري.
لا تفوّت قراءة: 10 أغاني لا يعرفها جيل زد: ذكريات موسيقية من شرائط التسعينات والألفينات
البيجامات الكستور.. من رمز الطفولة إلى أداة لإذلال العدو في نصر أكتوبر

ارتبطت البيجامة الكستور بذكريات الطفولة في الريف المصري، إذ كان الأطفال يرتدونها بعد الطهور، يمنحهم قماشها الناعم راحة ويخفف عنهم الألم.
كما كان زي المدارس المصرية يعتمد على قماش الكستور، فكانت المريلة البيج رمزًا للوحدة بين التلاميذ من مختلف الطبقات، مصنوعة من قطن مصري خالص 100٪.
لكن مع مرور السنوات، تغيّر معنى هذه القطعة البسيطة، لتتحول من رمز للبراءة إلى رمز وطني يحمل دلالة الانتصار والعزة.
خلال حرب أكتوبر المجيدة 1973، اتخذ الرئيس أنور السادات قرارًا لافتًا بأن يرتدي الأسرى الإسرائيليون البيجامات الكستور بعد انتهاء القتال.
ولم يكن الاختيار عشوائيًا، إذ أراد السادات أن تكون ملابس الأسرى من إنتاج مصانع المحلة الكبرى، في رسالة رمزية تُجسّد إذلال العدو بذكاء وهدوء.


لا تفوّت قراءة: أشهر جدات في السينما والدراما ..من تيتا زوزو التي أضحكتنا إلى ماما نونا التي أبكتنا
“بيجامات المحلة يا ولا”.. قطعة قماش كانت عارًا على إسرائيل
محمد عياد، شاب في الثالثة والعشرين وقتها، عمل بشركة مصر للغزل والنسيج، يقول بفخر
لبسهم البيجامة كان عارًا عليهم، ورسالة من مصر للعالم
أحد العاملين في تجهيز البيجامات الكستور للأسرى
قرار مدروس.. ورسائل رمزية من السادات بعد نصر أكتوبر
يؤكد عياد أن القوات المسلحة المصرية طلبت كميات ضخمة من البيجامات الكستور من مخازن الشركة فورًا، فنُقلت بسرعة إلى الجبهة ضمن المجهود الحربي.
كما تم إرسال دفعات إضافية احتياطيًا لتلبية احتياجات الأسرى، في مشهد يجسد تنظيم الجيش المصري ودقة تنفيذه حتى في التفاصيل الرمزية.
ويضيف عياد أن السادات تعمّد استخدام هذا الزي كوسيلة إذلال نفسي فريدة، تُظهر تفوق المصريين دون إطلاق رصاصة واحدة.
بل تجاوزت رمزية الفعل حدود المعركة، إذ ارتدى السادات بعد الحرب كرافته تحمل شعارًا يشبه الصليب المعقوف، في إشارة مدروسة لهزيمة الغطرسة الإسرائيلية.

لا تفوّت قراءة: حكاية الجلاب الصعيدي.. حلوى تراثية خطفت قلوبنا وسُميت بـ”آيس كريم الغلابة”
كاستور المحلة وحرب أكتوبر.. خيوط صنعت النصر وخلّدت الكرامة
يروي عمّال الغزل والنسيج في المحلة الكبرى قصتهم لأحفادهم كل عام بفخر، مؤكدين أن ما نسجته أيديهم صار جزءًا من تاريخ النصر المصري الخالد.
ويستعيد عياد تلك الذكريات قائلًا: “كنّا جميعًا نحارب، نعمل ساعات إضافية للمجهود الحربي دون تردد، على قلب رجل واحد من أجل مصر”.
وهكذا، تحوّلت قطع القماش الكاستور من مجرد منتج محلي إلى رمز وطني يخلّد بطولات المصانع والجنود معًا في ملحمة نصر أكتوبر المجيدة.
لا تفوّت قراءة: من الزمزمية إلى الفلاسك.. كيف تغيّرت أدوات ومستلزمات المدرسة عبر الأجيال
دموع جولدا مائير.. حين عاد الأسرى الإسرائيليون ببيجامات كاستور المحلة
عند عودة الأسرى الإسرائيليين إلى تل أبيب ببيجامات الكاستور المحلاوي، انهمرت دموع جولدا مائير كما وثق فيلم “يوم النصر”.
ظهر المشهد بين 15 و22 نوفمبر 1973، حين أطلقت مصر سراح 242 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا بالتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي.
كان المشهد صادمًا لتل أبيب، إذ تحولت البيجامة الكاستور إلى رمز للهزيمة وذكرى مؤلمة خالدة بعد نصر أكتوبر المجيد.
وهكذا تحولت بيجامة الكاستور المصرية من رمز للطفولة إلى رمز للنصر والكرامة، ومن نسيج بسيط إلى رسالة خالدة تقول:
نسيج مصر لا يصنع القماش فقط… بل يصنع المجد
لا تفوّت قراءة: الجزء الأول| أفضل 10 أفلام مصرية في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين (2000–2025)
شركة مصر للغزل والنسيج.. تصنع التاريخ لا الملابس

تأسست شركة مصر للغزل والنسيج عام 1927، ولم تكن مجرد مصنع، بل رمز وطني عريق جسّد روح الصناعة المصرية.
البيجامات التي حيكت بخيوط القطن المصري الخالص عبرت مع الأسرى الإسرائيليين إلى تل أبيب، لتتحول إلى رمز للهزيمة.
أثبت المصريون أن النصر لا يُصنع بالسلاح وحده، بل بالفكر والرمز، حين حوّلوا الملابس من ستر للجسد إلى إذلال للعدو.
تحوّل المقاتلون الإسرائيليون إلى أسرى بملابس نوم مصرية، في مشهد يحمل أبعادًا نفسية عميقة ما زالت تُقرأ وتُحلّل حتى اليوم.
وفي سياقٍ موازٍ، أحيت الإعلامية إسعاد يونس ذكرى نصر أكتوبر بأسلوب مبتكر، إذ ظهرت مرتدية بيجامة كاستور المحلة في إعلان حلقة خاصة بعنوان “كاستور المحلة”.
