داليدا.. حكاية “بنت شبرا” الأسطورة التي غنت للسعادة ولم تعشها يوما!
وسط أضواء المسرح وبريق الشهرة الساحر، كانت المطربة العالمية داليدا تختزن في قلبها عالماً من الألم لا تراه عدسات الكاميرات، ودموعاً تخفيها خلف ابتساماتها الساحرة.
هي “بنت شبرا”، الأسطورة التي غنّت للحياة فرحها، لكنها لم تعش سعادتها يومًا، حكاية امرأة صنعت من صوتها أسطورة خالدة في سماء الغناء العالمي.
على مدار 33 عامًا، تركت داليدا بصمة لا تُمحى، باع فنها أكثر من 130 مليون نسخة، لكنها في خضم هذا النجاح، كانت تخوض صراعات داخلية عميقة.
وفي النهاية، أنهكتها الأحزان حتى أرسلت رسالتها الأخيرة: “الحياة صارت لا تحتمل، سامحوني”، معلنة رحيل أسطورة لن تنسى أبدًا.
لا تفوّت قراءة: الزعيم في مرآة الذكريات.. 7 أسرار لا يعرفها كثيرون عن عادل إمام

كيف تحولت “بنت شبرا” داليدا من طفولة قاسية إلى أسطورة فنية؟
وُلدت يولاندا كريستينا جيجيليوتي، المعروفة بداليدا، في 17 يناير 1933 بحي شبرا، لأسرة مهاجرة من جزيرة كالابريا في جنوب إيطاليا تعيش في فقر شديد.
نشأت في بيت صارم؛ والدها عازف كمان متشدد، ووالدتها محافظة، مما جعل طفولتها ومراهقتها تحت رقابة مشددة لا تخلو من التحديات. ولكنها ارتبطت في فترة المراهقة بفتى إيطالي من شبرا اسمه أرماندو وكان الحب الأول في حياتها.
عانت داليدا عقدة نفسية بسبب الحَوَل في عينيها، فكانت تبتعد عن الناس، خاصة في الكنيسة حيث تقف بعيدًا خوفًا من النظرات.
ومع وفاة والدها، اضطرت للعمل مبكرًا، فشغلت وظيفة سكرتيرة في شركة أدوية، بينما كانت والدتها تعمل خياطة لتوفير لقمة العيش.
رغم ذلك، سرًا شاركت في مسابقة ملكة جمال عام 1951، وفازت باللقب، مستغلة فرصة للهروب نحو حلم الشهرة والفن الذي ظل يراودها.
وغضبت الأم لرؤية صور ابنتها على أغلفة المجلات بلباس البحر ولكنها تراجعت عن هذا الموقف لاحقا.
ما السر وراء اختيار داليدا هذا الاسم؟ وهل نجحت في بداياتها السينمائية؟
اختارت يولاندا اسم “دليلة” تيمّنًا بالممثلة هايدي لامار بطلة فيلم “شمشون ودليلة”، إذ رأى كثيرون شبهًا بينهما في الملامح والجاذبية.
ثم عُرفت لاحقًا باسم “داليدا”، وهو اسم فني لامع حملته معها في رحلتها إلى النجومية، وجعلته توقيعًا خاصًا بها في عالم الفن.
بسبب الشبه بينها وبين النجمة جوان كولينز، اشتركت كبديلة لها في فيلم أمريكي صُوّر في الأقصر بعنوان “يوسف وأخوته”.
وجاء اختيارها بالصدفة أثناء وجودها في أحد الاستوديوهات، وهناك التقت بممثل مبتدئ وقتها يُدعى عمر الشريف، سيصير لاحقًا نجمًا عالميًا.
لاحقًا، ظهرت في أدوار بسيطة بعدة أفلام مثل “ارحم دموعي”، “الظلم حرام”، و”سيجارة وكأس”، لكنها لم تحقق بها أي شهرة تُذكر.
ثم قررت الهجرة إلى فرنسا عام 1954، لتبدأ مرحلة جديدة، ولم تعد إلى السينما المصرية إلا عام 1986 في فيلم “اليوم السادس”.
جسدت فيه دور فلاحة تدعى “صِديقة”، لكن الدور أثار انتقادات حادة بسبب لهجتها غير المصرية، التي لم تُقنع الجمهور أو النقاد.
كانت بداياتها السينمائية باهتة ومحاولاتها دون صدى حقيقي، لكن القدر كان يخبئ لها مجدًا من نوع آخر على مسارح الغناء العالمي.

