في قلب القاهرة، حيث تختلط الحكايات القديمة مع صخب الحياة الحديثة، يقف ميدان رمسيس شاهدًا على مسيرة طويلة من التحولات.
قليلون فقط يعرفون أن هذا المكان لم يكن دائمًا مركزًا للزحام والضوضاء، بل بدأ كقرية صغيرة تحمل اسمًا قد لا يتخيله الكثيرون اليوم.
فما الذي جعل هذا الميدان يتحول من مجرد قرية هادئة إلى واحد من أكثر الأماكن رمزية في العاصمة؟ كيف كان تاريخ ميدان رمسيس ومن ترك فيه بصماتهم على أرضه وكيف روى مسيرة القاهرة ومصر كلها؟
لا تفوّت قراءة: ألعاب ممتعة لعطلة نهاية الأسبوع.. اكتشف تجارب ترفيهية لا تُفوّت في السعودية
قرية “أم دنين”.. بدايات ميدان رمسيس

من يمر اليوم بميدان رمسيس، ربما لا يتخيل أن هذا المكان المزدحم الذي يتفرع منه عشرات الشوارع ويعبره مئات الآلاف يوميًا، كان في يوم من الأيام قرية صغيرة تسمى “أم دنين”.
يروي المؤرخون أن عمرو بن العاص، بعد فتح مصر، جعل من هذه القرية منطقة تمركز، وأقام بها مسجدًا سمي “أولاد عنان”.
وفي العصر الفاطمي أعاد الحاكم بأمر الله بناء المسجد وأطلق عليه اسم جامع النفس. وهناك رواية أخرى تقول إنه سمي المقس.
لكن ما اتفقت عليه المصادر أن المسجد هدم في عهد الحملة الفرنسية، ثم أُقيم مكانه مسجد الفتح القائم حتى اليوم.
لا تفوّت قراءة: جزر ومنتجعات فاخرة في مصر وكأنك في المالديف.. أجمل وجهات البحر الأحمر للاستجمام في الصيف
كيف كان ميدان رمسيس في عهد محمد علي؟

في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حول محمد علي باشا المنطقة إلى متنزه عام، فغدت مساحة مفتوحة ومتنفسًا لسكان القاهرة حتى وصل الميدان للمرحلة الأهم في تاريخه وهي مرحلة السكة الحديد.
لا تفوّت قراءة: صندوق النقد يحدد شرطين لمصر.. كم بلغ إجمالي ما حصلت عليه القاهرة من قرض الـ8 مليارات دولار؟
مرحلة السكة الحديد ومحطة مصر.. المرحلة الأهم في تاريخ ميدان رمسيس

ثم جاء عصر السكك الحديدية ليغير ملامح المنطقة بالكامل وميدان رمسيس ويحولها من مكان هاديء لمكان يعج بالناس والأصوات والحياة.
بعض الروايات تقول إن الخديوي عباس الأول وقع اتفاقية مع الحكومة الإنجليزية عام 1851 لإنشاء خط سكك حديدية يربط القاهرة بالإسكندرية. وبنيت محطة القطارات المركزية، التي عرفت باسم محطة مصر،
صرح عظيم له تاريخ معماري وقيمة أثرية وتراثية ومبنى تاريخي مسجل ضمن قائمة المباني الأثرية، انشئ عام 1853.
وقام بتصميمه المعماري البريطاني “أدون باتر” على الطراز العربي الإسلامي، وافتتح عام 1856، كما تم إنشاء متحف السكك الحديدية عام 1932 لعرض تطور وسائل النقل في مصر.
لا تفوّت قراءة: أفضل فنادق أكوا بارك في مصر 2025.. متعة مائية لكل أفراد العائلة!
تمثال “نهضة مصر” و”تمثال رمسيس”.. صروح تاريخية شهدها ميدان رمسيس

في عشرينيات القرن الماضي، وضع النحات المصري محمود مختار تمثاله الشهير “نهضة مصر” في وسط الميدان.
لذلك صار يعرف باسم ميدان نهضة مصر، باعتباره امتدادًا طبيعيًا لمسيرة طويلة من إبداع المصريين على أرضهم.
وقد جاءت فكرة إقامته عبر دعوة لاكتتاب شعبي، شاركت فيه الحكومة أيضًا، حتى تحقق الحلم وأُزيح الستار عنه رسميًا عام 1928 وبعض المصادر سنة 1926.
التمثال المصنوع من حجر الجرانيت يعد رمزًا لمصر الحديثة، إذ ارتبط بدلالات سياسية قوية في تلك الحقبة التي شهدت تصاعد المطالبة بالاستقلال.
التمثال القائم اليوم فيبلغ ارتفاعه نحو سبعة أمتار، فيما يصل عرض قاعدته إلى ثمانية أمتار. ويجسّد صورة فلاحة مصرية تقف شامخة.
ترفع الحجاب عن وجهها بيدها اليسرى، فيما تلامس بيمينها رأس تمثال أبي الهول الذي بدا مستعدًا للنهوض، في إشارة رمزية إلى أن الفلاحة تمثل الأم والشعب معًا.
وقد شهد الميدان احتفالًا مهيبًا يومها، وقت وضعه قبل أن ينقل لاحقًا إلى موقعه الحالي أمام جامعة القاهرة عام 1955 ويأتي بعده تمثال رمسيس الثاني ليشهد الميدان حقبة جديدة.

