في حضن الجبال، حيث تلامس السماء قمم سيناء، وحيث يهمس الصمت بأسرار العصور، تستفيق سانت كاترين من سباتها الطويل.
هناك، في أقصى الجنوب، بين الصخور الصامتة والرمال التي تحفظ آثار الأنبياء والرُحّل، فتحت الطبيعة كتابها القديم على صفحة جديدة، وعادت تنادي عشّاق المغامرة: “هلمّوا.. فالسحر لا يموت، بل ينتظر من يوقظه”.
بعد سنواتٍ من السكون، ومنع التجوال في تلك الربوع النائية، تعود الوديان لتتنفّس، وتعيد رسم ملامحها في ذاكرة من نسيها، أو لم يزرها قط. وديانٌ كانت تغفو على كتف الزمن، صامدة أمام النسيان، تنتظر لحظة العودة.. وها هي قد أتت.
في سانت كاترين، لا تسير على الأرض فقط، بل تخطو فوق حكايات، وتستمع إلى أناشيد الريح بين الجبال، وتلمح الأرواح القديمة في ملامح الصخور.
إنها رحلة تتجاوز المكان.. إلى الذات. نأخذك في جولة عبر ستة من أجمل الوديان التي فتحت ذراعيها مجددًا، لتكون محطتك التالية في عالم المغامرة والطبيعة الساحرة.
لا تفوّت قراءة: الشاورما اللبنانية أفضل ساندويتش في العالم.. 9 مطاعم عربية لا بد من تجربتها بالشرق الأوسط
سانت كاترين تفتح ذراعيها مجددًا: وديانها تنبض بالحياة بعد عقد من الصمت

عادت الحياة تتدفّق مجددًا في وديان سانت كاترين، تلك الجوهرة الجبلية في قلب جنوب سيناء، بعد قرار رسمي طال انتظاره.
وصدّق اللواء خالد مبارك، محافظ جنوب سيناء، بالتعاون مع الجهات المختصة، على فتح جميع الوديان أمام حركة السياحة الداخلية والخارجية.
ويشمل القرار المصريين والأجانب، ويعيد إحياء أنشطة السفاري والتخييم، والرحلات الروحانية التي لطالما ميزت هذه البقعة الاستثنائية من أرض مصر.
وبهذه الخطوة، تقف سانت كاترين عند مفترق طرق بين ماضيها العريق وحاضرها النابض بالحركة والطموح السياحي المتجدد.
وتتهيأ المدينة لأن تفتح قلبها من جديد للعالم، وتدعوه لاكتشاف أسرارها ومساراتها التي خفتت لسنوات، لكنها لم تغب.
وادي الشيخ عوّاد: حين تتجلى روح البداوة في قلب سيناء

يقع وادي الشيخ عوّاد على مقربة من دير سانت كاترين، ويمثل نموذجًا حيًّا للطابع البدوي الأصيل في جنوب سيناء.
يمتاز الوادي بتضاريسه المتنوعة بين صخور شامخة ومنحدرات هادئة، مما يجعله ملاذًا لعشّاق الطبيعة الصامتة.
وما بين الجبال، تنبعث الحكايات التراثية، في مشهد يمزج بين التأمل الروحي وعبق الماضي البدوي. الرحلات إليه تجرى عبر طرق تقليدية، إما سيرًا على الأقدام أو باستخدام الجمال، في تجربة سفاري لا تُنسى.
لذا، فإن زيارة وادي الشيخ عوّاد تمنحك فرصة فريدة للهروب من صخب الحياة، واكتشاف سكينة الصحراء.

وادي طلاح: الوجهة الأولى لعشّاق التسلق والمغامرة
يعد وادي طلاح من أقدم وأجمل وديان سانت كاترين، ويمتد بين جبال شاهقة تتدرج ألوانها بين البني والنحاسي والأحمر الداكن.
يشتهر الوادي بكونه من أبرز المواقع المناسبة لممارسة رياضات التسلق والمشي الجبلي في قلب جنوب سيناء.
وتزين جدرانه نقوش بدوية قديمة، وتتناثر في جنباته تكوينات صخرية نادرة تُشبه الأعمال الفنية المنحوتة بفعل الزمن.
وفي الربيع، تزهر نباتات برية نادرة تضيف للوادي لمسة من السحر والفرادة، وتجعله متحفًا طبيعيًا مفتوحًا في الهواء الطلق.
لهذا، يجتذب وادي طلاح محبي الجيولوجيا والمصورين المغامرين، ويمنحهم تجربة غنية بصريًا وروحيًا في آنٍ معًا.