لاتفوّت قراءة: نجمات جسدن دور “الست”: من منهن استطاعت أن تلمس روح أم كلثوم؟
كيف تحولت خيبة التمثيل إلى مجد غنائي عالمي في حياة داليدا؟
حين وصلت داليدا إلى باريس، اصطدمت بخيبة أمل كبيرة بعد فشلها في اقتناص فرصة تمثيل، وكادت تعود إلى مصر خالية الوفاض.
لكن لقاءها برولند برجر غيّر مجرى حياتها، إذ أقنعها بالغناء ودربها، وهناك بدأت رحلتها الجديدة على المسارح الفرنسية.
في تلك الفترة، اختارت اسم “داليدا” ليكون هويتها الفنية الجديدة، وبه ستحفر اسمها بين عمالقة الغناء العالمي.
امتلكت داليدا موهبة فريدة، وغنت بأكثر من ست لغات، وقدّمت ما يقرب من ألف أغنية تنوعت بين العربية والأجنبية.
انطلقت شهرتها بأغنية “بامبينو” عام 1965، لكنها بلغت قلوب العرب بأغنيتها الأشهر “حلوة يا بلدي”، ذات الطابع الحنين والدفء.
كما حققت أغنيتها “سالمة يا سلامة” نجاحًا عالميًا لافتًا، حتى أنها سجّلتها بخمس لغات مختلفة لنقل رسالتها عبر الثقافات.
ورغم رحيلها عن مصر، لم تنسَ جذورها، وقدمت أغنيات بالعربية منها “أنا عايزة أعيش” و”إسكندرية” بروح مفعمة بالحنين.
تحول حلم التمثيل الضائع إلى مجد غنائي نادر، فأصبحت داليدا أسطورة غنائية عالمية، رغم أن بدايتها لم تكن كما خططت.
لا تفوّت قراءة: أطفال السينما والدراما بين الأمس واليوم.. عشقناهم صغارا وتألقوا كبارا
هل كانت الشهرة كافية لإنقاذ داليدا من ظلال الحزن؟

رغم مجدها الفني وشهرتها العالمية، عاشت داليدا حياة شخصية غارقة في الأحزان، وكأنها كانت تطارد دائمًا سعادة مستحيلة المنال.
تزوجت من المنتج لوسيان موريس، وكانت علاقتهما محط أنظار الإعلام، لكنها لم تصمد طويلًا، فانتهت بالانفصال بعد أشهر قليلة فقط.
لكن المأساة الكبرى جاءت لاحقًا، حين أقدم موريس على الانتحار بإطلاق النار على نفسه، بعد عجزه عن استعادتها إلى حياته.

لم يكن هذا الحدث سوى بداية سلسلة من الخسائر العاطفية التي عمّقت اكتئاب داليدا، وأغرقتها في حزن صامت لا تداويه الأضواء.
ورغم كل ما قدّمته من أغانٍ مبهجة، حملت روحها أوجاعًا ثقيلة، حتى كتبت رسالتها الأخيرة: “سامحوني، الحياة لم تعد تحتمل”.
قصة حب انتهت بمأساة.. هل كان “وداعًا حبي” صرخة ألم أم وداع روح؟

في عام 1967، خاضت داليدا تجربة حب جديدة مع المغني الإيطالي الشاب لويجي تينكو، الذي أغرم بها وتشاركا الحلم والفن.
لكن الحلم سرعان ما انقلب إلى مأساة؛ إذ فشل لويجي في الفوز بجائزة مهرجان “سانريمو”، فأنهى حياته بإطلاق النار على رأسه.
كانت داليدا هي من اكتشف الجثة، وهزها المشهد حتى الأعماق، فدخلت في نوبة اكتئاب حادة لم تحتملها روحها الهشة.
بعد شهر من الحادثة، حاولت الانتحار بتناول جرعة مفرطة من المهدئات في باريس، محاولة الفرار من وجع لم يلتئم.
لكنها عادت للحياة والغناء، ووقفت على المسرح تغني أغنية حبيبها الراحل “Ciao Amore Ciao” كتحية وداع دامعة لحب انتهى برصاصة.
هل كان قلب داليدا ينبض بالحب أم ينكسر به؟
رغم الصدمات المتتالية، لم تيأس داليدا من العثور على الحب الحقيقي، وفتحت قلبها من جديد في لحظة كانت من أسوأ فترات حياتها.
بدأت علاقة عاطفية جديدة عام 1972، استمرت تسع سنوات، شعرت خلالها بالأمان والونس، لكنها انتهت بانفصال مؤلم في عام 1981.
بعد ثلاث سنوات، أقدم حبيبها السابق على الانتحار باستنشاق غازات عادم السيارة، بعدما غرق في الديون وفشل في تجاوز ألمه.
لم تكن هذه الخسارة الوحيدة، فخوف داليدا من المجتمع دفعها ذات يوم إلى الإجهاض، لأن حبيبها حينها كان أصغر منها بكثير.
لكن الزمن لم يرحمها، فحين أرادت الإنجاب بعد سنوات، أخبرها الأطباء أنها أصبحت عقيمًا، وهي الصدمة التي أنهكت روحها.

كل هذه الجراح المتراكمة دفعتها يوم 3 مايو 1987 إلى الانتحار، بابتلاع جرعة مميتة من الأقراص المنومة، تاركة رسالة أخيرة: “الحياة صارت لا تحتمل… سامحوني”.
أنا امرأة وحيدة بالكامل كل علاقاتي الغرامية فاشلة ولم أعرف الحب الحقيقي أبدا سأموت وحيدة مع نفسي
لقد حولت كل معاناتي إلي مهنة السعادة ولم أعرف معني السعادة أبدا
لقد حولت حياتي إلي قصة نجاح ولكن أين حياتي الحقيقية! فشلت في أن أكون إمرأه أنا مجرد مصنع أغنيات.. سامحوني الحياة لم تعد تحتمل
رسالة داليدا الأخيرة