رحلة الميدان مع رمسيس الثاني.. حقبة جديدة تضاف للتاريخ

شهد الميدان حدثًا آخر فارقًا عندما أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بنقل تمثال رمسيس الثاني إلى قلب القاهرة. ففي عام 1955 تقريبًا، نقل التمثال الضخم إلى الميدان، ليصبح رمزًا جديدًا للقاهرة، ويأخذ الميدان اسمه الحالي ميدان رمسيس.
وظل التمثال قائمًا هناك حتى 2006 وبعدها تم نقله إلى منطقة الأهرامات في الجيزة حفاظًا عليه من التلوث والاهتزازات المرورية ليستقر بعد ذلك في 2018 في بهو المتحف المصري الكبير.
والتمثال طوله 12 مترًا، ويزن 82 طنًا، وهو تمثال منحوتٍ من الجرانيت الوردي اللون، وتم نقله في عملية هندسية دقيقة.
ولكن ظل الميدان ياخد شهرته من التمثال الذي ظل على اسمه، وما زاد من أهمية الميدان أيضَا قربه من المحطة من فنادق كبرى بمنطقة الأزبكية وشارع الجمهورية، ولكنه اليوم تبددت ملامحه تمامًا.
لا تفوّت قراءة: الكنوز الخفية لمصر..7 مواقع تراث عالمي لليونسكو يجب أن تراها
أصوات تعج بالمكان..المرحلة المفصلية في تاريخ ميدان رمسيس

تمر السنوات وينتشر الفوضى والزحام فيقلب الميدان الذي لا يهدأ، ما أن تشرق الشمس حتى يتحول إلى الفوضى، تتداخل فيه الخطوات والأصوات والوجوه.
الأرصفة تمتلئ بالباعة الجائلين، ومحطة المترو تبتلع آلاف الطلاب والموظفين والوافدين من محافظات الوجه البحري والصعيد.
الميدان لم يعد مجرد نقطة التقاء طرق، بل شريان خانق يربط شبرا بمصر الجديدة عبر غمرة والفجالة والجمهورية، يئن تحت ضغط السيارات والمواقف العشوائية والكلاكسات التي لا تهدأ.
ميكروفونات تعلن وصول القطارات من الإسكندرية، أقدام تسحق الأرصفة، ميكروباصات تنتظر دورها لتحمل ركابًا يغادرون وآخرين يصلون. الباعة ينادون على “فول وطعمية”
هذا الصرح الشعبي، الذي يلتقي فيه نبض المصريين جميعًا، عاد إلى واجهة الذاكرة مع حريق سنترال رمسيس في يوليو 2025 في قلب شارع رمسيس.
حين التهمت النيران المكان وتسببت في وقع ضحايا وإصابات وأعادت تذكير الجميع بما يحمله هذا المكان من رمزية. لم يكن الحريق مجرد حادث ولكنه أشار إلى هشاشة البنية التحتية التي تختبئ خلف ضجيج البشر والحديد.

لا تفوّت قراءة: استكشف سحر بورسعيد في يوم واحد.. أجمل المعالم المُذهلة وأشهى الأكلات
“باب الحديد” و”الملكة نازلي”.. أسماء شارع رمسيس والميدان عبر التاريخ

- في البداية عرف الشارع باسم شارع عباس الأول بعد شقه في عصره، وكان يصل إلى منطقة الريدانية (العباسية حاليًا).
- وفي عهد الملك فاروق الأول، تغيّر الاسم إلى شارع الملكة نازلي نسبةً لوالدته.
- وبعد ثورة 1952 صار الشارع والميدان يحملان اسم رمسيس.
وقد قيل إن هذا الباب كان يشبه كثيرًا باب الفتوح المعروف في القاهرة الفاطمية، وقيل أيضَا أنه أطلق عليه”باب الحديد” لوجود بوابات حديدية كبيرة محيطة بالميدان.