لا تفوّت قراءة: حزب العمال الكردستاني يحرق سلاحه بعد 40 عاما من النزاع.. ماذا نعرف عن ماضيه وصراعه؟
وادي زُغرة: مغامرة بعيدة عن الزمن والمسارات المألوفة
يعد وادي زُغرة من أكثر وديان سانت كاترين عزلةً وغموضًا، ويجتذب عشّاق التخييم والمغامرة في أحضان الطبيعة البكر.
بعيدًا عن الطرق السياحية المعروفة، يقدم الوادي تجربة فريدة لعشّاق العزلة والانفصال عن صخب الحياة اليومية.
ولا توجد فيه خدمات سياحية مكتملة، لكنه يحتفظ بجماله الخام ومساراته الصخرية التي تتطلب لياقة عالية واستعدادًا بدنيًا وروحيًا. الهدوء هنا مختلف؛ فلا صوت يعلو على صفير الرياح بين الصخور، ولا ضوء يرافقك سوى وهج النجوم ليلًا.
من يرغب في رحلة خارج الزمن، سيجد في وادي زُغرة ضالته… مغامرة حقيقية في قلب سيناء.

وادي التلعة: حين يلتقي التحدي بجمال الطبيعة الهادئة
يعد وادي التلعة مفترق طرق رئيسي لعدة مسارات سفاري طويلة تمر عبر قلب سانت كاترين.
ويمتد الوادي في خط متعرج تحيط به جبال شاهقة، ليشكل مسارًا مثاليًا لعشّاق المشي لمسافات طويلة.
كما تدهشك التكوينات الصخرية الغريبة التي تبدو وكأنها منحوتات طبيعية تحكي قصة الزمن. ومع كل خطوة، يتعمق الإحساس بالسكينة، خاصة عند شروق الشمس وانعكاس الضوء على قمم الجبال.
إنها رحلة تجمع بين التحدي الجسدي والتأمل الروحي في واحدة من أجمل بقاع سيناء.
لا تفوّت قراءة: الإمارات تشتعل فنًا في يوليو 2025: حفلات غنائية وعروض كوميدية تبهر الجمهور
وادي الأربعين: رحلة إلى عمق الصمت والصفاء الروحي
يصنف وادي الأربعين من أكثر وديان سانت كاترين قداسةً وشهرة، وهو ممر جبلي استخدمه الرهبان والمتصوفة عبر العصور.
كما يربط الوادي بين مناطق جبلية وعرة، وكان مزارًا للتأمل والعزلة بعيدًا عن الحياة اليومية. واشتُق اسمه من طقس “الخلوة الأربعينية” الذي يمارسه المتعبدون في سكون تام وتأمل متواصل.
تغمر الزائر حالة من السكون الروحي، فلا صوت هنا إلا أنفاس الجبال وصدى الصمت العميق. إنه المكان الأمثل لمن يسعى للانفصال عن العالم، والاتصال بذاته في حضرة الجمال الإلهي.

وادي السباعية “الإسباعية”: المغامرة الهادئة تحت سماء لا تنام
رغم قلّة شهرته، يُعد وادي السباعية من أجمل وديان سانت كاترين، بسحره الخاص وطبيعته البكر. ويمتاز بممراته الضيقة ومنحدراته الصخرية التي تأسر أنظار المغامرين ومحبي التسلق الهادئ.
يفضّله عشّاق التخييم الليلي لما يوفره من خصوصية تامة وهدوء استثنائي بعيدًا عن المسارات المعروفة.
تعد سماؤه الصافية مثالية لرصد النجوم والتأمل في مجرّة مفتوحة لا تحجبها أضواء المدينة. وادي السباعية هو خيارك الأمثل إن كنت تبحث عن مغامرة هادئة في حضن الطبيعة الخالدة.

لا تفوّت قراءة: بالأسعار والمواعيد.. 8 أماكن لتعليم الرقص الشرقي في مصر والإمارات
عودة الحياة إلى الوادي… وتنمية تبدأ من الجذور
فتح هذه الوديان لا يمثل مجرد دفعة للسياحة البيئية، بل هو خطوة استراتيجية لإعادة إحياء المجتمعات البدوية وربطها بعجلة التنمية المستدامة.
يعتمد السكان المحليون على هذه المسارات كمصدر دخل، من خلال تقديم خدمات الإرشاد السياحي، وتنظيم رحلات التخييم، وتحضير الوجبات البدوية الأصيلة.
تندرج هذه الخطوة ضمن مشروع “التجلّي الأعظم”، أحد أبرز مشروعات الدولة في سيناء، والذي يهدف لتحويل سانت كاترين إلى عاصمة للسياحة الروحية والبيئية في المنطقة.
ويحرص المشروع على صون الطابع القدسي الفريد للمدينة، حيث تجلّت معاني السلام، ولامست السماء الأرض في لحظة أبدية من التأمل والتاريخ.