كيف تسعى مصر لوقف إطلاق النار بين حماس والكيان الصهيوني في غزة؟

تواصل مصر جهودها الدؤوبة كوسيط رئيسي لتحقيق السلام ووقف مؤقت لإطلاق النار في غزة بين حماس والكيان الصهيوني، حيث استضافت القاهرة وفد قادة حماس في 30 نوفمبر الماضي.

بعد فشل مفاوضات سبتمبر وتصعيد الكيان الصهيوني لهجماتها في غزة ولبنان، تظهر مصر إصرارها على تهدئة الأوضاع وإحلال الاستقرار بالشرق الأوسط، لا سيما غزة.

لم يكن هذا جديدا على مصر، دولة السلام، التي تسعى دوما للحد من المعاناة الإنسانية وتعزيز الأمن الإقليمي، مستثمرةً تاريخها الطويل في الوساطة ونقل الخبرة الدبلوماسية الفعالة.

ما الذي يعقد الأزمة؟ خلال العام المنصرم، أصرت حماس على أن أي اتفاق يجب أن يتضمن وقف الحرب نهائيا في قطاع غزة. لكن إسرائيل ترفض هذا المطلب وتصر على أن الحرب لن تنتهي إلا بتوقف حماس عن حكم غزة.

هذا التباين العميق في المواقف جعل التوصل إلى حل وسط أمرًا بالغ الصعوبة، حيث ترى حماس إنهاء الحرب شرطًا أساسيًا لأي اتفاق، بينما تربط إسرائيل ذلك بإنهاء سيطرة الحركة على القطاع.

شروط وقف إطلاق النار في غزة: هدنة 60 يوما مثل لبنان

وفقًا للتقارير حول الجهود المصرية، فقد ناقشت مصر مع الجانب الإسرائيلي إمكانية التوصل إلى اتفاق مرحلي يتضمن هدنة لمدة 60 يومًا، على غرار التسوية التي تمت بين إسرائيل ولبنان.

وتأتي هذه الخطوة في إطار الجهود المبذولة لتخفيف حدة التوترات وتعزيز الاستقرار في المنطقة، مع التركيز على تحقيق هدنة مؤقتة قد تساهم في خلق بيئة مواتية لحوار دبلوماسي أعمق من أجل الوصول إلى حلول طويلة الأمد.

وخلال هذه الفترة، اقترحت مصر عدم انسحاب إسرائيل من مواقع تمركزها في قطاع غزة، وهو ما كان يشترطه موقف حركة حماس.

هذا الاقتراح يمثل محاولة للتوازن بين الحفاظ على الأمن الإسرائيلي ومتطلبات المفاوضات مع الفصائل الفلسطينية.

ويسعى المقترح إلى تهدئة الوضع الميداني وتوفير فترة من الاستقرار النسبي، في انتظار التقدم في المحادثات بشأن القضايا العالقة.

مقترحات مصر لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل: فتح معبر رفح

في المقابل، اقترحت مصر على إسرائيل التنازل عن مطلب الحصول على قائمة بأسماء الأسرى الأحياء مسبقًا، ومنح حركة حماس مهلة لعدة أيام خلال الهدنة لتحديد هذه القائمة.

كما اقترحت مصر فتح معبر رفح فورًا لإدخال المساعدات الإنسانية دون اشتراط انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا، مع تولي الجانب الفلسطيني إدارة المعبر بوجود آلية رقابة أوروبية.

ومن ضمن الاقتراحات أيضا، وقف تدريجي للحرب في غزة وانسحاب تدريجيا وعودة للنازحين إلى شمال غزة.

إذا وافقت حماس على هذا المقترح المصري، سوف تعتزم الحكومة الإسرائيلية دعوة الكابينت غدا الخميس لإجراء التصويت.

ورغم أن هذه الجهود المصرية قد لا تؤدي إلى وقف فوري للحرب على غزة، فإن مصر تسعى إلى ضمان وجود عرض من الجانب العربي جاهز أمام البيت الأبيض عندما يتسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب مهامه في يناير المقبل.

وتسعى مصر لذلك بهدف عدم استجابة دونالد ترامب بشكل كامل للرؤية الإسرائيلية، بل تقديم إطار شامل يأخذ بعين الاعتبار المصالح الفلسطينية والعربية.

أمريكا تضغط وحماس ترفض

مارست الولايات المتحدة ضغوطًا غير مباشرة على حركة حماس للتنازل عن شروطها لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، وذلك من خلال عدة قنوات.

شملت هذه الضغوط الوساطة التركية التي تدخلت في هذا السياق، بالإضافة إلى التقارير التي أفادت بتخلي قطر عن موقفها السابق في استضافة قيادة حركة حماس في الدوحة، وهو ما انتشر بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين.

وقد طالبت قطر قادة الحركة بمغادرة الإمارة بعد إعلانها عن تجميد الدور التفاوضي لها في بداية شهر نوفمبر الماضي، مما عكس تحولًا في موقفها تجاه القضية الفلسطينية وأثّر على ديناميات المفاوضات بين الأطراف المختلفة.

واشنطن: “لم نصل لاتفاق بعد”

في الأول من ديسمبر 2024، أعلن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، في تصريح لوسائل الإعلام أن البيت الأبيض يعمل على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن في غزة.

لكنه أشار إلى أن هذه المساعي لم تصل بعد إلى نتيجة ملموسة.

وجاءت هذه التصريحات في ظل أجواء إيجابية أعقبت الهدنة الأخيرة في لبنان، والتي أعطت أملاً بتحقيق تقدم في الملف الفلسطيني.

وأوضح سوليفان أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتبر اتفاق لبنان “فرصة حقيقية” للتوصل إلى وقف لإطلاق النار واتفاق بشأن الرهائن في غزة.

وأشار إلى أن بايدن قد تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أعرب بدوره عن توافقه مع بايدن، مؤكدًا أن “الوقت مناسب” لتحقيق هذا الهدف.

مؤشرات إيجابية قريبا من إسرائيل؟

صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر خلال مؤتمر صحفي أن هناك “مؤشرات” إيجابية قد تؤدي إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن في غزة.

وأوضح ساعر أن هذه المؤشرات تشمل وجود درجة أكبر من الليونة من جانب حركة حماس، مشيرًا إلى أن الظروف الحالية، بما فيها اتفاق لبنان الأخير، ساهمت في تعزيز هذه الأجواء.

وأكد ساعر أن الحكومة الإسرائيلية لديها “نية للتقدم” في هذا الملف، مشددًا على أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة لتحديد مدى إمكانية تحقيق تقدم ملموس.

وقال ساعر: “من وجهة نظرنا، حكومة إسرائيل، هناك رغبة في التقدم في هذا الاتجاه”.

المعضلة الأهم: من يدير قطاع غزة لاحقا؟

أهم ما فعلته مصر لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في غزة هو طرحها لحل فعّال للمعضلة التي كانت تعرقل المفاوضات طوال العام الماضي، وهي مسألة من يتولى إدارة قطاع غزة بعد الهدنة.

وقد جرى تقديم الحل في الأيام الأخيرة من خلال تكوين “لجنة الإسناد المجتمعي في قطاع غزة”، وهو اتفاق بين حركتي فتح وحماس.

أظهرت مسودة اللجنة بأن تكون المرجعية للحكومة الفلسطينية والتعيين بمرسوم من رئيس السلطة، وأن تقدم اللجنة الخدمات والاحتياجات الأساسية لسكان القطاع.

هذا الحل يُعتبر الأمثل لتولي إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب، خاصة أن هذه القضية كانت محور اهتمام كبير من قبل الولايات المتحدة ورئيس الوزراء الإسرائيلي، الذين كان يركزون على ضمان استقرار المنطقة بعد أي اتفاق للهدنة.

ردود فعل أطراف الأزمة

بالتزامن مع المحادثات الجارية في القاهرة، تواصل الأطراف المتورطة في الأزمة تحركاتها.

ماذا قالت حماس؟

أصدرت حركة حماس بيانًا تشير فيه إلى أن 33 أسيرًا من الأسرى المحتجزين في قطاع غزة قد لقوا حتفهم جراء القصف الإسرائيلي منذ بداية الحرب.

وهذا الرقم يشير إلى أن هناك نحو 90 أسيرًا على قيد الحياة، وفقًا لبيانات حماس، في حين تتفاوت التقديرات الإسرائيلية لتشير إلى أن عدد الأسرى الأحياء يتراوح بين 50 و70 أسيرًا.

ماذا قال ترامب؟

في الوقت نفسه، استخدم الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، منصته على موقع “سوشيال تروث” لتهديد المسؤولين عن احتجاز الأسرى في غزة ومنطقة الشرق الأوسط بعواقب وخيمة إذا لم يجرى الإفراج عنهم قبل تسلمه لمهامه الرئاسية في 20 يناير المقبل.

واعتبرت هذه التصريحات جزءًا من الضغط الأمريكي الاستعراضي الذي يهدف إلى التوصل إلى اتفاق يلبي الأهداف الإسرائيلية.

ورغم ذلك، يبدو أن الأطراف المشاركة في المفاوضات لم تُبدِ اهتمامًا كبيرًا بتصريحات ترامب، مُعتبرة إياها تصريحات انفعالية استعراضية، كما هو المعتاد من ترامب، من دون أن تكون مدعومة بخطة سياسية واضحة يمكن أن تؤثر على مجريات المفاوضات.

وبالانتقال إلى أرض الصراع غزة، ارتفعت حصيلة الحرب المستمرة منذ أكثر من عام بين إسرائيل وحماس إلى 44,429 قتيلًا على الأقل، بحسب السلطات الصحية في قطاع غزة التابعة لحركة حماس.

آخر كلمة ماتفوتوش قراءة: من هي هيئة تحرير الشام؟ قصة أبو محمد الجولاني وأثره في الصراع السوري

تعليقات
Loading...